«جحيم الديكتاتور».. حكايات المعذبين داخل معتقلات «أردوغان» السرية
يواصل
النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان، جرائمه وممارساته القمعية بحق الآلاف من
المواطنين الأتراك، متخذًا من تهمة المشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت
في 15 يوليو 2016، مبررًا للتنكيل بكل معارضيه.
وكشف
تقرير أعده موقع «euobserver»،
تحت عنوان: «داخل غرف أردوغان السرية للتعذيب»، كيف حول الرئيس التركي حياة
الأتراك إلى جحيم، بعد إصدار أحكام على الكثيرين منهم بالموت، أو السجن إلى الأبد،
واستمرار حملات الاعتقال التعسفية، وعمليات التعذيب الوحشية التي طالت غالبية
المواطنين.
تقرير موقع «euobserver»، تضمن حقائق مرعبة، حيث تعمد النظام التركي التنكيل بالآلاف من الساسة والعسكريين والشخصيات العامة والمواطنين الأتراك، وداخل غرف سرية أُعدت خصصيًا لهذا الغرض دأب رجال «أردوغان» التفنن في إذاقة هؤلاء الأبرياء أنواع العذاب كافة، وبصور وحشية.
ديكتاتورية
«أردوغان»
تقرير
موقع «euobserver»،
وثق الأعمال الديكتاتورية لـ«نظام أردوغان»، من خلال سرد قصة رجل يُدعى «جعفر
توبكايا»، وهو مواطن تركي عمل لفترة زمنية تزيد على 15 عامًا، في البحرية التركية،
قبل أن ينتقل بين عامي 2015 و2016 إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للعمل في حلف شمال
الأطلسي (الناتو).
«توبكايا»، الذي نجح في الهروب خارج تركيا، بعد أن عبر إلى الأراضي اليونانية ومنها إلى بروكسل، ومُنح هناك صفة «لاجئ»، صمم على توثيق تجربته المريرة داخل السجون التركية، معتبرًا أن هذه الخطوة «واجب أخلاقي، وأقل ما يقدمه من أجل إنقاذ أولئك الذين لا يزالون قابعين في السجون والمعتقلات التركية دون وجه حق».
للمزيد:
بعد أن باتت زنزانة للصحفيين.. تركيا تسجل أسوأ حضور في بلاط صاحبة الجلالة
لم
يكن لـ«توبكايا»، أي علاقة بمحاولة الانقلاب الفاشلة، فقد كان في ذلك الوقت
موجودًا في «بروكسل» ويمارس مهام عمله هناك؛ إلا أنه فوجئ في 10 من أكتوبر عام
2016، بتعليمات صادرة من القيادة التركية تلزمه بضرورة العودة إلى أنقرة لحضور
«اجتماع طارئ».
«توبكايا»
لم يكن طوال حياته منخرطًا في السياسة، كما أن عدم تورطه من قريب أو بعيد في أي
تفاصيل متعلقة بمحاولة الانقلاب الفاشلة، جعله يلبي في 12 من أكتوبر الاستدعاء
العاجل الذي بُلغ به، ولم يكن الرجل مشغولًا بتلك الأخبار المرعبة التي تؤكد وقوع
الكثير من الأتراك المقيمين بالخارج في «فخ» أعدته السلطات التركية بمكر ودهاء
للإيقاع بهم، ومن ثَّمَ الزج بهم في السجون والمعتقلات بتهم تتعلق بمحاولة
الانقلاب، أو الانتماء لجماعة «فتح الله غولن».
فخ
الاعتقال
عاد
«توبكايا» إلى أنقرة، وفي 13 من أكتوبر، وبعد يوم واحد من عودته توجه مباشرة إلى
المقر الرئيسي للأركان العامة في الجيش التركي، حاملًا في يده علبة من الشوكولاتة،
كان ينتظر لقاء قادته ليهديهم إياها، ظنًا منه أن اجتماعًا طارئًا سيعقد وسيكون هو
واحدًا من الحاضرين؛ إلا أنه صُدم بالواقع المؤلم.
للمزيد:الوجه
القبيح لـ«أردوغان».. يُقنن السياحة الجنسية ويؤمن هروب الداعشيات
كان استدعاء «توبكايا»، من بروكسل على عجل من قِبل القيادة التركية، حيلة لاعتقاله، وداخل المقر الرئيسي للأركان العامة في الجيش التركي، وجد الرجل نفسه أمام «فخ» نُصب له بإحكام ومكر شديد، وخلال لحظات طوقه عشرات من الجنود الذين ألقوا القبض عليه باعتباره «أحد أنصار غولن»، وأصدر أمر الاعتقال أميرال بحري يُدعى «جيهات يايجي» (أحد العسكريين الذين سطع نجمهم بعد إشرافه على العديد من عمليات الاعتقال بعد محاولة الانقلاب، وتمت ترقيته إلى رئيس هيئة أركان في البحرية التركية).
نقل
«توبكايا»، عقب اعتقاله إلى مكان كان يبدو من واجهته الخارجية أنه صالة تدريبات
رياضية، كانت قريبة من القصر الذي يقطن فيه «أردوغان» بأنقرة، وفي الداخل فوجئ بأن
هذا المكان أعد خصصيًا للتنكيل بالمعتقلين، وقلبِ حياتهم إلى جحيم.
عمليات
تعذيب وحشية
يروي
«توبكايا»، ما أطلق عليه «ظروف اعتقال مهينة»، عمليات التعذيب الوحشية التي
مارستها السلطات التركية بحق المعتقلين، الذين يقبع معظمهم هناك دون أدلة تدينهم،
أو محاكمة، وممنوعين من الاتصال بالعالم الخارجي، مؤكدًا «كانت السلطات التركية
إذا اعتقلت أي شخص دون محاكمة تبقيه في السجن لمدة لا تزيد على 4 أيام، لكن حالة
الطوارئ التي تم فرضها عقب الانقلاب، تغيرت معها الأمور، وزادت المدة لتصبح غير
محكومة بأي قانون».
للمزيد:
بموافقة «أردوغان».. تجنيد مقاتلين لـ«داعش والقاعدة» تحت غطاء «العمل الخيري» في
تركيا
http://www.almarjie-paris.com/5166
يقول
«توبكايا»: «إن نحو 100 شخص كانوا موجودين داخل الصالة الرياضية، التي لا تتسع
لمثل هذا العدد، إضافة إلى أن ظروف الاعتقال كانت سيئة للغاية، فقد كان المعتقلون
يحصلون على وجبتين فقط في اليوم، الأولى هي وجبة الإفطار وتتضمن قطعتين من الخبز
فقط، والثانية هي العشاء وتتضمن قطعتين من الخبز ومقدار ملعقتين من الأرز،
وملعقتين من الخضراوات، وأن حراس المعتقل يتعمدون رفع درجة حرارة المكان خلال أيام
الصيف الحارة، وخفضها خلال الشتاء، ولم يكن يُسمح للمعتقلين بارتداء أي أحذية أو
تغيير ملابسهم أو الجلوس على كراسي، كان الجميع يجلس على الأرض، وننام على قطع
إسفنجية رقيقة قذرة، كما تشاركنا جميعًا 3 حمامات فقط».
تعرض
«توبكايا»، للتعذيب، لكنه يصف ذلك بقوله: «كنت محظوظًا، حيث لم يتم تعذيبي بصورة
وحشية كما حدث مع بعض زملائي في المعتقل»، مؤكدًا «كان أحد المعتقلين معنا عالمًا
كبيرًا في مجال الطب، وفي أحد الأيام عاد إلينا باكيًا بعد جلسة تحقيق أجريت معه؛
لقد عذبوه وضربوه كثيرًا، وأرغموه على النوم فوق الأرض، ووضعوا سلاحًا في فمه، قبل
أن يحمله الحراس مهددين إياه بأنهم سيرمون به من النافذة وهو ما أصابه بالرعب، ثم
عقب أن فرغوا من تعذيبه بطرق وحشية طلبوا منه بعد خروجه من الغرفة التي كان يُعذب
فيها أن يركض في الممر، وبالفعل امتثل لأوامرهم، وهو يرتعش ويتملكه الخوف الشديد،
لقد رسخ داخل نفسه أنهم طلبوا منه الركض ليطلقوا عليه الرصاص وينهوا حياته، ثم
يتهموه بأنه حاول الهرب ولذلك اضطروا لقتله».
للمزيد:
إرهاب الإخوان.. وسيلة «أردوغان» لتحقيق حلم الإمبراطورية العثمانية
لم
تتوقف الممارسات الوحشية لـ«نظام أردوغان»، عند حد التنكيل بالعلماء والسياسيين
وصغار العسكريين؛ يقول «توبكايا»: «كان معتقلًا معنا قائدًا عسكريًا كبيرًا، كان "كولونيل" في الجيش التركي، وقد تعرض لأشد أنواع التعذيب قسوة مرات عديدة، وهددوه
باعتقال زوجته وتشريد أبنائه إذا لم يعترف بما يريدونه».
تصفية
خلافات شخصية
حملات
الاعتقال العشوائية التي شنها نظام «الديكتاتور التركي»، كانت فرصة سانحة لتصفية
خلافات شخصية بين المواطنين الأتراك وبعضهم البعض، فبمجرد أن يبلغ أي مواطن عن
غيره زاعمًا أنه شارك في محاولة الانقلاب الفاشلة، تسارع السلطات التركية إلى
اعتقاله ومن ثمَّ التنكيل به، وفي هذا يؤكد «توبكايا»، أنه كان من ضمن المعتقلين
معه «وسيط تأمين»، كان جاره دائم الضغط عليه ليرغمه على قبول مشاركته في تجارته،
وحين أصر الرجل على الرفض، قدم جاره معلومات مزيفة ضده للسلطات، واتهمه بالانضمام
لـ«جماعة غولن»، وبالفعل وقع في «فخ» الاعتقال، واستولى الجار على كل أمواله.
ظل
«توبكايا»، 13 يومًا في المعتقل، ثم أجريت له محاكمة صورية، كانت عريضة الاتهام
فيها جاهزة «الانضمام لجماعة غولن، ونشر تغريدات أهان الرئيس فيها، باستخدام تطبيق
بايلوك المحظور في تركيا»، دون إعطائه حق الدفاع عن نفسه، حتى إنه وخلال المحاكمة
طلب من القضاة رؤية حساب «تويتر» الذي يتهم بأنه نشر تغريدات مسيئة عليه، لكنهم
رفضوا، وحين أكد لهم أن بعض التغريدات نشرت خلال وجوده في المعتقل، أمرت المحكمة
بوضعه في سجن «سنجان» لحين صدور حكم نهائي ضده.
للمزيد:
القصف التركي لكردستان.. مخطط أردوغان لنقل معركة الأكراد إلى العراق
http://www.almarjie-paris.com/5106
نقل
«توبكايا»، إلى سجن «سنجان»، وهناك حُبس في زنزانة مع 4 سجناء آخرين، رغم أنها لا
تتسع بأي حال من الأحوال لأكثر من 3 أشخاص فقط، وترك لينام على الأرض، وواجه هو
ومن كانوا معتقلين معه ظروفًا قاسية؛ فلم يكن الحراس يمنحونهم سوى كميات ضئيلة
جدًا من الطعام، وحرموا من التدفئة بالرغم من أن درجة الحرارة كانت أقل من 15 درجة
مئوية.
شاهد
«توبكايا»، داخل سجن «سنجان»، الكثير من السجناء الذين تعرضوا لأبشع أنواع
التعذيب، ومن ضمن هؤلاء قائد في الجيش تم اقتياده إلى مقر القوات الخاصة وعذب وصعق
بالكهرباء لثلاثة أيام متواصلة، ولم ينجُ من هذا العذاب إلا بعد أن أقر بأفعال لم
يأتِ بها كانت السلطات تطلب منه أن يعترف بها، وبالرغم من أن هذا القائد كشف خلال
محاكمته أن اعترافاته نُزعت منه تحت وطأة التعذيب؛ إلا أن هيئة المحكمة لم تلتفت
لأقواله، وأصدرت حكمها بسجنه مدى الحياة.
للمزيد:
مؤامرة «أردوغان».. تركيا تدعم داعش للقضاء على الأكراد
http://www.almarjie-paris.com/4734
ويضيف «توبكايا»، أن عمليات التعذيب الوحشية أصابت سجينًا آخر بالجنون؛ إذ أصبح يتحدث بصوت مسموع مع أشخاص ليس لهم وجود إلا في خياله، وتارة أخرى يبادل نفسه الحديث، وتارة ثالثة يبكي ويضحك في نفس اللحظة وبشكل هستيري دون سبب.
الهروب
من الجحيم
مُنح «توبكايا»، حق الاطلاع على ملفه، وذلك بعد 11 شهرًا قضاها داخل سجن «سنجان»، تجرع خلالها شتى أنواع التعذيب، وحين قرأ سطور الملف وجد بداخله ما يشبه السيرة الذاتية لـ«غولن»، وكتب أسفل منها «اتهام بالانضمام إلى جماعته».
وفي
أكتوبر من عام 2017، فشل الادعاء في تقديم أية أدلة تدين «توبكايا» في المحاكمة
الجديدة التي حددت له؛ إلا أن المحكمة رفضت إطلاق سراحه، بالرغم من أنه لم يعد
متهمًا بأية تهمة، ليقبع في السجن شهورًا أخرى.
وفي
فبراير 2018، اضطرت المحكمة إلى إصدار حكم بـ«إطلاق سراح مشروط»، بحق «توبكايا»،
بعد أن فشل الادعاء للمرة الثانية في تقديم أية أدلة تدينه، وشددت عليه أن يحضر
السبت من كل أسبوع إلى مركز الشرطة، بعد أن مضى على اعتقاله 16 شهرًا.
للمزيد:
«سادات».. ذراع «أردوغان» الخفية لدعم الإرهاب بالمنطقة
http://www.almarjie-paris.com/4423
لم
تمر سوى أيام قليلة على إطلاق السراح المشروط الذي مُنح إياه «توبكايا»، وفوجئ
بمعلومات تصله من مقربين له تؤكد أن «يايجي» (القائد العسكري الذي أصدر أمرًا
باعتقاله)، عازم على اعتقاله مرة أخرى وفي وقت قريب، وهو ما دفعه للهروب خارج
تركيا، بعد أن عبر إلى الأراضي اليونانية ومنها إلى بروكسل.
يقول «توبكايا»: «كانت عملية الهروب محفوفة بالمخاطر، خاصة أن الناتو لم يقدم أي مساعدة لي، وأريد أن أعرب عن شكري للسلطات اليونانية والبلجيكية لحسن معاملتي، ومنحي صفة لاجئ، كما أود التعبير عن خوفي من أن يتم اختطافي وإعادتي إلى تركيا مجددًا».





