مقتل قادة تنظيم القاعدة من الصفين الأول والثاني، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، زعيم التنظيم الذي ترددت الأنباء -غير المؤكدة حتى الآن- عن وفاته ستؤثر بلا شك على مستقبل التنظيم الذي أصبح غامضًا إلى حد كبير.
يمر التنظيم بأسوأ فتراته بسبب الانفصال المفاجئ للرأس
عن الجسد، ليصبح جسدًا هزيلًا تتنازعه الخلافات والصراعات بلا رأس توجهه وتقوده
نحو الأمام، وأقصد بالجسد فروع التنظيم في شمال أفريقيا، والمغرب العربي، والساحل، والصحراء، واليمن، وسوريا، وأفغانستان، وباكستان، والصومال وغيرها، وأقصد بالرأس القيادة
المركزية.
يخطئ من يظن أن القاعدة مجرد تنظيم له مجلس قيادة،
وسينتهي بموت هذا المجلس، فالقاعدة كغيرها من التنظيمات الإرهابية فكرة، والفكرة
لا تموت بموت أصحابها، بل يمكنني القول بملء الفم إن القاعدة لا تزال ملهمة
بأفكارها لعناصر تنظيم «داعش» وقياداته حتى الآن، وتعتبر نفسها امتدادًا للقاعدة،
وينظرون إلى مؤسس القاعدة أنه أول زعيم لتنظيم «داعش» بعد أبي مصعب الزرقاوي، الذي
وضع قبل ابن لادن نواة القاعدة، ويصفون «أسامة» بالقائد الشهيد؛ ما يعني
أن تنظيم القاعدة مازال يشكل خطرًا وتهديدًا عالميًّا ولو بدرجة أقل من ذي قبل.
وخلاف تنظيم داعش مع «القاعدة» هو في الحقيقة
خلاف مع زعيمه أيمن الظواهري، لذلك حينما يتطرقون لنقد القاعدة، فلابد أن يلحقوا
بها اسم الظواهري، فيقولون: «قاعدة الظواهري» وكأن «القاعدة»
أصبح تنظيمين وليس تنظيمًا واحدًا، الأول هو المنسوب لمؤسسه أسامة بن لادن،
والثاني منسوب لخلفه أيمن الظواهري.
لا أحد يعلم حتى الآن إذا كانت استراتيجية القاعدة
بأولوية محاربة العدو البعيد المتمثل في أمريكا، بدلًا من العدو القريب المتمثل في
الحكام العرب المتحالفين معها، ستتغير في الفترة المقبلة أم لا، بسبب عدم وضوح
الرؤية لدى من يقود تنظيم القاعدة إن تأكد بالفعل موت الظواهري.
من الوارد بقوة بعد أمد بعيد أن يصبح القاعدة تنظيمًا
تاريخيًّا له إرث إعلامي من خلال تسجيلاته الصوتية والمرئية والمكتوبة التي أنتجتها
مؤسسات التنظيم، وعلى رأسها مؤسسة السحاب، التي كانت ملء السمع والبصرة لفترة
طويلة من الزمن، تزعمت فيها ما يسمى خطأ بالإعلام الجهادي، وهذا الإرث الذي ورثه
تنظيم داعش، وطوره بشكل أسرع وأكثر كمًّا وكيفًا، فألف من الكتب والمطبوعات وأنتج
من الصوتيات والمرئيات من خلال إعلامه الرسمي المسمى بديوان الإعلام المركزي، أو
غير الرسمي الذي يطلق عليه الإعلام المناصر، أنتجت هذه المؤسسات في فترة وجيزة لا
تتخطي السنوات الست، أضعاف أضعاف ما أنتجته مؤسسة السحاب من إصدارات.
يبقى القول إن تمدد أي تنظيم أو انحصاره لا يرتبط فقط
ببقاء القيادة أو موتها، وإن كان عاملًا مؤثرًا في كل الأحوال، لكن العامل الأكثر
تأثيرًا، هو العامل المادي المتمثل في مصادر التمويل، أو الدول والمنظمات الممولة
والداعمة للتنظيم، والتي تستطيع بأموالها وعلاقاتها بقيادات الإرهاب في العالم خلق
قيادة جديدة تحقق لها مصالحها المشتركة، خاصة تلك المصالح التي تتعلق بالتهديدات
الأمنية في مناطق مختلفة من العالم، إذ إن استمرار تلك التهديدات يعود بالنفع ولو
بشكل غير مباشر على الدول الداعمة، التي تستغل هذه التهديدات في الترويج لمنتجاتها
التسليحية، وبيع الأسلحة لكلا الطرفين (التنظيمات الإرهابية – الجيوش النظامية)،
لتظل المستفيدة اقتصاديًّا من هذا الصراع الممتد.