بدستور الإنقاذ من الانهيار الاقتصادي.. تونس تسعى للخروج من أزمة العشر سنوات
بدخول محدودة وجيوب شبه خاوية اعتادت الانهيار أمام الارتفاعات المستمرة للأسعار يطالع التونسيون كل يوم مشاحنات الساسة حول الاستفتاء المرتقب 25 يوليو 2022، وبينما يفرغ كل فريق نفسه يوميًّا لتعديد أسباب الأخذ بموقفه من تصويت بنعم أو لا أو حتى مقاطعة، يبذل المواطنون مجهودات مضاعفة لإيجاد رابط بين أي من تلك الخيارات وطريق لإنقاذهم من عجلة الفقر التي تدور يوميًّا طاحنة مزيدًا من الأسر.
ووفقًا لأحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي التونسي فمتوقع ارتفاع معدلات الفقر بتونس بمقدار 2.2%، بالتزامن مع توقعات بزيادة التفاوت وعدم المساواة في توزيع الثروة.
إن كان هذا الواقع الاقتصادي الذي يعيده البعض إلى سياسات العشر سنوات التالية للثورة التونسية، ويبرهن به على فشل نظام ما قبل 25 يوليو 2021 هو السمة البارزة لتونس، فمشروع الدستور الذي طرحه الرئيس التونسي في الثلاثين من يونيو الماضي وعدلها في الثالث من يوليو الجاري، هو الوجه الأخر والأبرز على الأقل الآن.
السياسة والتردي الاقتصادي
الكاتب السياسي التونسي عادل البريني، لا يرى تعارضًا بين الوضع الاقتصادي ومشاحنات الساحة التونسية، معتبرًا في تصريحات خاصة لـ«المرجع» أن أجواء ما قبل الاستفتاء تشير إلى حالة صحية تعيشها تونس. ويلفت إلى أن «كل أنواع الجدال مفيدة في المراحل السياسية الكبرى لأنها تعطي حلولًا جديدة».
ويدلل بحالة «الحيوية السياسية» على مناخ الديمقراطية الذي تعيشه تونس هذه الفترة، رافضًا التخوفات التي أعلنها معارضو الرئيس قيس سعيد وتتجسد في اتهامه بالتأسيس لديكتاتورية جديدة. ويشدد «لا يوجد ما يدعو للقلق، هناك رأي ورأي آخر، وتظاهرات تخرج لكلا المؤيدين والمعارضين، كما هناك منابر يطلق من خلالها المعارضون آراءهم».
ويعتبر الكاتب السياسي خلافات ما قبل الاستفتاء جزءًا من الصدامات التي عاشتها تونس منذ عام تقريبًا في 25 يوليو الماضي، عندما أزاح الرئيس حكم البرلمان بسيطرة حركة النهضة عليه، وأدار البلاد بإجراءات استثنائية.
ويشير إلى أن ما يحدث طبيعي؛ إذ شهدت تونس إزاحة قوى سياسية لصالح قوى سياسية أخرى. ومن الطبيعي أن تحاول القوى المتضررة مقاومة المسار الذي قضى على مكتسباتها.
صلاحيات لا مكاسب
ويرى البريني أن الدولة التونسية تعتبر هذا الاستفتاء الحل الجذري لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفتها تونس وكادت أن تؤدي بالبلاد إلى الاحتراب لولا سلمية المجتمع.
وعن الصلاحيات الواسعة التي يضمنها الدستور المطروح للاستفتاء لرئيس الجمهورية، وما إذ كان لقيس سعيد مكاسب شخصية، يقول البريني إن تونس جربت النظام البرلماني وأثبت فشله.
ويفسر: «شهدت تونس فترات نيابية كان البرلمان فيها يحظى بشكل مزرٍ ومواقف لا تليق بالثورة والدولة التونسية»، متابعًا «كانت الخلافات داخل البرلمان تصل أحيانًا إلى العنف اللفظي والمادي».
ويسترسل: «ضف إلى ذلك الدور الشكلي الذي كان لرئيس الجمهورية، فرغم انتخابه انتخابًا مباشرًا حرًا فإنه لم يكن قادرًا على بناء مدرسة أو تعديل شارع».
ويلفت البريني إلى دور المجتمع المدني والمنظمات والنقابات التي تنشط في الدفاع عن الحقوق والحريات، معتبرًا أن كل ذلك يقف عائقًا أمام بناء ديكتاتورية جديدة. واعتبر أن النظام الرئاسي المتضمن في الدستور الجديد، يعيد الأمور إلى نصابها فالرئيس من حقه بعد انتخابه من قبل ملايين الشعب أن ينفذ برنامجه الانتخابي، «كما إنه الوحيد من بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس القضاء المنتخب انتخابًا مباشرًا، فمن غير المنطقي أن يبقى بصلاحيات منقوصة".
ولا يتفق الكاتب السياسي التونسي مع الرأي القائل بأن سعيد يؤسس من خلال الدستور المقترح لمكاسب شخصية له، قائلًا إن قيس سعيد على مشارف إنهاء دورته الأولى وفي أحسن الأحوال لن يبقى في السلطة إلا دورة ثانية أي خمس سنوات فقط، ما يشير على أنه يضمن صلاحيات للرئيس بشكل عام وليس لنفسه.
وحول المخاوف من عدم إتمام الاستفتاء، فلم يتفق، قائلًا إن كل المقومات تتوافر له لكي يحدث، مشيرًا إلى أن حال جاءت أغلبية الأصوات بالموافقة فستصبح حركة النهضة في أحسن أحوالها، مجرد حزب سياسي من بين الأحزاب، وليس الحزب المسيطر الذي يحكم ويأمر الرئيس المنتخب، خاصة أن عملية انتخاب نواب البرلمان كان يشوبها نوع من الفساد، سواء على مستوى تغيير إرادة الناخبين بالمال أو بالتأثير المعنوي».
مناخ ديموقراطي
من جانبه يري الكاتب والمحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي أن استفتاء 25 يوليو الجاري يمثل لتونس النفق الذي ستتخلص من خلاله من تجربة السنوات العشرة الأخيرة.
ولا يتفق هو الآخر مع مخاوف الديكتاتورية التي يسوقها البعض ضد قيس سعيد، قائلًا إن الديكتاتوريات تبنى بالعصا والجيوش، «وحتى الآن تعيش تونس مناخًا ديمقراطيًّا حقيقيًّا". ونفى أن يكون لرئيس الجمهورية مصالح من وراء الدستور المقترح، مشيرًا إلى أن النظام البرلماني أثبت فشله بعدما وضع البلد في يد حركة النهضة وكانت وحدها بالمشهد. وشدد هذا الوضع تطلب التدخل لتعديله فكان التأسيس لنظام رئاسي مصحوب بشروط تمنع تجاوز الرئيس.
ولم يتوقع الجليدي مشاركة كبيرة من قبل المواطنين، مشيرًا إلى أن الشعب لم يعد معني بالعملية السياسية وكل ما يشغله هو قدرته الشرائية.
للمزيد... مع اقتراب الاستفتاء على الدستور.. توقعات بتزايد وتيرة العنف في تونس







