يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

اضطرابات الأوجادين.. هل ينتصر الإرهاب في معركة «القرن الأفريقي»؟

الأربعاء 22/أغسطس/2018 - 11:24 ص
المرجع
محمد الدابولي
طباعة

تشهد منطقة القرن الأفريقي منذ عام 1990 اضطرابات سياسية مستمرة، ففي بداية عقد التسعينيات سقط أقوى نظامين في تلك المنطقة، حيث نظام هيلا ميريام منجستو في إثيوبيا، ونظام محمد سياد بري في الصومال.

اضطرابات الأوجادين..

منذ ذلك الحين، مرت الدولتان بتحولات وصفت بالعنيفة، ففي إثيوبيا على سبيل المثال انسلخ منها إقليم إريتريا ليصبح دولة مستقلة عاصمتها «أسمرة»، أما باقي الأقاليم الإثيوبية مثل: الأوجادين وأوروميا، باتا ينظران للتجربة الإريترية بعين الغبطة، راجين أن يكون مصيرهما السياسي كإريتريا، ويصبحا دولتين مستقلتين، ما أدى إلى دخولهما في توترات واضطرابات أمنية وسياسية مع الحكومة الفيدرالية الإثيوبية في أديس أبابا.

 

أما في الصومال فكان مصيرها الانهيار والفشل التام وانتشار الجماعات الإسلاموية بها، مثل صعود «اتحاد المحاكم الإسلامية» لسدة الحكم عام 2006 ومن بعده «حركة شباب المجاهدين» ذروة الصعود الإسلاموي في الصومال، ما استدعى تدخلًا إثيوبيًّا لمواجهة هذا المد.

للمزيد.. المناعة الإثيوبية من الهجمات الإرهابية.. الأسباب والمسارات (1ـ 2)

اعتمدت إثيوبيا على أسلوب المواجهة المباشرة ونقل المعركة إلى أرض العدو، حيث تدخلت في الصومال دافعة ميليشيات حركة الشباب بعيدًا عن الحدود الصومالية الإثيوبية، ما شكّل مناعة إثيوبية خاصة من إرهاب حركة الشباب.

 

رغم تمكن أديس أبابا من دفع خطر حركة الشباب بعيدًا عن أراضيها، لكن تأزم الأوضاع الداخلية المستمر شكل تحديات معوقة ليس فقط لجهود إثيوبيا في الحرب على الإرهاب بل أيضًا على استقرار النظام السياسي الإثيوبي.

اضطرابات الأوجادين..

أولًا.. آمال متعاظمة

مؤخرًا خلال الشهور الخمسة الأخيرة شهدت منطقة القرن الأفريقي تعاظم الآمال في تحقيق الاستقرار السياسي لدولها والقضاء على الظاهرة الإرهابية نهائيًّا، وذلك بفضل قوة الدفع الإيجابية التي خلفتها عملية التغيير السياسي في إثيوبيا التي بدأت مع صعود أبي أحمد لسدة الحكم في البلاد، وانتهت مع تحقيق المصالحة التاريخية مع إريتريا، بعد عقدين من القطيعة بسبب الحرب الحدودية بينهما.

للمزيد.. المناعة الإثيوبية من الهجمات الإرهابية.. الأسباب والمسارات (2ـ 2)

واستثمارًا لسياسات «أبي أحمد» الإصلاحية الداخلية والخارجية، حدث توافق إقليمي بين «إثيوبيا وإريتريا والصومال» حول العديد من النقاط المشتركة، الأمر الذي أدى لتصفير المشكلات بينها ووضع الجماعات الإرهابية في مأزق، التي كانت دائمًا تتغذى على تلك الخلافات.

 

وداخليًّا نجحت سياسات «أبي أحمد» في تحقيق الرضاء الجزئي لدى بعض الجماعات الإثنية مثل «الأورومو والأمهرا»، إلا أنها في نفس الوقت لم تكسب رضا بعض الجماعات الإثنية الأخرى مثل الصوماليين في إقليم الأوجادين والتيغرانيين، ما أضاء نقاط كاشفة حول التحديات التي ستواجهها الحكومة الإثيوبية خلال الفترة القادمة، والتي ستؤثر في حربها على الإرهاب.

اضطرابات الأوجادين..

ثانيًّا.. تحديات راهنة

الضجيج السياسي الذي أحدثته تغيرات السياسة الداخلية والخارجية الإثيوبية أخفي العديد من التحديات التي تواجه مسألة الحرب على الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، إلا أن الاضطرابات السياسية الأخيرة أعادت تلك التحديات إلى الواجهة مرة أخرى، مشككة في قدرات الحكومة الإثيوبية في التعاطي مع أزماتها الداخلية وقضايا الخارجية، وأبرزها:

 

مصالحة محفوفة المخاطر

مؤخرًا شهدت إثيوبيا مصالحة مع التيار الإسلاموي تمثل في عودة شيوخ وقادة التيار الإسلاموي مثل الشيخ «سعيد أحمد مصطفي» مؤسس «جمعية شباب مسلمي إثيوبيا» الذي قضي نحو 23 عامًا في المنفي في السعودية، والشيخ جابر عبدالله ومحيي الدين شريف، يفسر البعض ما حدث على أنه يصب في إطار المصالحة الدينية والإثنية في البلاد، إلا أن تلك الخطوة قد تأخذ أبعادًا أخرى في ظل الصراع «الإسلامي - الإسلامي» في إثيوبيا بين السلفيين والأحباش، حيث شهدت البلاد منذ عام 2011 احتجاجات وصراعات في ظل تمكين الحكومة لطائفة الأحباش من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

للمزيد.. تقارب إريتريا وإثيوبيا.. انعكاسات على إرهاب «القرن الأفريقي»

فيما أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة تضع الترتيبات الخاصة بالمجلس تمهيدًا لإعادة تكوينه؛ لكي يضم جميع المدارس الفكرية في إثيوبيا، في خطوة توسم بالمستحيلة في ظل التنافر الشديد بين تياري السلفية والأحباش، ورغبة كل منهما في القضاء على الآخر، لذا نجد أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة بعودة إسلاميي المنفي متسرعة إلى حد ما، في ظل تعقيدات المشهد الديني الإسلامي في البلاد، فكان الأحرى أن تضع الحكومة خطة متدرجة لحل الخلافات الدينية المنهجية أولًا، ثم العمل على دمج الإسلاميين في المجتمع الإثيوبي وعودتهم مرة أخرى للبلاد في مرحلة لاحقة.

رئيس الوزراء الإثيوبي
رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد

اضطرابات الأوجادين

خلال الفترة اللاحقة لنشأة تنظيم «حركة شباب المجاهدين»، انتشر عدد من التوجسات لدى المحللين وقوى الأمن والاستخبارات الإثيوبية من عدوى انتقال الجماعات الإرهابية الصومالية داخل الحدود الإثيوبية، خاصة أن السياق السياسي والأمني في إقليم الأوجادين يعزز هذه الفرضية، فالإقليم توجد به جماعات وحركات تطالب بالانفصال مثل «الجبهة الوطنية لتحرير الأوجادين»، إلا أن الجبهة لم تتورط في دعم حركة الشباب، أو الانخراط معها في حرب الجيش الإثيوبي، ويعود ذلك إلى غياب البعد الديني الإسلاموي عن توجهات وفكر الحركة.

للمزيد.. إثيوبيا في مفترق الطرق.. سيناريوهات محاولة اغتيال رئيس الوزراء

اضطرابات الأوجادين..

وبالتالي يمكن القول -رغم انفصالية جبهة تحرير الأوجادين- لكنها شكلت حائط صد مهمًا لانتقال نشاط حركة الشباب إلى الداخل الصومالي، كما أن ميليشيات الأوجادين كانت تحظى ببعض التفاهمات مع النظام السياسي الذي كان يسيطر عليه إثنية التيجراي، ما دفع ميليشيا «ليو بولس» التابعة للأوجادين إلى قمع انتفاضات الأورومو المستمرة.

 

أعادت تطورات الأحداث الأخيرة في إقليم الأوجادين التوجسات والتخوفات القديمة مرة أخرى إلى السطح، فخلال الأيام القليلة الماضية شهد الإقليم محاولة تمرد ومحاولة إعلان استقلاله من جانب واحد ردًا على تصريحات أبي أحمد بتخصيص 5% من النفط المستخرج من الإقليم لصالح الإقليم، تسارعت الأمور في الإقليم من حرق وتدمير لمقدرات الدولة، ما استدعى تدخلًا من الجيش الإثيوبي وتقديم رئيس الإقليم عبد محمود عمر استقالته، وتعيين وزير المالية أحمد عبدي محمد رئيسًا مؤقتًا للإقليم.

 

ما يهمنا من تداعيات أزمة إقليم الأوجادين هو تأثيرها على مستقبل «حركة شباب المجاهدين» في الصومال، فالأحداث الأخيرة قد تدفع إلى تقارب بين ميليشيات الإقليم وحركة شباب المجاهدين، في ظل حالة الاحتقان التي يعاني منها الإقليم، فقد تنشئ أطرًا للتعاون بين الجانبين في ظل حالة الطلاق والانفصال بين النظام السياسي الحالي والميليشيات الصومالية في الأوجادين.

للمزيد.. السلفية والأحباش.. الصراع القادم في إثيوبيا

اضطرابات الأوجادين..

مما يعزز الفرضية السابقة انتماء رئيس الوزراء الإثيوبي إلى إثنية الأورومو التي تحظى بعداء شديد مع إثنية الصوماليين في الأوجادين، نتيجة خلافات كبيرة حول تقسيم الحدود بين الأوجادين وأوروميا، أي أن الخلافات الإثنية والخلاف على توزيع الموارد الطبيعية قد يدفع ميليشيات منطقة الأوجادين تدريجيًّا إلى التعاون مع ميليشيات حركة شباب المجاهدين.

للمزيد.. العلاقة الغامضة بين «الإخوان» والحركة الفكرية في إثيوبيا

"