ad a b
ad ad ad

المناعة الإثيوبية من الهجمات الإرهابية.. الأسباب والمسارات (1ـ 2)

السبت 11/أغسطس/2018 - 11:37 ص
المرجع
محمد الدابولي
طباعة
تعد إثيوبيا من الدول التي حققت مناعة أو حصانة من العمليات الإرهابية، فطوال السنوات الماضية لم تشهد الساحة الإثيوبية أي عمليات إرهابية، رغم وقوع إثيوبيا في إقليم مضطرب مليء بالجماعات والتنظيمات الإرهابية، مثل «حركة شباب المجاهدين»، و«جيش الرب للمقاومة الأوغندي».

تتشابك إثيوبيا في العديد من الملفات الخاصة بالتنظيمات الإرهابية، فهي من ناحية تُعدُّ لاعبًا إقليميًّا قويًّا في الحرب على الإرهاب؛ حيث تدخلت في الصومال 2006 لمنع سيطرة «اتحاد المحاكم الإسلامية»(1) على الحكم في الصومال، كما أن حركة شباب المجاهدين في الصومال نشأت على خلفية التدخلات الإثيوبية في الشأن الصومالي، وإسقاط حكم المحاكم الإسلامية، ومن ناحية الوضع الديني والسياسي الداخلي في إثيوبيا فمعقد للغاية، فلعقود طويلة مضت عانى المسلمون من التهميش السياسي والاقتصادي.

لذا تدور الدراسة حول تساؤل رئيسي، وهو كيف حققت إثيوبيا -رغم وجودها في بيئة إقليمية مضطربة بسبب انتشار الجماعات الإرهابية، ووضع ديني داخلي معقد- مناعة خاصة من الجماعات الإرهابية؟ فخلال العقدين الماضيين لم تشهد إثيوبيا أي عمليات إرهابية، كما أن «حركة شباب المجاهدين» في الصومال لم تستهدف أي أهداف في داخل إثيوبيا؟ 

مفهوم المناعة الإرهابية ومؤشرات قياسها
لا توجد أي محاولات سابقة لتعريف المناعة أو الحصانة من العمليات الإرهابية، فمعظم الجهود البحثية تتجه في الأساس نحو تعريف الإرهاب وطرق الوقاية منه، أما مفهوم خاص بالمناعة أو الحصانة من الإرهاب فلم يسبق أن تناولته الدراسات والأبحاث السياسية المتعددة.

إلا أن هذا لم يمنع من وجود العديد من المؤشرات التي تحاول الاقتراب من المفهوم، فمثلًا «المؤشر العالمي للإرهاب» الصادر عن «معهد الاقتصاد والسلام» «IEP» يصدر سنويًّا مؤشرات لقياس الإرهاب والسلام في العالم(2)، والتي يمكن من خلالها استنباط مفهوم المناعة من الإرهاب، مثل مؤشري السلام العالمي والإرهاب العالمي، فمؤشر الإرهاب العالمي يقيس العديد من المتغيرات التي يمكن من خلالها التنبؤ بالأخطار الإرهابية التي تحيط بالدولة، مثل عدد العمليات الإرهابية التي تمت فيه، وعدد الضحايا والوفيات، ومستوى النزاعات وعدد الجماعات الإرهابية التي من أبرزها تنظيما القاعدة وداعش، فضلًا عن الآثار الاقتصادية المترتبة على العمليات الإرهابية(3).

يتم تصنيف الدول وفق المتغيرات السابقة إلى 7 تصنيفات تقريبًا، بدءًا من دول شديدة التأثر بالعمليات الإرهابية وانتهاءً إلى دول لا تشملها العمليات الإرهابية، وفي المنتصف تقع دول متوسطة التأثر بالعمليات الإرهابية.

 ويوجد مؤشر آخر يمكن من خلاله استنباط مفهوم المناعة أو الحصانة من العمليات الإرهابية ألا وهو «مؤشر السلام الدولي» الصادر أيضًا عن «معهد الاقتصاد والسلام»؛ حيث يقيس المؤشر ثلاثة متغيرات رئيسية وهي:

Ø مستوى السلامة والأمن الاجتماعي في المجتمع الداخلي.
Ø الصراعات التي تخوضها الدولة، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي.
Ø درجة العسكرة في الدولة، أي هل الدولة تحشد المزيد من قدراتها الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية بالاتجاه نحو العسكرة؟ أم أنها غير ذلك؟

ومن التحليل المبسط السابق لأهمية للمؤشرين السابقين، يمكن استنتاج مفهوم خاص بالمناعة الإرهابية للدولة التي تنجح في تعزيز فرص بناء السلام، سواء كان ذلك بين مكوناتها الداخلية أو في علاقتها الخارجية وتقلل من احتمالات وقوع العمليات الإرهابية بها، وخلوها تمامًا من الجماعات الإرهابية.

ومن هذا المنطلق يمكن تحقيق المناعة من العمليات الإرهابية من خلال العناصر التالية
السلام الاجتماعي: لتحصين أي دولة من العمليات الإرهابية ينبغي عليها مقاومة الغبن الاجتماعي لدى بعض الفئات المحرومة، فالإرهاب يولد من رحم التهميش والغبن.
تسامح مجتمعي: ينبغي تبني أفكار ومبادئ تحض على التسامح والابتعاد عن الطائفية والتمييز، فمثلًا نجحت جنوب أفريقيا في تجاوز مرحلة الأبارتيد وخطابها العنصري وتبني نموذج جديد للتعايش والتسامح المجتمعي.

تحقيق السلم العالمي: الدول التي تمتنع عن التورط في دعم الجماعات الإرهابية تكون أقل عرضة للعمليات الإرهابية، فمثلًا سلطنة عمان تنتهج سياسة خارجية قائمة على عدم التورط في أي نزاع بالمنطقة، وتبني سياسة الحياد التام، الأمر الذي جعلها بعيده كل البعد عن الهجمات الإرهابية (4).
تعزيز الخبرات الأمنية: الخبرات الأمنية المتراكمة تسهم في تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية في مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية، فمثلًا الخبرات المكتسبة من أحداث العشرية السوداء في الجزائر ساهمت في حد كبير في تقليل مخاطر انتشار تنظيم «داعش» في الجزائر رغم انتشاره على الحدود في ليبيا أو مالي.

التنبؤ المبكر بالأخطار الإرهابية: ينبغي لكل دولة أن تمتلك مؤشرها الخاص لقياس درجة التهديدات الإرهابية؛ وذلك من خلال إنشاء مرصد سياسي وإعلامي يكون هدفه رصد التصريحات والبيانات السياسية الصادرة من القيادات السياسية، وتحليل مضمونها لتحديد إمكانية أن يتم استخدامها في تغذية العنف والتطرف أم لا

تعزيز التنمية: تعزز التنمية المستدامة عملية إزالة الغبن والضيم الاجتماعي، وبالتالي تقليل مخاطر الجماعات الإرهابية؛ حيث لن تجد له أي حواضن شعبية، فمن المعروف أن الحاضنات الشعبية للجماعات المتطرفة تكون في الغالب الجماعات المهمشة والمقهورة سياسيًّا وتنمويًّا.

بيئة محفرة للإرهاب داخليًّا وخارجيًّا
البيئة السياسية التي تتحرك فيها إثيوبيا بيئة معززة للإرهاب والجماعات الإرهابية، فمنطقة القرن الأفريقي تعد أكثر المناطق العالمية التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية، مثل حركة شباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة، وأيضًا الجماعات المتطرفة المسيحية مثل تنظيم «جيش الرب» الأوغندي، أما الديناميات السياسية الداخلية فتشجع أيضًا على الإرهاب، ومن أبرز تلك الديناميات:

Ø الانفصال الإثني: منذ الاطاحة بحكم «الديرغ (5)» بقيادة منجستو هيلا مريام، وتولي «الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا» بقيادة «ميليس زيناوي» الحكم في أديس أبابا اتبعت الجبهة أسلوب «الفيدرالية الإثنية»(6) لحل لطلبات الانفصال وتحقيق التوازن بين الجماعات الإثنية المختلفة، إلا أن الحزب الحاكم «الجبهة الثورية» نجح في إفراغ صلاحيات الفيدرالية الإثنية من مضمونها، وذلك عبر السيطرة الحكومات الإقليمية(7).

Øتأصيل الغبن الاجتماعي: جماعة «التيجراي» هي إحدى الجماعات الإثنية المنتشرة في الداخل الإثيوبي، لكنها تتميز بأنها نجحت في السيطرة على مقاليد السلطة والحكم في البلاد، من خلال احتكار المناصب السياسية، فمثلا ميلس زيناوي رئيس الوزراء الراحل كان ينتمي لطائفة التيجراي، ومكَّن جماعة التيجراي من الاقتصاد الإثيوبي من خلال إنشاء شبكة معقدة من الشركات الاستثمارية التي تعمل في مجالات الإنشاءات والاتصالات والكهرباء والصناعات المعدنية، كما تم إنشاء «الصندوق الوقفي لإعادة تأهيل إقليم تيجرايEFFORT »، حيث يسيطر هذا الصندوق الذي يتشكل من 12 شركة بشكل شبه كامل على الاقتصاد الإثيوبي(8).

وساهم التمكين السياسي والاقتصادي لجماعة التيجراي بشكل كبير في زيادة الغبن الاجتماعي لدي العديد من الجماعات الأخرى التي عانت من التهميش والاقصاء مثل «جماعة الأورومو(9).

 انتشار التنظيمات الإثنية المسلحة: إزاء حالة الاحتكار في المناصب والثروات التي تسيطر عليها جماعة التيجراي (مسيحية) وحرمان أكبر الجماعات الأورومو (ذات أغلبية مسلمة) من الموارد والمنافع الاقتصادية، أدى ذلك لانتشار المزيد من التنظيمات والحركات الإثنية التي تستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، ومن أبرزها «حركة تحرير الأورومو» المصنفة إرهابيًّا من قبل الحكومة الإثيوبية(10).

وهنا يجب عدم الخلط بين الجماعات المتمردة التي تطالب ببعض الحقوق الإثنية والجماعات المتطرفة التي نشأت تحت أساس ستار ديني، وتسعى لتحقيق أهداف تزعم أنها في خدمة الدين كالقاعدة وداعش

Ø الصراع الديني - الديني: لعقود طويلة مضت عانى المسلمون في إثيوبيا من الاضطهاد الديني؛ نتيجة سيطرة المسيحيين على الحكم والسلطة في أديس أبابا، وتزايد الاضطهاد مرة أخرى في عهد حكم «الديرغ» ذي التوجهات الشيوعية(11)، إلا أنه ومع قدوم النظام الحالي في بداية التسعينات تم تبني منهج علمانية الدولة كأساس ضابط للعلاقات بين الأديان في البلاد، ما أتاح للمسلمين المزيد من الحريات الدينية التي أسهمت بشكل كبير في تمكين المسلمين في البلاد، لكن خشية الحكومة والنظام المستمر من انتشار الجماعات الراديكالية المتطرفة الإسلاموية جعل الحكومة الإثيوبية تعمل على تمكين طائفة الأحباش من الشؤون الدينية في البلاد، ما أوجد صراعًا داخل المسلمين بين التجمعات السلفية وطائفة الأحباش(12).

وأدت سيطرة الأحباش على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمساجد في إثيوبيا إلى انتفاض الاحتجاجات السلفية المتقطعة على هذه القرارات في عام 2012، ما تسبب فى اعتقال المزيد من أنصار التيار السلفي في أديس أبابا(13).

ومن قراءة المشهد الديني الإثيوبي يتضح أن الحكومة طوال العقود الثلاثة الماضية نجحت في تجنيب البلاد حربًا طائفية بين المسلمين والمسيحيين، لكنها في ذات الوقت أوجدت مناخًا للصراع الطائفي بين السلفيين والأحباش(14).

Ø وجود تيار إسلاموي في إثيوبيا: الوجود الإخواني في إثيوبيا لم يكن وليد السنوات الماضية إنما يمتد في جذوره إلي عقود ماضية، ففي البداية كانت تمثل «حركة الإصلاح الإسلامي في إريتريا» وحزبها المنبثق عنها «الحزب الإسلامي» (1988) الوجود الإخواني الأول في إثيوبيا(15).
 
إلا أنه في عام 1993، وبعد تحقيق استقلال إريتريا جرى إعادة ترتيب الوجود الإخواني في البلاد، فتم في البداية الانتشار في الجامعات وأوساط المثقفين المسلمين والطلاب في الجامعات والمدارس، وحقق تيار الإخوان نشاطًا ملحوظًا في الساحة الإثيوبية(16).

وعلى الرغم من تحقيق التيار انتشاره الواسع في صفوف الطلاب والمثقفين فإن أنصاره يرفضون تأطيره في إطار تنظيمي؛ خشية ملاحقة أجهزة الدولة الأمنية، ويدل بقاء التيار رغم عدم تنظيمه إلى وجود احتمالية لممارسة العنف الديني في المستقبل(17).
 
Ø التدخل في الصومال: تدخلت إثيوبيا في الصومال عسكريًّا عام 2006 لإسقاط حكم المحاكم الإسلامية، ما أدى إلى بروز حركة شباب المجاهدين الموالية للقاعدة، والتي تتخذ من الوجود الإثيوبي في الصومال ذريعة لشن عملياتها الإرهابية، وطالت هجماتها الإرهابية العديد من الأهداف الإثيوبية خارج إثيوبيا، فمثلًا في يونيو 2016 قتل نحو 30 جنديًّا إثيوبيًّا في هجوم على قاعدة لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي «أميسوم» في وسط الصومال بواسطة سيارة مفخخة(18).

ويلاحظ أن العمليات الإرهابية تطال القوات الإثيوبية العاملة خارج إثيوبيا والموجودة في الصومال، لكن مازال الداخل الإثيوبي منيعًا أمام شن هجمات متنوعة لحركة شباب المجاهدين عكس دول الجوار الأخرى مثل كينيا وأوغندا

هوامش

(1) تأسس في عام 2004 كذراع لاتحاد المحاكم الإسلامية، وأعلنت «حركة شباب المجاهدين» استقلاليتها في عام 2007 لمواجهة التدخلات الإثيوبية في إثيوبيا وتدين الحركة بالولاية لتنظيم القاعدة ويتزعمها حاليا «أحمد ديري».

(2) حركة مسلحة مسيحية تأسست في عام 1986 في مناطق شمال أوغندا على يد «جوزيف كوني» لمواجهة الحكومة في العاصمة كمبالا.

(3) تنظيم إسلاموي تأسس علي يد «شيخ شريف شيخ أحمد» وتمكن في عام 2006 من السيطرة على العاصمة مقديشو ومعظم أراضي الصومال، ما استدعى تدخلًا إثيوبيًّا للحد من صعود اتحاد المحاكم الإسلامية

(4) معهد الاقتصاد والسلام يعد من أكبر مراكز الفكر المختصة بقضايا الإرهاب والسلام العالمي، ويهدف إلى خلق نموذج عالمي للتفكير حول السلام باعتباره الأداة الوحيدة لتحقيق رفاهية الانسان، وأنشئ في عام 2007 وله العديد من المكاتب حول العالم في لاهاي بهولندا ونيويورك وسيدني، ويقدم تقريرًا سنويًّا يقيس فيه معدلات الإرهاب في العالم وللمزيد حول المراكز تابع:
Institute For economic and peace، At: http:economicsandpeace.orgabout

. Institure of economic and peace، global terrorism index 2017 measuring and understanding the impact of terrorism، pp. 6 -9.

(5) . د. محمد عز العرب، «المناعة الداخلية: لماذا ظلت عُمان محصنة من تهديدات الإرهاب؟»، الأهرام، متاح على الرابط التالي:
http:www.ahram.org.egNewsQ462458.aspx

(6) الديرغ هو نظام الحكم الذي تولي السلطة في إثيوبيا بعد الاطاحة بالإمبراطور هيلاسلاسي عام 1974 وترأس حكم الديرغ الرئيس الإثيوبي الراحل منجستو.

(7) يقوم مبدأ الفيدرالية الإثنية على منح الجماعات الإثنية أحقيتها في تحقيق الاستقلال الذاتي وأحقيتها في إدارة شؤونها الداخلية مثل انتخاب ممثليها في المجلس البلدية والمحلية وتولية حكام المقاطعات فضلا عن أحقيتها في المطالبة بالانفصال.

(8) محمد الدابولي، مستقبل جماعة الأورومو.. بين طموحاتها القومية والتوازنات الداخلية، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 20 مارس 2018، متاح على الرابط التالي:
https:elbadil-pss.org20180320مستقبل-جماعة-الأورومو-بين-طموحاتها-

(9) المرجع السابق.

(10) المرجع السابق.

(11) المرجع السابق.

(12) جمال عبد الهادي محمد مسعود، علي لبن، المجتمع الإسلامي المعاصر بأفريقيا (القاهرة: دار الوفاء للنشر، 1995) ص ص 117. 120.

(13) محمد الدابولي، السلفية والأحباش.. الصراع القادم في إثيوبيا، المرجع، 25 مايو 2017، متاح على الرابط التالي:
http:www.almarjie-paris.com1183

(14) المرجع السابق.

(15) المرجع السابق.

(16) محمد الدابولي، "العلاقة الغامضة بين «الإخوان» والحركة الفكرية في إثيوبيا"، المرجع،7 مايو 2017، متاح على الرابط التالي:
http:www.almarjie-paris.com783

(17) المرجع السابق.

(18) المرجع السابق.
. FOXNEWS WORLD، At least 30 Ethiopian troops killed in Somalia terror attack، official says، AT:
http:www.foxnews.comworld20160609somalia-30-ethiopian-troops-killed-in-attack-by-militants.html
"