المناعة الإثيوبية من الهجمات الإرهابية.. الأسباب والمسارات (2ـ 2)
السبت 11/أغسطس/2018 - 08:36 م

محمد الدابولي
لا تعاني إثيوبيا من هجمات
إرهابية على غرار ما يحدث في مصر، إنما تعاني من هجمات من نوع آخر تصنفه على أنه
إرهاب محلي مدعوم من قوى خارجية، خاصة إريتريا المتهمة دائمًا من قِبَل الجانب
الإثيوبي بدعم الإرهاب والجماعات المتمردة في إثيوبيا، فمثلًا تتهم أديس أبابا جارتها
أسمرة بدعم حركة Ginbot 7 وهي
حركة معارضة داخلية تصنفها إثيوبيا على أنها حركة إرهابية(1).
وبعد استعراض المقومات السابقة الداعية لانتشار الإرهاب في
إثيوبيا إلا أننا نجد ندرة في العمليات، فلا تكاد تطالعنا الأخبار الواردة من
إثيوبيا عن ارتكاب عمليات إرهابية سوى القليل، وأغلبها قد لا يرتبط بالحركات
الإرهابية العالمية كتنظيم القاعدة وفرعه في القرن الإفريقي (حركة شباب المجاهدين)
أو حتى تنظيم داعش، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول أسباب مناعة
إثيوبيا من الهجمات الإرهابية، وهو ما يمكن توضيحه في النقاط التالية:

Ø عزوف
الإثيوبيين عن المشاركة في التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود: لا نستطيع الجزم
بعدم انتماء أي إثيوبي إلى الجماعات الإرهابية الكبرى كتنظيمي «القاعدة، وداعش»، إلا
أنه من الواضح أن الإثيوبيين أكثر ابتعادًا عن المشاركة في مثل تلك التنظيمات
الإرهابية، فهم أكثر انخراطًا في الميليشيات المسلحة محليًّا، أي أن البعد القومي
مازال هو المحرك والدافع الرئيس للإثيوبيين في مواجهة الحكومة، وتنفيذ عمليات عنف
مسلح، وهو ما نجده في تحركات «حركة تحرير الأورومو» و«جبهة تحرير الأوغادين».
Ø المشاركة
الشعبية للحرب على الإرهاب: ترجح العديد من التحليلات الإثيوبية بأن السر في عدم
ارتكاب جرائم إرهابية في إثيوبيا يعود إلى تحقيق المشاركة الشعبية في الحرب على
الإرهاب، فمثلًا المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية «تويولد مولوغيتا»
«Tewolde Mulugeta» أكد أن السبب في عدم وقوع هجمات
إرهابية كبرى في إثيوبيا يعود إلى المشاركة الشعبية في الحرب على الإرهاب(2).
Ø شبكات
أمنية قوية: تمتلك إثيوبيا حاليًّا جيشًا قويًّا مدربًا على حرب العصابات، شارك بنجاح في
إسقاط حكم المحاكم الإسلامية في الصومال 2006، كما تمتلك قوى أمنية مدربة على
مكافحة الإرهاب، وهو ما يؤكده الخبير الأمني الإثيوبي«أوكيلو»(3)، كما أصدرت
إثيوبيا في عام 2009 إعلان مكافحة الإرهاب» (ATP) لمقاضاة الجرائم المتعلقة بالأنشطة الإرهابية، وملاحقة جميع
المتورطين في العمليات الإرهابية(4).
وعلاوةً على الخبرات الأمنية المتراكمة عملت الحكومة الإثيوبية
على تحقيق توافق كبير بين جميع أجهزتها الأمنية، فلا تضاد وتضارب في الصلاحيات، حيث
تولى جهاز المخابرات والأمن الوطني الإثيوبي مهمة مكافحة الإرهاب في البلاد، وتشكيل لجنة تكون مهمتها تنسيق المهام بين جهاز المخابرات وجهاز الشرطة الفيدرالية
والشرطة المحلية في الولايات المختلفة(5).
ولمزيد من الاحتياطات الأمنية، لجأت إثيوبيا إلى اتخاذ إجراءات
أكثر صرامة في التعامل مع الحدود السياسية، فحدودها تقريبًا مغلقة، كما تقوم
بإجراءات دقيقة في فحص وتعقب المسافرين إليها في أثناء فترة وجودهم في البلاد، فليس
من السهل السفر والتجول في إثيوبيا دون أن تكون هناك مراقبة أمنية لصيقة(6).
Ø تعزيز
التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب: تنشط إثيوبيا في مجال التعاون الإقليم في
مكافحة الإرهاب، حيث شكلت (الشرطة الفيدرالية الإثيوبية والمخابرات) تنسيق عالي
المستوى مع الأجهزة الأمنية في أوغندا لمنع هجمات حركة الشباب في إثيوبيا(7).

ولتعزيز التعاون الإقليمي في محاربة الإرهاب، انضمت إثيوبيا إلى
المجموعة الإقليمية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال في شرق وجنوب أفريقيا
(ESAAMLG)؛ وذلك لتعزيز إجراءاتها في مكافحة تمويل
المنظمات الإرهابية(8).
كما تشارك إثيوبيا في الجهود التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي في
محاربة التنظيمات الإرهابية قي الصومال، من خلال قوات «أميسوم» المعنية بمكافحة خطر
حركة شباب المجاهدين في القرن الأفريقي، كما تسعى أديس أبابا إلى استغلال دورها
البارز في منظمة «الإيجاد» في تطوير برامج مكافحة الإرهاب وتطوير الأجهزة الأمنية
في دول المنظمة(9).
Ø الشراكة
مع الولايات المتحدة: وفرت فرصًا كبيرة لتدريب قوى الأمن والجيش الإثيوبي على
محاربة الإرهاب، فمن المعروف أن التدخلات الإثيوبية في الصومال كانت بالوكالة عن
واشنطن، وبالتالي تعد إثيوبيا شريكًا وحليفًا قويًّا لأمريكا في الحرب على الإرهاب.
Ø تهديدات
متنوعة في بيئة مضطربة: تعيش إثيوبيا في بيئة إقليمية مضطربة سياسيًّا وأمنيًّا، فعلى
حدودها الشرقية تنشط حركة شباب المجاهدين، وفي حدودها مع أوغندا تنشط جماعة «جيش
الرب» الراديكالية المسيحية، فضلًا عن تفاعلها بشكل مؤثر في الملف السوداني قبل
تحقيق انفصال جنوب السودان في يوليو 2011، فشبكة التهديدات السابقة جعلت قوى الأمن
لديها المزيد من الخبرات في التعامل مع مثل تلك الأزمات.
أيضا عانت إثيوبيا طوال تاريخها من انتشار العديد من حركات
التمرد والانفصال، مثل حركة تحرير الأورومو، ومن قبلها حركة التحرير الإريترية، ما أكسب أيضًا قوى الأمن خبرات عالية في التعامل مع الميليشيات المسلحة وأسلوب
تفكيكها.
Ø غياب
البعد الديني عن الحركات الانفصالية: تتكون إثيوبيا من العديد من الجماعات الإثنية
مثل التيجراي والأمهرا والأورومو والصوماليين، وكل جماعة تقريبًا تمتلك حركة تحرير
تريد الانفصال عن جسد الدولة الإثيوبية وتكوين دولة مستقلة بذاتها.
ومن أبرز تلك الحركات جبهة تحرير أوغادين الوطنية (ONLF)، فمنذ نشأة الجبهة عام 1981 وهي ترفع لواء التحرر
من الهيمنة الإثيوبية على إقليم الأوغادين الصومالي، ويدين 98% من سكان إقليم
الأوغادين بالديانة الإسلامية، إلا أن جبهة تحرير الأوغادين ترفض مسألة تحويل
حربها مع أديس أبابا من حرب انفصالية قومية إلى حرب دينية أي أنها ترفض تديين
مسألة استقلال الأوغادين، لكن رفضها تديين المسألة لم يمنعها من استهداف القوات
الإثيوبية المتحركة لإسقاط حكم المحاكم الإسلامية في مقديشو 2006(10).

الانفتاح السياسي المتزايد:
الانفتاح السياسي المتزايد في إثيوبيا قد يحصن البلاد من عمليات
إرهابية مستقبلية، وفي هذا الإطار أوضح الباحث والمحلل السياسي عباس محمد صالح أن
مسارات الانتقال الديمقراطي التي تشهدها البلاد منذ صعود أبي أحمد لمنصب رئيس
الوزراء في عام 2018 قد يعمل على تحصين البلاد من العمليات الإرهابية، لكن يحذر صالح من انتكاسة في مسار الانتقال الديمقراطي؛ بسبب أحداث عنف إثنية أو خلافه، فإنه قد يُعلي من احتمالات الفوضي التي تعد البيئة والمناخ المناسب للعمليات
الإرهابية، خاصة في ظل ترقب وتحين حركة الشباب الفرصة المناسبة للثأر من إثيوبيا.
مسارات مستقبلية
وحاليا تدور تساؤلات حول كيفية إمكان إثيوبيا في تثبيت مناعتها
من الهجمات الإرهابية، رغم أن أغلب التقارير الدولية تُشير بوضوح إلى احتمال تعرضها
لعمليات إرهابية من التنظيمات الراديكالية الإسلاموية كداعش والقاعدة، فمثلًا تحتل
إثيوبيا مرتبة متقدمة في قائمة الدول المعرضة للإرهاب المرتبة 24 في مؤشر الإرهاب
العالمي(11)، كما تحتل المرتبة 139 متأخرة في مؤشر السلام العالمي (12)، أي أن
المؤشرات القياسية العالمية تفيد بتزايد احتمالات وفرضيات الإرهاب وتراجع فرص
تحقيق السلام، وتبقى مخاطر تعرض إثيوبيا لعمليات إرهابية مرتهنة بالعوامل
الثلاثة الآتية:
انتكاس
الإصلاح السياسي الجاري:
تجرى حاليًّا في الداخل الإثيوبي عملية تحول سياسي كبيرة منذ تولي
رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد السلطة في إبريل 2018، وهو ما يعد دفعة عالية
لطموحات الجماعات المهمشة، خاصة جماعتي الأورومو والصوماليين ذوي الأغلبية
الإسلامية، لكن إذا حدثت انتكاسة أو ردة على الإصلاحات السياسية الجارية سيكون من
شأنها زيادة معدلات الإحباط في الجماعات المسلمة، ما قد يدفعها تدريجيًّا إلى تبني رؤى أكثر تطرفًا واقترابًا من مقولات القاعدة وداعش.
تحور
أيديولوجيات الجماعات الانفصالية: وفق ما تم استعراضه في السابق فالجماعات
الانفصالية، خاصة في إقليم الصومال شرق إثيوبيا ترفض استغلال الدين كرافعة أيديولوجية
لها في مواجهة الحكومة الإثيوبية، لكن إذا حدث تحور في أيديولوجيتها نحو تبني رؤى
إسلامية سيكون ذلك البوابة الكبرى ليس فقط لانتشار العمليات الإرهابية في إثيوبيا
بل أيضًا لتوطن داعش والقاعدة فيها، فجبهة تحرير الأوغادين رغم أنها حركة متمردة
تدعو للانفصال عن إثيوبيا فإنها شكلت سدًّا منيعًا ضد انتشار القاعدة وداعش في
البلاد.
تعقد
الأزمة الإسلامية: قد يؤدي تعقد الأزمة الإسلامية بين السلفيين والأحباش في
إثيوبيا إلى مزيد من التطرف، وتسرب أفكار السلفية الجهادية إلى الداخل الإثيوبي،
لذا ينبغي على الحكومة الإثيوبية تدارك الأزمة والحد من سطوة الأحباش على الشؤون
الدينية في إثيوبيا وتحقيق استمالة التيار السلفي إلي جانب الحكومة بدلا من
معاداته.

وختامًا.. نجح العديد من الدول في تحقيق مناعة، خاصة من العمليات
الإرهابية، إلا أنه من الملاحظ أنه لا توجد خطوات بعينها تسلكها أي دولة لكي تحقق
تلك السلامة والحصانة من العمليات الإرهابية، فلكل دولة تجربتها الخاصة في تحقيق
السلامة والمناعة.
ويمكن القول إن إثيوبيا تُمثل تجربة قلقة وليست مستقرة، فمازالت
البيئة الإقليمية المحيطة تعاني من انتشار وتزايد نفوذ الجماعات الإرهابية، كما أن
الوضع الداخلي في البلاد مرشح بقوة إلى أن يكون بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية في
المستقبل.
ويجب ألا نغفل البعد الدولي في حماية إثيوبيا من العمليات
الإرهابية، فإثيوبيا بعد سقوط نظام «منجستو» ولدت في غرفة الإنعاش الأمريكية، حيث
تدخلت الولايات المتحدة ونجحت عبر دعم الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا في
الحفاظ على تماسك الأرض الإثيوبية، والحيلولة دون تفككها إلى 9 دول على الأقل، كما
توالى الدعم الأمريكي لأديس أبابا بعد صعود اتحاد المحاكم الإسلامية إلى سدة الحكم
في الصومال، ما استدعي دعمًا أمريكيًّا غير منقطع النظير لأديس أبابا لمواجهة الصعود
الراديكالي في الصومال.
ومن ثم يمكن توقع بقاء الوضع في إثيوبيا معلقًا لحين ظهور رؤية
جديدة في واشنطن في التعامل مع إثيوبيا، فطالما كانت أديس أبابا عنصرًا فاعلًا في
الحرب على الإرهاب وتحت قيادة الولايات المتحدة فإن الأخطار الإرهابية تظل بعيدة
عنها.
. Tesfa-Alem Tekle، Ethiopia
says foiled Eritrea-backed terror attack، kill 15، Sudan Tribune، 29112016، At:
http:sudantribune.comspip.php?article60980
Marthe van der Wolf، Ethiopia
Successful in Preventing Al-Shabab's Attacks،.voanews، 1892015، At
https:www.voanews.comaethiopia-avoids-al-shabab-attacks2969120.html
. Ibid.
.. Country Reports on Terrorism 2015 – Ethiopia،
refworld، at:
http:www.refworld.orgdocid57518dbfa.html
IBID.،
.ibid
.Ibid
Ibid.،
Ibid
. KAREN JAYES، Ethiopia's
war on terror must end before it's too late، The world، 2342018، At:
https:www.trtworld.comopinionethiopia-s-war-on-terror-must-end-before-it-s-too-late-16822
. GLOBAL terrorism index، 2017، pp. 10
. global peace index، 2018، pp.9.