يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

إثيوبيا في مفترق الطرق.. سيناريوهات محاولة اغتيال رئيس الوزراء

الأحد 24/يونيو/2018 - 11:58 ص
رئيس الوزراء الإثيوبي
رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد
محمد الدابولي
طباعة
تعيش إثيوبيا حاليًا حالةً من الاضطراب والغموض، ناجمةً عن عملية الاغتيال الفاشلة، التي تعرض لها رئيس الوزراء الإثيوبي، «أبي أحمد»، صبيحة يوم السبت 23 يونيو 2018، وهي الأولى من نوعها التي يتعرض لها «أبي أحمد» منذ توليه السلطة في 27 مارس 2018. 

أسفرت القنبلة، التي وضعت في إحدى السيارات الأمنية _في «منطقة ساحة الثورة»_ المُكلفة بحراسة موكب رئيس الوزراء، عن مقتل شخص وإصابة نحو 130 آخرين، وكانت مخصصة لتنفجر أثناء مرور موكب «أبي أحمد»؛ إلا أن انفجار القنبلة قبل مرور الموكب بدقائق حال دون نجاح عملية اغتيال «أبي أحمد»، الذي ظهر في خطاب متلفز قائلًا: إن العمل الإرهابي كان يستهدف في الأساس الوحدة الوطنية الإثيوبية وإفشال عملية الانتقال السلمي للسلطة والإصلاحات التي تمر بها البلاد. 

لم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الحادث؛ ما يزيد الأمر غموضًا ويفتح الباب أمام العديد من التكهنات حول هوية المخططين لعملية الاغتيال ودوافعهم وراء تلك العملية، ومن أبرز تلك التكهنات والسيناريوهات: 

الغضب الإثني
 يأتي الحادث في ظل استمرار الغضب الإثني، الذي تعيشه إثيوبيا منذ نشأتها الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، فالنظام السياسي الإثيوبي قائم على حكم الأقليات؛ حيث سيطرت جماعة «الأمهرا» على الحكم والسلطة في «أديس أبابا». 

ووظفت «جماعة الأمهرا» البعد الديني في إحكام سيطرتها على المجتمع الإثيوبي، فالإمبراطور الإثيوبي «هيلا سيلاسي» كان يعتبر رأس الكنيسة الإثيوبية وقائد الدولة، أي جمع بين السلطتين الزمنية والروحية، وهو ما أدى إلى غبن اجتماعي وديني في البلاد، وامتد هذا الغبن في مرحلة «منجستو هيلا مريام » (رئيس نظام الديرغ الذي حكم إثيوبيا خلال الفترة من  1977 حتى 1991) لمعاداته للتوجهات الدينية وتبنيه النهج الشيوعي؛ ما أدى إلى نشوء الحركات الإسلامويَّة الراديكالية في المجتمع الإثيوبي مثل «حركة الإصلاح الإسلامي الإريتري»، وفي نهاية عهد «منجستو» بدأت تتشكل خلايا مؤمنة بفكر جماعة الإخوان أطلق عليها اسم «الحركة الفكرية». 

وبعد نجاح «الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا» في الوصول إلى السلطة، مطلع التسعينيات، واصل الغبن الديني والإثني سيطرته على المجتمع الإثيوبي في ظل سيطرة جماعة «التيجراي» -ذات الأغلبية المسيحية- على السلطة وحرمان جماعة «الأورومو»- ذات الأغلبية المسلمة- من السيطرة على الحكم والسلطة. 

وقد أدت حالات الإقصاء، التي تعرضت لها جماعة «الأورومو»، خلال الفترة الأخيرة، إلى اندلاع العديد من الأزمات الداخلية والمتواصلة منذ الانتخابات البرلمانية عام 2015. 

ومن المُلاحظ أن احتجاجات «الأورومو» الأخيرة، التي انتهت بتصعيد «أبي أحمد» رئيسًا للوزراء، تعرضت لعملية التديين، أي توصيف ما يحدث من تهميش لجماعة «الأورومو» على أنه حرب دينية ضد المسلمين في إثيوبيا، وهو ما يعد مدخلًا قويًّا للجماعات الراديكالية الإسلامية من أجل العمل في الداخل الإثيوبي تحت مسمى «نصرة مسلمي إثيوبيا المستضعفين». 

وشكل اختيار «أبي أحمد» -ذي الأصول الأورومية- تجميدًا لعملية تديين الأزمة الإثيوبية، التي كانت في تصاعد مستمر، فمعظم الكتابات الإسلاموية كانت تشير إلى اضطهاد يعاني منه مسلمو إثيوبيا في محاولة لتزييف الواقع؛ حيث إن المسلمين يشكلون 60% فقط من قوام جماعة «الأورومو»، كما أن جماعة «التيجراي» المتغلبة ليست كلها مسيحية، إنما خليط بين مسلمين ومسيحيين. 

ولم يرق لبعض أبناء «التيجراي» نجاح «أبي أحمد»، فخلال الفترة الأخيرة شهدت الأقاليم الواقعة تحت سيطرة «التيجراي» اضطرابات عديدة نتيجة قرارات رئيس الوزراء الحالي، المتمثلة في إبعاد وإقصاء التيجرانيين عن المناصب السياسية، التي كان آخرها إقالة رئيسي أركان الجيش والمخابرات. 

وتدور أغلب التكهنات حول قيام أحد متطرفي جماعة «التيجراي» بتنفيذ تلك العملية، ردًا على قيام «أبي أحمد» ببعض الإصلاحات السياسية، وقد يعزز هذا السيناريو من احتمالية تصاعد الجماعات الإسلاموية في الداخل الإثيوبي، وتحويل الصراع في البلاد من «إثني» إلى «ديني»، وهو ما يمثل ردة على سياسات «أبي أحمد» الرامية إلى إبعاد المكون الديني في تسوية الصراعات الداخلية، ويعد هذا السيناريو هو المرجح للحدوث. 

◄ مؤامرة داخليَّة: 

يرجح بعض الباحثين أن الانفجار ما هو إلا مؤامرة لتمرير بعض السياسات، إلا أن هذا السيناريو مستبعدٌ بشكل كبير نظرًا لأن «أبي أحمد» نجح -في الفترة الأخيرة- في تدشين العديد من الإصلاحات الداخلية وتحجيم جماعة «التيجراي».

◄ السيناريو الأخير: 

ويأتي التكهن الأخير متمثلًا في إمكانية تنفيذ «حركة شباب المجاهدين» في الصومال لتلك العملية، ويعد هذا السيناريو مرجحًا بدرجة ما في ظل تنامي احتمالات وقوعه، فقد تدفع سياسات «أبي أحمد» الإقليمية الرامية إلى تصفير المشكلات مع الصومال وإريتريا إلى التعارض مع سياسات بعض الدول الإقليمية الأخرى، التي من مصلحتها أن تظل منطقة القرن الأفريقي ملتهبة، لذا قد تلجأ تلك الدول إلى الزج ببعض الجماعات الإرهابية للعمل في إثيوبيا من أجل إثنائها عن سياسة تصفير المشكلات مع إريتريا والصومال، وقد شهدت منطقة القرن الأفريقي، خلال الفترة الأخيرة، تدخلات من بعض الدول مثل قطر وتركيا، وإقامة بعض القواعد العسكرية في الصومال. 

وفي حال ثبوت هذا السيناريو فإنه يعد تحولًا جذريًّا في السياسات الإقليمية، فلأول مرة تتعرض إثيوبيا لعمليات إرهابية، فمنذ نشأة «حركة شباب المجاهدين»، لم تنجح في تنفيذ أية عملية إرهابية في الداخل الإثيوبي؛ ما أكسبها مناعة من الهجمات الإرهابية، عكس بقية دول القرن الأفريقي، التي تعد مسرحًا للعمليات الإرهابيَّة التي تنفذها «شباب المجاهدين».
"