يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

الأدوار القطريَّة المشبوهة في الصومال

الخميس 26/أبريل/2018 - 11:52 ص
حركة الشباب المجاهدين
حركة الشباب المجاهدين فى الصومال
د. نيرمين توفيق
طباعة

يُعَد الصومال من الدول المهمة في القرن الأفريقي، ويتميز بموقعه الاستراتيجي في هذه المنطقة التي تملك تأثيرًا مباشرًا على حركة التجارة العالمية؛ بسبب إطلالها على عدد من المعابر المائية العالمية، كالمحيط الهندي، ومضيق باب المندب، والبحر والأحمر، وخليج عدن، كما أنه يُعَد امتدادًا لأمن منطقة الخليج العربي؛ بسبب قربه الجغرافي من دوله، وهو -أيضًا- عضو في الجامعة العربية، وذو أغلبية إسلامية.


الأدوار القطريَّة

تكالبتْ القوى الدولية والإقليمية على هذه الدولة، مستغلين حالة الفوضى التي تلت سقوط نظام «سياد بري» عام 1991، وما أعقبه من سقوط لمؤسسات الدولة؛ حيثُ بات الصومال مثالًا للدولة الفاشلة، ودخل في حرب أهلية من وقتها.

 

هذه الأجواء مهَّدت الطريق لظهور الحركات المتطرفة، وعلى رأسها حركة الشباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة، أشد الحركات الإرهابية خطرًا وتهديدًا للأمن في الصومال وفي دول جواره، واستطاعت الحركة -منذ الإعلان عن نشأتها في 2007- السيطرة على أكثر من 85% من الصومال، وشنَّت هجمات مدمرة أسقطت مئات القتلى والجرحى داخل البلاد وخارجها، وأدرجتْ الولايات المتحدة الأمريكية الحركة -في فبراير 2008- ضمن منظمات الإرهاب الدولي، ووصفتها بأنها مجموعة متطرفة عنيفة ووحشية، وعلى ارتباطٍ بتنظيم القاعدة.

 

التدخلات الخارجية في الصومال بدأتْ بعد فترة وجيزة من سقوط نظام «بري»؛ من خلال العملية البريَّة التي قادتها أمريكا، باسم «إعادة الأمل» عام 1992؛ غير أنها فشلتْ فشلًا ذريعًا، وخرج جنودها مهزومين من الصومال سريعًا؛ غير أن محاولات أمريكا لم تتوقف في الإبقاء على حالة عدم الاستقرار في الصومال، ووظَّفتْ إثيوبيا في تحقيق هذا الهدف.

 

الأمر لم يتوقف على أمريكا وإثيوبيا فقط؛ وإنما ظهرتْ مؤخرًا أدوار مريبة لكلٍّ من قطر وتركيا في الدولة المنهارة، ويُثبت ذلك ما تم تداوله بخصوص الاتهامات التي وُجِّهت لقطر بتمويل حركة الشباب الصومالية؛ عن طريق مُموِّل الإرهاب الأول القطري عبدالرحمن النعيمي، المتهم بإرسال مبلغ 250 ألف دولار للحركة عام 2012؛ وِفْقَ تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية

الأدوار القطريَّة

من جهة أخرى أشارت وثائق مُسرَّبة نُشرَت على موقع ويكيليكس، إلى أن السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة، سوزان رايس، كانت قد طلبتْ من تركيا -في 2009- الضغط على قطر؛ لوقف تمويل حركة الشباب، وقالت «رايس» -حسب الوثيقة- إن التمويل كان يتم عبْرَ تحويل الأموال إلى الصومال عن طريق إريتريا، والاتهام ذاته كرَّره رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك، شريف شيخ أحمد، الذي قال -خلال اجتماع مع دبلوماسيين أمريكيين في ليبيا- إن حكومة قطر تُقدِّم الدعم المالي لحركة الشباب

 

أدوار قطر التخريبية لم تتوقف على دعم وتمويل حركة الشباب، وإنما تعدَّته إلى محاولة خلْق مزيد من الحركات الإرهابية في الصومال؛ فقد كشفتْ صحيفة «سونا» الصومالية يناير الماضي، أن اجتماعًا سريًّا عُقِد في تركيا شارك فيه ضباط استخبارات قطريون، وإيرانيون، وممثلون لجماعة حزب الله اللبنانية، بحضور مسؤول رفيع في القصر الرئاسي الصومالي، هو فهد ياسين، الذي يشغل منصب المدير العام للقصر الرئاسي في الصومال، ومعروف عنه أنه من المقربين من النظام القطري، ومن الزعيم الروحي للإخوان يوسف القرضاوي؛ بهدف تشكيل جماعة إرهابية في الصومال

 

وأوضحتْ الصحيفة الصومالية، أن أجهزة استخبارات غربية كشفتْ عن هذا الاجتماع، وأبلغتْ دبلوماسيين غربيين بتفاصيله؛ حيث كُلِّف خلاله، فهد ياسين، بالعمل على زعزعة «الاستقرار السياسي» للحكومات المحلية في بعض أقاليم الصومال، التي تتخذ موقفًا مناوئًا للنظام القطري، الذي أنشأ «غرفة حرب» في سفارته في العاصمة الصومالية مقديشو؛ بهدف «تنسيق عمليات» القوة الإرهابية الجديدة، وأن ضباط استخبارات قطريين وإيرانيين يقودون فريقًا متخصصًا؛ لدعم تلك القوة المسلحة، يضم القيادي البارز في حركة «شباب المجاهدين» الإرهابية، زكريا إسماعيل، المعروف بأنه كان يشغل منصب مسؤول الاستخبارات في الحركة.

 

الأدوار القطريَّة

وشملتْ التكليفات السعي إلى الوقيعة بين الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو من جهة، ودول تناوئ السياسات القطرية التخريبيَّة، مثل السعودية، والإمارات، ومصر، من جهة أخرى.

 

وأكدت أن النظام القطري يشنُّ -جنبًا إلى جنب مع إيران، وجماعة الإخوان الإرهابية الصومالية، التي تُطلِق على نفسها حركة «الإصلاح»- حربًا بالوكالة في الصومال، وهذه الأطراف تسعى إلى «تأسيس جماعات سلفية إسلامية مسلحة، قوية بما يكفي؛ لبسط سيطرتها على البلاد بأسرها، سواء بالتعاون مع الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية» هناك، أو دون التعاون معها، وذكرتْ صحيفة «سونا تايمز» الصومالية الدور التخريبي الذي يلعبه النظام القطري في الصومال، موضحة أن قطر وإيران والإخوان يُفضِّلون إضعاف الدولة الصومالية.

 

وكشفتْ أن النظام الحاكم في قطر يُقدِّم رعايته لـ«حركة الإصلاح» الصومالية؛ لاستغلال هذه الحركة الإخوانية في العمل على نشر نفوذ الدوحة، وتعزيز حضورها الجيوسياسي في الصومال، وتطرَّقت الصحيفة إلى إبراز النشاط المُريب الذي يضطلع به المسؤول الرئاسي الصومالي فهد ياسين، الذي يُعرَف -كذلك- بعلاقاته الوثيقة مع قادة الإخوان الصومالية المتشددة، مؤكدة أن التقارير تفيد أن المسؤولين القطريين يعملون مع قادة حركة «الإصلاح» الصومالية، على تشكيل جناحٍ مسلحٍ جديد يُجنَّد من بين صفوف حركة الشباب الإرهابية وتُموِّله قطر.

 

جدير بالذكر أن حركة الإصلاح هي فرع جماعة الإخوان في الصومال، وأسست عام 1978، وتستمد أفكارها من الجماعة في مصر ، وهذا يؤكد تورط كلٍّ من قطر و«الإخوان» فيما يحدث في الصومال، واستغلال علاقاتهم بتلك الجماعات؛ لتفجير الوضع في الصومال، ولاجتذاب الصومال، وحكومتها الحالية، والرئيس عبدالله فرماجو إلى جانبهم.

 

تركيا -كذلك- سعتْ -منذ أكثر من عشر سنوات، وبالتحديد منذ عام 2005- أن يكون لها موضع قدم بالصومال، وبالفعل تكلَّلَت مساعيها بالنجاح؛ عن طريق القاعدة العسكرية التي افتتحها في أواخر 2017 على خليج عدن؛ بذريعة مكافحة الإرهاب.

 

شهدت العلاقات الصومالية التركية تطورًا جديدًا؛ بقيام الرئيس «فرماجو» بزيارة رسمية إلى تركيا في أبريل 2017، واستُقبِل بحفاوة كبيرة، وكان في مقدمة مستقبيله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وجاءت هذه الزيارة أثناء استعداد تركيا لافتتاح ثاني قواعدها العسكرية في الخارج، والأكبر في أفريقيا، وذلك بالعاصمة مقديشو، وكان «فرماجو» قد أعلن -عبْرَ حسابه على «تويتر»- أن القاعدة العسكرية ستُفتَتَح في وقت قريب، قائلًا: «أكبر قاعدة عسكرية تركية في العالم شبه جاهزة، وقريبًا سيعود الجيش الصومالي قويًّا من جديد
الأدوار القطريَّة

اتُّفق على تأسيس هذه القاعدة العسكرية في خليج عدن قبالة السواحل الصومالية، في مارس 2015، خلال زيارة قام بها «أردوغان» إلى الصومال؛ بهدف تدريب عناصر من الجيش الصومالي؛ للمساهمة في مكافحة الإرهاب، وتشتمل القاعدة على ثلاث مدارس عسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، وذلك على مساحة تبلغ 400 دونم بتكلفة 50 مليون دولار، وأكدت القوات المسلحة التركية، أن هذه القاعدة هي الأكبر خارج حدودها.

 

عدد من السفراء والدبلوماسيين حذَّر من خطورة مخططات تركيا لإقامة قاعدة عسكرية في الصومال، مؤكدين أنها تُمثِّل تهديدًا للأمن القومي المصري والعربي؛ فهي تُساعد تركيا على الوجود في هذه المنطقة الاستراتيجية عسكريًّا؛ حيث قالتْ السفيرة، منى عمر -مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية سابقًا- إن الوجود التركي في مثل هذا الموقع، يُمثِّل خطرًا وتهديدًا كبيرين للأمن القومي المصري والعربي، خاصةً أن تركيا ليست دولة صديقة، وتُساند المنظمات الإرهابية؛ وبالتالي فإن وجودها على سواحل البحر الأحمر يُمثِّل خطًّا أحمر بالنسبة لمصر

 

كل هذه المؤشرات تعكس الدور القطري التركي في السياسات التحريضية الأخيرة التي اتخذها الصومال تجاه بعض الدول العربية المُعادية لقطر، إضافة إلى خطورة تواصل الحركات الإرهابية الموجودة في الصومال مع تلك الموجودة في اليمن، التي تقع في الجهة المقابلة للصومال على مضيق باب المندب، وهذا قد تستغله قطر في دعم وتمويل الحركات المرتبطة بـ«القاعدة» و«داعش» والموجودة في اليمن والصومال، وهذا يُحتِّم على الدول العربية عدم ترك الصومال لمثل هذه التدخلات؛ لأنَّ القوى التي توجد هناك تستطيع أن تُؤثِّر -بشكل مباشر- في أمن مضيق باب المندب، وحوض نهر النيل، والخليج العربي.

 

"