مغازلة أوروبية أم تحطيم لطموحات «الملالي»؟.. كوسوفو تعلن «حزب الله» إرهابيًّا

قرر رئيس جمهورية كوسوفو (جنوب شرق أوروبا)، هاشم تاتشي، إلزام مؤسسات دولته باعتماد قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية المصنفة من قبل الاتحاد الأوروبي، وتطبيقها على القوانين الداخلية للدولة، وبرزت جماعة «حزب الله» اللبنانية كهيئة جديدة على تلك القائمة.

وفي إطار سعي دول لحماية أراضيها من تبعات الإرهاب وتهديداته، يرى البعض وضع الدولة البلقانية «كوسوفو» في أواخر يونيو 2019 لحزب الله على قوائم التطرف، أمرًا طبيعيًّا لا يعتريه شيء، ولكن بالنظر إلى الارتباطية والاعتمادية بين الجماعة وإيران يتضح الكثير من التطورات في السياسة الخارجية لكوسوفو، قياسًا بالخطوات التاريخية المهمة بين دول البلقان وإيران، والدور الذي لعبه نظام الملالي أثناء وبعد حروب الاستقلال بين دول المنطقة ويوغسلافيا (صربيا حاليًا) في أواخر التسعينيات.
تاريخ طويل
في حقبة التسعينيات دخلت دول البلقان صراعًا كبيرًا مع يوغوسلافيا الاتحادية من أجل نيل الاستقلال، وبالفعل تم تقسيم المنطقة إلى دول صغيرة كمقدونيا وألبانيا والبوسنة والهرسك وغيرها، وفي تلك الأثناء لعبت إيران دورًا واسعًا وخصوصًا في معارك البوسنة والهرسك (1992:1995) وقامت بتدريب العناصر المسلحة وتزويدهم بالمعدات القتالية، وعليه تحولت تلك الأراضي فيما بعد لمنبع للتطرف جُلب إليه إرهابيو إيران إلى جانب متشددي الجماعات الإسلاموية، بعد الترويج لتلك الحروب كأنها قتال ضد الإسلام ومعتنقيه بالمنطقة.
ومن هنا بدأت إيران في وضع قواعدها بالإقليم الأوروبي عن طريق تصدير المسلحين، وبعد الاستقلال عملت على إنشاء سفارات لها في تلك الدول المستقلة حديثًا، ومد جسور التعاون الاقتصادي والسياسي معها، ولكن «كوسوفو» التي نالت استقلالها في 17 فبراير 2008، لم تنعم باعتراف دولي كامل بها، وكانت «طهران» من أبرز الدول التي لم تعترف بها وتتعامل معها كجزء من صربيا.
للمزيد: تمدد إيران بـ«البلقان».. تهديد جديد للاستقرار الأوروبي

مد شيعي
لم يأتِ عدم اعتراف إيران بكوسوفو إهمالًا منها لمصالحها بالمنطقة ولكن تعزيزًا لها، إذ يمتلك نظام الملالي علاقات وروابط قوية مع الحكومات الأخرى داخل البلقان ومنها صربيا، كما ذكرت دراسة لـ«معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أن إيران كانت تمتلك خطًا واضحًا لنقل الأسلحة داخل المنطقة، ولكن خلال حروب كوسوفو انشغلت الصحف الإيرانية بنشر تقارير فقط حول استعدادات الدولة للتعاون مع أوروبا بشأن تلك القضية، ولكن يبدو أن التعاون الأمريكي لحل قضية الدولة البلقانية قد أسهم بعض الشيء في ابتعاد طهران عن المشهد السياسي آنذاك.
وعلى الرغم من ذلك، لم تفقد طهران رغبتها في التوسع في تلك النقطة من الإقليم، بل إنها استغلت أذرعها في المحيط الجغرافي لكوسوفو لاستمالة «الشيعة» للهوية الإيرانية، وذلك عبر المنظمات المدنية والفكرية إلى جانب المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تبثها لسكان الدولة ذات الأغلبية المسلمة، فنحو95% من مواطني البلاد من المسلمين أكثرهم من السنة.
وتحاول إيران بث أنشطتها في الدولة واستمالة الشيعة بداخلها، فوفقًا لدراسة لـ«الاتحاد المضاد لأنشطة إيران النووية» بعنوان «إيديولوجية إيران التوسعية» تم ذكر أن النظام الملالي بدأ نشاطه في البلاد عبر منظمات المجتمع المدني وكان أولها «مؤسسة القرآن» التي أنشئت في 2002 وكان يديرها الإيراني حسن أزاري بيجاندي وتتبع جمعية أهل البيت، وتبلغ مبيعات الكتب التي تصدرها المؤسسة في البلاد 100.000 يورو سنويًّا، كما تشرع المؤسسة في بناء متحف للثقافة الإيرانية في البلاد وتقدم منحًا دراسية في المركز الديني الإيراني في قم، بالإضافة إلى عقد المؤتمرات وإحضار الشخصيات الدينية الشهيرة بطهران، وتعمل المؤسسة أيضًا على الإشراف على قسم للدراسات الإيرانية في جامعة بريشتينا بكوسوفو.
فيما أشارت الورقة البحثية إلى أن «دول البلقان» بشكل عام تمثل لإيران مدخلًا بالغ الأهمية للتجسس على أوروبا عن طريق تلك المنظمات، نظرًا لهشاشة الأنظمة الأمنية للدول، وتفشي الفساد بداخلها ما يسهل الاختراقات، إلى جانب تنامي عصابات المخدرات والجريمة التي تتعاون مع حزب الله لتمويل التنظيم بعد الصعوبات المالية التي تواجه طهران، كما أسهم الفساد في تجنيد بعض الساسة بها، وعليه تمثل هذه العوامل بيئة مواتية لاستغلال الدولة المتشددة لهذه الأرض.
للمزيد حول هشاشة الأوضاع في كوسوفو.. اضغط هنا

وطبقًا للدراسة تتبع إيران اتجاهين محددين داخل كوسوفو والبلقان عمومًا، أولهما هو توطين حزب الله وعناصر الحرس الثوري لتأسيس فرع للمخابرات والتمويل، والثاني هو شبكة المنظمات المدنية والفكرية والثقافية الشيعية لتغيير ديمواغرافيا المنطقة بما يخدم مصالحها.
علاوة على ذلك، لفتت صحيفة «كوسوفو اكسبريس» في يوليو 2016 إلى أن عددًا من مؤسسات الشيعة في البلاد يديرها أشخاص على علاقة متينة بساسة طهران وأشهرهم السيدة إقبال بريشا أو«Ikballë Huduti-Berisha» صاحبة الصور المتكررة مع أحمدي نجاد الرئيس السابق لإيران.
استراتيجيات متغيرة
في ضوء ماسبق، يتضح حجم تمدد الملالي بكوسوفو ومدى شدة المخاوف التي تعلنها وسائل الإعلام المحلية في هذا الصدد، ولكن هل وضع الحزب على قوائم إرهاب الدولة هو بداية لوضع حد لانتشار إيران ومؤسساتها داخل البلقان عمومًا، أم هو مجرد استكمال لحملات الحكومة التي تعلو من آن لآخر ضد تدخل الملالي السافر في تركيباتها الثقافية والحضارية، وخصوصاً أن قرارها ينطوي على شمولية لموقف الاتحاد الأوروبي تجاه المؤسسات الإرهابية، ومن المعروف هنا أن الاتحاد يعلن الجناح العسكري للجماعة فقط كهيئة إرهابية، ويفرق بين ذلك وبين الجناح السياسي للتنظيم.
للمزيد حول أسباب دول الاتحاد الأوروبي للتفريق بين الجناح السياسي والعسكري لحزب الله.. اضغط هنا
وفي هذا الصدد يذكر أن الأجهزة الأمنية للدولة سبق وأن قامت بحملة مداهمات في يونيو 2015 ضد عدد من المقرات الثقافية لارتباطها بإيران التي تستغلها في عمليات التمويل والتجسس والتشيع، وذلك ضمن قضية كبرى تبحثها الدولة لمكافحة الإرهاب على أرضها، ومن هذه المنظمات واحدة تدعى «ابن سينا» تعمل كهيئة تعليمية وبحثية في الأدب الفارسي، إلى جانب مؤسسة نيسا أو«Nisa» ومؤسسة بريجو أو «Bregu i Diellit» في بريشتينا عاصمة كوسوفو، وهناك أيضًا مؤسستا قرآني وأهل البيت في مدينة بريزرن التاريخية.
عوامل محفزة
يعول الكثيرون على الخطوة الأخيرة للحكومة الكوسوفية في أن تكون محركًا حقيقيًّا وفعالًا لبداية المواجهة الراكدة للطموحات الإيرانية في جنوب القارة العجوز، وفيما يخص الجانب الحكومي بكوسوفو فالدولة تطمع منذ فترة لتكون عضو بالاتحاد الأوروبي، وربما يكون هذا القرار «مغازلة» للدول الأوروبية وللكيان الأمريكي على وجه الخصوص –الذي ساعد الدولة في بدايتها للاستقلال واعترف بها سريعًا مع أغلب دول قاراتها ككيان مستقل- وتقديم النوايا الحسنة والاستعدادات المبدئية للتموضع داخل الاتحاد الأوروبي، استغلالًا للظروف الراهنة المتعلقة بالصراعات الغربية مع إيران حول الاتفاق النووي والطموحات التوسعية وأزمات الممرات المائية وغيرها، والداعم لذلك أن ظاهرة التطرف الإسلاموي منذ بدايتها كتمركز جغرافي وحتى قرار المكافحة تبدو مرهونة بمضامين سياسية ومصالح استراتيجية.
خلايا تجسس
وفي حديث خاص لـ«المرجع» أشار جاسم محمد، الباحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى أن إيران وأذرعها تشكل خطرًا واسعًا على أمن أوروبا، موضحًا أن إيران تتمدد بشكل واسع في البلقان، وأن التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن الدعم اللوجستي والمادي الذي تقدمه حكومة طهران لحزب الله، مكنه من تأسيس خلايا عديدة في بلاد البلقان وبالأخص بلغاريا والبوسنة، كما سهل عليه تمرير بعض عناصره كسائحين إلى داخل البلاد.
وأفاد الباحث من خلال دراساته حول حزب الله، أن أجهزة مكافحة التجسس في جمهورية التشيك (وسط أوروبا) استطاعت وقف شبكات تابعة لحزب الله كان يستخدمها في استراتيجيات التجسس السيبراني، مايعني أن وجود الحزب في المنطقة يعتمد بشكل كبير على التجسس على أوروبا عمومًا إلى جانب جمع الأموال والمصادر النقدية.