كوسوفو.. عاصمة الإرهاب في أوروبا
الأربعاء 18/يوليو/2018 - 09:50 م

نهلة عبدالمنعم
لا تدخر الجماعات الإرهابية جهدًا أو مالًا في سبيل نشر العنف في أنحاء العالم سواء كان ذلك لأحقاد دفينة تملأ النفوس أو لمرجعيات خاطئة أو حتى لمصالح سياسية خفية، وغالبًا ما يتركز التساؤل حول أسباب دولة ما عن غيرها في اجتذاب الإرهاب.
وتتجه الدراسات السياسية إلى إثبات أن مناطق الصراعات والمناوشات أو الدول ذات التاريخ الانشقاقي غالبًا ما تكون بيئة رخوة جاذبة لهواة التطرف والانخراط في العنف، ومن تلك المناطق الملتهبة كانت جمهورية «كوسوفو»( معترف بها جزئيًا تقع في جنوب شرق أوروبا)، وهو ما يدفع غالبية الدول الكبرى إلى مساعدتها ضد أي مخاطر إرهابية محتملة.

فأعلنت الصحف المحلية اليوم الأربعاء، موافقة الولايات المتحدة على منح قوة أمن كوسوفو المعروفة بـ «KSF» 10 مبلغ مليون دولار، في إطار مساعدات لرفع قدرات الدولة على مكافحة الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة.
كما تعهدت الولايات المتحدة بالتبرع بمعدات ومركبات عسكرية إضافة إلى إرسال فرق تدريب لأفراد القوة الأمنية لزيادة كفاءات العاملين بها لمواجهة التطرف.
صراعات تاريخية
تشكل الخريطة الجغرافية والسياسية للدولة من حيث وقوعها في «إقليم البلقان» أهمية مزدوجة لكل من الجماعات الراديكالية، والقوى الدولية، فانجذاب التطرف إلى كوسوفو، معناه بؤرة ملتهبة في عمق القارة العجوز، وهو ما يخشاه الغرب ويتمناه الإرهابيون.
في حين أنه لا يمكننا البحث في دائرة العوامل التي قد تجعل من المنطقة لهيب نار من دون العودة إلى أدبيات التاريخ بالمنطقة ككل، والتي تُظهر صراعات سياسية وحدودية أثرت على تشكل نزعة طائفية بالمنطقة يدغدغ تذكرها مشاعر الأصوليين.

فكوسوفو التي حصلت على استقلالها في 17 فبراير 2008، بعد أن كانت منطقة ذات حكم ذاتي، انزلقت إلى صراعات دامية في سبيل تحقيق ذلك الاستقلال، شأنها في ذلك شأن أغلب دول البلقان، التي تم تقسيمها إلى عدة دول مثل ألبانيا وصربيا ومقدونيا وغيرها.
فدخلت المنطقة في عراك مسلح مع قوات جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية المؤلفة حينها من (جمهوريتي الجبل الأسود وصربيا) امتدت من 28 فبراير 1998، حتى 11 يونيو 1999، وانتهت بعد تدخل حلف الناتو الذي أجبر يوغسلافيا الاتحادية على الخروج من «كوسوفو» وإيقاف شلال الدماء.
وغالبًا ما ترتبط صراعات يوغسلافيا بالتيارات الإسلاموية، فتفكك الدول في فترة التسعينيات من تحت وطأة الحكم اليوغسلافي، الذي بدأ مع حروب «البوسنة والهرسك» مرورًا بألبانيا ووصولا إلى كوسوفو نجح في إعطاء شرعية زائفة للجماعات الإرهابية للقتال في المنطقة بدعوى الدفاع عن المسلمين، ولكنها في الحقيقة كانت حروبا سياسية صبغتها الجماعات الإرهابية بلون ديني.

وبالفعل اشتهرت ألبانيا والبوسنة والهرسك بوقوع هذا النوع من الاستغلال، أما «كوسوفو» فاتهم الرئيس اليوغوسلافي السابق، سلوبودان ميلوشيفيتش تنظيم «القاعدة» بالضلوع في تكوين جماعات إرهابية في الدولة، ارتكبت جرائم ألصقت فيما بعد بالرئيس وذلك خلال استجوابه من محكمة جرائم الحرب الدولية بلاهاي عن الضحايا الذين وقوعوا أثناء حروب الانفصال.
تقارب إرهابي عصابي
وكالعادة تفرز الصراعات جماعات مسلحة، وفي هذه الحالة تحديدًا يتجلى «جيش تحرير كوسوفو» الذي تولى القتال ضد قوات يوغسلافيا، ويشار إليه بالانزلاق نحو التعاون مع الجماعات الإرهابية، وقد حمل الصحفي الفرنسي، تييري ميسان إتهاما للجيش بأنه حاول تدريب إرهابيي سوريا.
كما أدرجت الولايات المتحدة في عام 1998 «جيش تحرير كوسوفو» على لائحة الإرهاب؛ وذلك ليس لعلاقتها بجماعات الإسلام الراديكالي فقط، وإنما لتورطها في الاتجار بالمخدرات التي تستخدمها كوسيلة لتمويل عمليات شراء الأسلحة.
فيما يشير تحليل للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حول الإرهاب في كوسوفو إلى زيادة المخاوف من احتمالية دخول البلاد إلى آتون الإرهاب، كما تتجه المخاوف نحو العلاقات بين الجماعات الدولية للإرهاب والجماعات المشبوهة والعصابات في الدولة أكثر من تشكل جماعة متطرفة خاصة بها.

علاوة على ذلك، يعتبر الاتجار بالمخدرات في هذه المنطقة، وخاصة العصابات التي تشتهر بها ألبانيا من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات الأوروبية، وتمنعها من اعتماد دول البلقان ككل في الاتحاد الأوروبي، وذلك لاعتبار كوسوفو حلقة وصل لتهريب المخدرات من أفغانستان إلى غرب أوروبا، عبر طريق البلقان الشهير، كما أن عصابات تجارة المخدرات فى كولومبيا تستخدم الإقليم لإمداد أوروبا بالكوكايين.
أما عن الترابط الأكثر خطورة الذي أعلنه السياسي السويسري، ديك مارتي، هو الاتهام الذي وجهه إلى السياسيين في كوسوفو عام 2010، بالتعاون مع العصابات المسلحة بالدولة للاتجار في الأعضاء البشرية، كما اتهم جيش تحرير كوسوفو باستخدام التهريب للتمويل.
وعلاوة على ما تم ذكره من عناصر، قد تكون مساهمة بشكل أو بآخر في تبلور الإرهاب في الإقليم، نشرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أسباب أخرى متأصلة في المجتمع تدفعه نحو التطرف، أهمها وجود بعض الأئمة المتطرفين الذين يروجون للأفكار الراديكالية بداخل المجتمع إلى جانب بعض الفساد، والمنظمات الغير حكومية التي تدعي الإنسانية في ظاهرها ولكن باطنها تمويل الإرهاب.

وتهيم السياسة التركية أو تكاد تغرق في ماضيها الذي تحاول إحياءه من جديد في كوسوفو التي حكمها العثمانيون وأطلقوا عليها اسم «قوصوة»، فما خسره الأجداد يريد ممولو الإرهاب عودته من جديد، فمنذ استقلال الإقليم تحاول الدولة التركية تقديم كل ما تستطيع فعله له، وهو ما يثير الشكوك.
وتدفع العوامل السابقة إضافة إلى بعض الشواهد والتواجد النسبي للتطرف إلى إطلاق لقب «المعقل الجهادي في أوروبا» على منطقة كوسوفو.
فحذرت الحكومة الألمانية في مايو 2017 من نشاط ملحوظ للجماعات الإرهابية في كوسوفو، إضافة إلى سعي حثيث تقوم به منظمات ذات صلة بنشر التطرف في البلاد، وذلك ردًا على سؤال برلماني من كتلة المعارضة حول تحول كوسوفو إلى محطة إرهابية على أطراف أوروبا.
كما ألقت الشرطة في نوفمبر 2016، القبض على 19 شخصًا متورطين بصلات مع تنظيم »داعش» الإرهابي، وخلال عملية التفتيش لمنازلهم وجدت القوات الأمنية متفجرات وخطط وخرائط لأماكن هجمات محتملة.
وفي مارس الماضي أحصت الشرطة عدد العناصر الكوسوفية ممن سافروا للانضمام لداعش في سوريا والعراق بحوالي 316 شخصًا، وأعربت عن قلقها من عودتهم خاصة في ظل هزائم التنظيم الإرهابي.
وتشكل التقارير التي تشير إلى كوسوفو على أنها «عاصمة الجهاد الأوروبية»، إحراجًا كبيرًا لدولة تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث صرح نائب رئيس مديرية مكافحة الإرهاب في شرطة كوسوفو، العقيد لوان كيكا بأن بلده تجتهد كثيرا في ملف مكافحة الإرهاب بغض النظر عن الماضي والتاريخ الذي لا يمكن إنكاره.
كما تشكل أيضًا ضغطًا على دول أوروبا التي تحاول مساعدتها في ملف الإرهاب بغية تأمين القارة العجوز، حيث عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعا في مايو الماضي مع دول البلقان لتعزيز التعاون فيما بينهم والحيلولة دون تحول المنطقة إلى بؤرة متطرفة.