يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

براجماتية الإخوان والنزعات الانفصالية للشعوب

الأربعاء 06/يونيو/2018 - 03:27 م
المرجع
دعاء إمام
طباعة
في مطلع العام 1930، وقف الشاعر الصوفي محمد إقبال (1877 - 1938)، يخطب في جمع من الناس جاؤوا إلى مدينة الله آباد (شمالي الهند) لحضور دورة «رابطة مسلمي الهند»، ليُطلق على مسامعهم اقتراحًا بتأسيس «وطن إسلامي» في شبه القارة الهندية؛ إذ قال: «يبدو أن دولة إسلامية متحدة في شمال غربي الهند هو المصير النهائي لمسلمي شمال غرب الهند على الأقل».

كانت فكرة «الوطن الإسلامي» تراود كثيرين، من بينهم محمد علي جناح (1876 - 1948) أول رئيس لباكستان فيما بعد، الذي اتخذ من كلمات «إقبال» دافعًا لرسم ملامح الدولة الإسلامية التي ينشدها، وبدأ «جناح» يُروج لانفصال باكستان عن الهند؛ الأمر الذي لقي قبولًا عند جماعة الإخوان، والتي لم يكن مضى على تاريخ تأسيسها أكثر من عامين آنذاك، على يد مؤسسها حسن البنّا (1906 – 1948).

وعقب عودته من بريطانيا 1946، تمحور اللقاء الأول بين «جناح» و«البنّا»، حول مباركة الجماعة للوطن الإسلامي؛ لذا رُتب لقاء آخر في منزل عبدالرحمن باشا عزام (أول أمين عام للجامعة العربية)، جمع بين «البنا» وصديقه المقرب الشيخ أمين الحسيني (مفتي فلسطين حينذاك).

وعقَّب «جناح» على تلك الزيارة، قائلًا: «الشعب المسلم في الهند لا يشعر بأي غربة بين الأمة الإسلامية؛ بسبب وجود جماعة الإخوان فيها، وأعضاء الجماعة هم بمثابة السفراء لحركة إنشاء باكستان الإسلامية».

كان «البنّا» لا يتوانى عن الثناء على حركة تحرير باكستان في خطبه، وفي الرسائل المتبادلة بين الطرفين، ووردت عبارة «مصر المؤمنة» في أكثر من مناسبة يرسل فيها «البنّا» رسالة لصديقه «جناح»، فمثلًا في عام 1947 قال مؤسس الجماعة: «لم نكن نجهل المقاصد التي يرمي إليها المؤتمر الآسيوي، ولكن مع هذا رأينا أن نبعث بمندوبنا إليه، لأسباب أهمها؛ أن يكون ذلك ذريعة للسفر إلى الهند للاتصال بالحركة الإسلامية بها، ولقائكم شخصيًّا هناك، والتعبير عما تُكنُّه مصر المؤمنة لحركة باكستان المباركة».

براجماتية الإخوان
لم تنقطع الرسائل بين «البنّا» و«جناح»، الذي أصبح الحاكم الأعلى لباكستان بعد استقلالها عن الهند، وبعث إلى البنّا يقول: «لا يوجد شيء قط في الوجود يمكن أن يفصم الرباط الذي بيننا؛ لأنه قد شُيد على قاعدة صخرية من الأخوة الإسلامية».
بعدها توالت الزيارات بين مبعوث الإخوان إلى باكستان، وهو صالح عشماوي (وكيل الجماعة، أحد قيادات النظام الخاص 1940)، وآخر أرسله إخوان باكستان إلى المركز العام للجماعة هو عليم الله الصديقي.

لم ينقطع الدعم الإخواني لقضية انفصال باكستان، ورغم التأكيد الدائم أن حرص الجماعة على الاستقلال عن الهند، نابع من رغبتهم في مساندة كل الداعين إلى النظام الإسلامي، لكن براجماتية الجماعة كانت هي الدافع؛ إذ سعى الإخوان في المرحلة الأولى من عمر الجماعة إلى تعزيز نفوذهم في الخارج، وإيجاد موطئ قدم في البلاد، التي لا تمانع في استضافتهم.

وكأن للتاريخ دورة تتشابه فيها الأحداث وتتكرر، حتى لو اختلفت الأسماء والأماكن والأزمنة، فبينما كان أعضاء حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان، يحتفلون بحصد 235 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية 2011-2012 التي أجريت في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، وفاز فيها الإسلاميون (سلفيون وإخوان) بثلثي المقاعد، كان آخرون يتوسمون فيهم أن يَجُودوا عليهم بما استعصى على الجماعة تحقيقه أيام الحظر والحلّ والملاحقة.

من هؤلاء الذين قصدوا الجماعة لإضفاء شرعية على بلادهم، كان بكر إسماعيل (القائم بأعمال سفير كوسوفو في القاهرة آنذاك)، الذي طالب عصام العريان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، بأن يعترف ببلاده التي تقطنها أغلبية مسلمة بنسبة 95%، لاسيما أن مصر رفضت ذلك الاعتراف عام 2008 خلال حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (1981 – 2011).

اعتراف إخواني بـكوسوفو
في يوليو 1990 أجرى سكان إقليم كوسوفو الواقع ضمن نطاق منطقة البلقان، في الركن الجنوبي الشرقي من القارة الأوروبية، استفتاءً للانفصال عن صربيا؛ ما أدى إلى صدام مسلح بين الخلايا العسكرية التي كونها سكان الإقليم والجيش الصربي، فانتهى الأمر إلى تدخل من قوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» بقيادة أمريكا، أدى إلى انسحاب الصرب من الإقليم، ووضعه تحت الحماية الأطلسية، حتى انفصلت كوسوفو بشكل نهائي في فبراير 2008.

مع وصول الإخوان إلى البرلمان، سعى «بكر» إلى تغيير حثيث في الموقف المصري، لتعديل صورة الانفصال الذي دعمه الأمريكيون ومعظم الأوروبيين وثلاث من الدول العربية؛ (لبنان والأردن والسعودية)، وعارضته روسيا ومصر من قبل.

كان مصدر مصري شاهدًا على مفاوضات «العريان» و«بكر»، وكشف لـ«المرجع» كواليس اللقاء غير المعلنة، التي أكدت العلاقة الوثيقة بين شخصيات إخوانية وآخرين من كوسوفو، مؤكدًا أن «العريان» رفض تدعيم «الوطن الإسلامي» الذي كوّنه المسلمون في كوسوفو؛ اعتراضًا على شخص سفير كوسوفو.

وبعد أن انتصف العام 2012، فاز المرشح المنتمي إلى جماعة الإخوان، محمد مرسي، بمنصب الرئيس (2012 - 2013)، تغيرت سياسة الجماعة، ومثلت كوسوفو إغراءً للنظام الإخواني للتمدد في الخارج، وحاول «مرسي» أن يسير على نهج مؤسس الجماعة حسن البنّا (1906-1949)؛ إذ دَعا رئيس الوزراء الكوسوفي هاشم ثاتشي، لحضور مؤتمر القمة الإسلامية بالقاهرة، ثم سافرت مساعد الرئيس للشؤون السياسية حينها، باكينام الشرقاوي، إلى «بريشتينا» في الذكرى الخامسة لإعلان الاستقلال في فبراير 2013، وصرحت في مؤتمر صحفي بأن مصر في طريقها للاعتراف باستقلال كوسوفو.

أسفرت الاندفاعات الإخوانية عن اعتراف مصر بكوسوفو يوم 26 يونيو 2013، أي قبل ثورة تصحيح الأوضاع في 30 يونيو بأربعة أيام فقط، وجاء الاعتراف عبر بيان من المتحدث باسم الخارجية وقتها بدر عبدالعاطي، يحمل من جهة اعترافًا بدولة كوسوفو ذات استقلالية وسيادة، ومن جهة أخرى يُحاول تطييب خاطر صربيا التي تربطها بمصر علاقات وطيدة.

حيث ذكر بيان المتحدث باسم الخارجية: «أن مصر بإعلانها عن رغبتها في إقامة علاقات طيبة مع جمهورية كوسوفو في كل المجالات، فإنها في الوقت ذاته تؤكد حرصها على استمرار وتعزيز علاقتها الطيبة التي ربطتها دائمًا بمختلف دول المنطقة».

كتالونيا واستعادة الأندلس
وفي أوروبا، كان الإخوان يبحثون عن مضيف آخر لهم بعدما لفظتهم أغلب الدول الأوروبية ومن قبلها العربية؛ إذ حاولت الجماعة أن تدعم إقليم كتالونيا الواقع في شمال شرق إسبانيا في مطالب انفصاله عن إسبانيا، وعمل الإخوان على تقوية نفوذهم بالإقليم، أملًا في تغيير البيئة الدينية السائدة، والتي يغلب عليها الطابع السلفي، من خلال الترويج لبناء مدرسة دينية بدعم من جمعيات ومنظمات دولية ترسل أموالًا لكيانات تابعة للإخوان، منها: «هيئة الإغاثة الإسلامية».

تخوفت رئيسة وحدة دراسات الشرق الأوسط في المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط، لورديس فيدال، من المطامع الإخوانية في الإقليم، استنادًا إلى التصريحات التي جاءت على لسان أعضاء الجماعة والمتعاطفين مع الإخوان، الذين تحدثوا عن استعادة الأندلس (إسبانيا حاليًّا).

وقالت «فيدال»: «عندما يتحدث الإخوان عن تحرير الأندلس، فهنا علينا أن نتوقف قليلًا؛ لأن هذه لهجة مقلقة للغاية، وأن مشكلتنا مع الإخوان المسلمين لا تكمن في ممارسة العنف، فهم لا يفعلون ذلك في أوروبا مثلما يحدث في بعض دول الشرق الأوسط، لكن خطورتهم هنا تكمن في عملهم الدائم على خلق بيئة أيديولوجية ودينية تتبنى مثل هذه الأفكار المتشددة».

إن الصلة الوثيقة بين الجماعة وزيادة الاحتجاجات في الإقليم نهاية العام المنصرم، أكدها القيادي الإخواني الهارب في تركيا، أيمن خميس، حينما أطل على قناة «مكملين» التي تُبَث من الخارج، وطالب باحتلال إسبانيا، باعتبارها كانت ملكًا للمسلمين، فقال: «الإسبان مازالوا يحتلون أرض المسلمين، فالأندلس مثل فلسطين، ولن ننسى أرضنا أبدًا، ونحن نطلب العون من الله لمواجهتهم.. والإسلاميون لا ينسون، سواء احتلال فلسطين من اليهود، أو الأندلس المحتلة من الإسبان، لم ننسَ أراضينا، وسنستعيدها لأنها أرض محتلة».

هكذا كانت مواقف الجماعة من تدعيم الحركات الانفصالية وتقسيم البلاد، طالما سيصب ذلك في مصلحة الإخوان، بينما كان الرفض أو التزام الصمت في حال كانت تلك الأوطان الإسلامية ستتعارض مع علاقة الجماعة بدول أخرى ذات ثقل.

الكلمات المفتاحية

"