«تحرير الأندلس».. متاجرة جديدة من قطر والإخوان في إسبانيا
الأربعاء 16/مايو/2018 - 12:42 م

نهلة عبدالمنعم
في ظروف سياسية معقدة كانت ترزح فيها مصر تحت نيران الاحتلال البريطاني، وتحديدًا سنة 1928، أُسِّست جماعة الإخوان، متخذةً من الدين ستارًا لأيديولوجيتها الحقيقية، ومنذ ذلك الحين سعت الجماعة للتوغل إلى عمق المجتمع بكل السُّبُل، لكن أقصر الطرق الذي سلكته الجماعة كان استغلال المؤسسات البحثية والفكرية والأنشطة الثقافية والحركات الطلابية، فانتشرت أفكار «البنا» السامّة كالنّار في الهشيم داخل تلك المؤسسات، وصبغت هذه الأنشطة، وشتتت أذهان كثير من الطلاب والشباب، فتعددت الفروع خارج مصر، وترامت أطرافها كخلايا سرطانية في جسد العالم، ما يلبث أن يتخلص من واحدة حتى تنبت غيرها في مكان ما، تمامًا مثل ما جرى في إسبانيا من الإخوان هناك.
ولإسبانيا دلالة تاريخية للمسلمين؛ وذلك لاحتضانها الدولة الأندلسية العريقة على أرضها في الماضي، ويلقي هذا التاريخ بظلاله على بعض المسلمين الإسبان، الذين مازالت تراودهم الأحلام بإعادة تأسيس الدولة الأندلسية.
من باب هذا الحنين إلى المجد الأندلسي، نشأ تيار إسباني جديد، تحت اسم «التجمع الوطني الأندلسي»، في تجارة واضحة بالتاريخ الإسلامي، ومغازلة سافرة لمشاعر المسلمين عمومًا ومسلمي إسبانيا على وجه الخصوص.
ومن اسم هذا التيار يتضح هدفه الحقيقي، وهو انفصال جنوب إسبانيا عن السلطة المركزية في مدريد -على غرار ما حدث من المطالبة بانفصال إقليم كتالونيا- وإقامة دولة مستقلة تضم جميع أجزاء الأندلس القديمة، تشمل جنوب إسبانيا امتدادًا إلى جزء من جنوب البرتغال ومحافظة مورسيا، ومدن الريف المغربي.
جدير بالذكر أن رئيس «التجمع الوطنى الأندلسي»، بيدرو إغناسيو ألتاميرانو، أعرب عن عدم رفضه التعاون مع جماعة الإخوان، لجمع شتات المسلمين في العالم ليعيشوا معًا في الدولة الأندلسية المنشودة، ونظرًا لأن جماعة الإخوان تعشق هذه الأجواء الانفصالية المضطربة (مثلما رحبت بانفصال جنوب السودان) فلن تفوّت الفرصة في إسبانيا، وهو ما كشفت عنه وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة الكتالونية في سبتمبر 2017، عن رصدها حركة مشبوهة تُسَهّل عبور الأموال إلى كيانات إخوانية داخل الدولة الإسبانية، خاصة إقليم كتالونيا.
وفي إطار سعي جماعة الإخوان الإرهابية (محظورة في مصر ومطرودة من أغلب دول الشرق الأوسط)؛ للسيطرة على الفكر الأوروبي، ومحاولة التغلغل داخل المراكز العلمية والثقافية والتوعوية، قام التنظيم بافتتاح مدرسة إسلامية في مدينة فالنسيا (ثالث أكبر المدن الإسبانية من حيث عدد السكان بعد العاصمة مدريد ومدينة برشلونة)، وبنيت المدرسة باستثمارات بلغت تكلفتها نحو 2 مليون يورو، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة «كونفيدينتيال» الإسبانية، في سبتمبر 2016.
وطبقًا للدراسات البحثية الناشطة في مجال مكافحة الإرهاب، تشير أصابع الاتهام إلى الجمعية الإسلامية في بداخوث بأنها على علاقة بتنظيم الإخوان، وتهتم الجمعية الإسلامية بالأنشطة الثقافية، وإقامة الدوارت والأنشطة التعليمية.
وتنضم المفوضية الإسلامية في إسبانيا، المنشغلة دائمًا بصراعات الزعامة بين أعضائها ورؤسائها، إلى الجماعات التي تدور حولها الشُّبُهات، وقد أُسِّست في عام 1992؛ لتكون الممثل الشرعي عن المسلمين بإسبانيا.
وتطول الشبهات أيضًا «الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش»، التي يطلق عليها البعض «رابطة الحوار الإسلامي»، والتي تعمل تحت مظلة منظومة اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وتدور أنشطته حول الندوات والملتقيات التربوية والدورات التدريبية والمحاضرات والمؤتمرات، ومن أهم الفعاليات التي تنظمها الرابطة «الملتقى السنوى للشباب والطلبة في إسبانيا».
المساجد.. وسيلة الإخوان لنشر أفكارهم
تعمل الدولة القطرية (الراعي الرسمي والممول الأول للتنظيم العالمي للإخوان) على مد جسور شرها إلى إسبانيا، وذلك عن طريق تمويل المراكز الدعوية والمساجد.
فقد أشار تقرير للاستخبارات الوطنية الإسبانية، نشر في عام 2011، إلى أن قطر قد دعمت المركز الثقافي الإسلامي في برشلونة بـ300 ألف يورو.
كما كشفت الفيدرالية الإسلامية بكتالونيا، في يوليو 2014، نية أمير قطر بناء مسجد عملاق في مدينة برشلونة الإسبانية، باستثمارات بلغت 2.2 مليار يورو؛ ليحل المسجد محل ملعب كان يستخدم لمصارعة الثيران، على أن يضم مراكز تعليمية!
فيما انتقدت الصحف الإسبانية في العديد من تقاريرها، التمويل القطري للمساجد بإسبانيا، وعلى رأسها الصحيفة الإسبانية الشهيرة «Caso Aislado» التي نشرت تقريرًا في 19 أغسطس 2017، تتهم فيه قطر بدعم الإرهاب بإسبانيا عن طريق تمويل المساجد، خاصة مساجد إقليم كتالونيا، الذي يسعى للانفصال، وحددت الصحيفة نسبة المساجد المتمركزة في كتالونيا بنحو 20% من مجموع مساجد إسبانيا، ووجهت اتهامًا لهذه المساجد بأن أغلبها يدعم الإرهاب والفكر المتطرف، وقالت الصحيفة: إن السبيل الوحيد لإيقاف تطرف مساجد برشلونة هو إيقاف التمويل القطري إياها.
وكعادة الإخوان في استغلال المساجد لترويج دعوتهم الضالة، كشفت الداخلية الإسبانية، في مايو 2018 الحالي النشاط الإخواني لإمام مسجد «لوجرونو»، الذي يقع في شارع فيليجاس بإقليم «لا ريوخا» الإسباني، ويُدعى «علاء محمد سعيد»، وهو مصري الأصل.
كما أصدرت المحكمة الوطنية الإسبانية، أمرًا نهائيًّا بطرد سعيد، وذلك بعد أن وجّهت له تهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان؛ ما يمثل تهديدًا للأمن القومي للبلاد، وذلك تحديدًا في 7 مايو 2018.
وقررت السلطات الإسبانية ترحيله إلى مصر، بعد كشف استغلاله عمله بالمسجد في تكوين بؤرة إخوانية جديدة داخل إسبانيا، لكنه يراوغ السلطات، وقد أعلن إضرابه عن الطعام؛ ليجبر السلطات الإسبانية على عدم ترحيله لمصر.
فيما رصدت مواقع التواصل الاجتماعي في إسبانيا، خطبة لإمام مسجد بدر طراسة ببرشلونة، جعفر الموريتاني، في أبريل 2017، وهو يدعو المسلمين إلى عدم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، واشتهر جعفر بخطبه العقائدية الغريبة، متجاهلًا الحديث عن العمليات الإرهابية، أو حتى إدانتها.
ولم يقتصر النفوذ القطري على المساجد فقط، بل امتد إلى الإعلام الإسباني، مستغلةً إقامة دورة الأولمبياد ٢٠٢٠ على أرضها؛ حيث وقّعت صفقة بملايين الدولارات مع الشركة الإسبانية «بريسا»؛ لإطلاق صحيفة إخبارية كبرى تعمل في المجال الرياضي، ويدير هذه الصحيفة قيادات صحفية إخوانية.
ويدرك المجتمع الإسباني خطورة التمويل القطري للإخوان داخل الأراضي الإسبانية؛ إذ إن إسبانيا قد عانت ويلات العمليات الإرهابية وهجماتها، فلقد سبق ونظم الإسبان العديد من الوقفات الاحتجاجية المطالبة بوقف التمويل القطرى للإرهاب.