«داعش» في ألبانيا.. جهاد المخدرات والتعاون مع المافيا
الأربعاء 30/مايو/2018 - 07:20 م

كتبت- نهلة عبدالمنعم
استقبل وزير داخلية ألبانيا، فطمير تشافي، اليوم الأربعاء 30 مايو 2018، السكرتير العام لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، توماس جريمنر، على خلفية التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب والتطرف في البلاد، وذلك تزامنًا مع تسرب معلومات نشرها موقع «سايت» الإخباري عن مساعدات لوجستية تقدمها عناصر داعش للتنظيم من داخل محبسهم في ألبانيا؛ حيث نشر الموقع الإخباري صورة تتضمن ترجمة ألبانية تقدمها العناصر لتنشر في وسائل إعلام التنظيم الناطقة باللغة الألبانية.
داعش في ألبانيا
صُدِم المجتمع الألباني من سفر الكثير من مواطنيه إلى العراق وسوريا للالتحاق بصفوف تنظيم داعش الإرهابي؛ حيث كشف وزير الخارجية، ديتمير بوشاتي، عن تورط عدد من الألبان في أعمال عنف لـ«داعش» وتقدرهم المؤسسات الرسمية بحوالي 300 مسلح.
كما انتشرت فيديوهات على الشبكة العنكبوتية يظهر فيها الشباب الألباني وهم يمزقون جوازات سفرهم بعد التحاقهم بداعش.
فسكان ألبانيا المقدر عددهم بحوالي 4 ملايين نسمة، 70% منهم يدينون بالإسلام، انخرط أحد أئمتها ويُدعى ألمير داتشي في دعوة مسلمي ألبانيا للالتحاق بداعش، ما دفع محكمة الجنايات الخطيرة في مايو 2017 أن تعاقبه بالسجن لمدة 15 عامًا بتهمة تجنيد عدد من الشباب الألبان لمصلحة داعش.
وكان داتشي إمامًا لمسجد يقع في قرية ليشنيس بمقاطعة بوغراديتش، القريبة من العاصمة تيرانا، ولكنه خالف النهج العريق لأسلافه من الأئمة العظام؛ أمثال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1914-1999) العالم الديني المختص بعلوم الحديث، وصاحب العديد من المؤلفات، ولقد درس في عدة دول منها مصر والإمارات وإسبانيا وألمانيا وغيرها، وله باع كبير في تفنيد الآراء والمفاهيم المغلوطة المتعلقة بالجهاد، ولذلك كفره «داعش» واحتد على عقيدته.
وكان لابد للتنظيم من اختراق المجتمع الهادئ المترامي على أطراف جنوب شرق أوروبا، من خلال الإساءة للشيخ الألباني، فهو مرجع ديني مهم في البلاد والعالم الإسلامي أجمع، خاصة فيما يتعلق بفتاوى الجهاد والخروج على الحاكم، وإقامة التنظيمات المسلحة؛ حيث جملته الشهيرة «أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم»، وتُمثل هذه الجملة نقطة فاصلة في الحرب على الإرهاب؛ لذلك استهدف «داعش» أئمة البلاد أولًا حتى يتسنى له السيطرة على عقول الشباب والمراهقين.
وينضم بوجار هيسا إلى قائمة المشايخ التي نَفَذَ إليها داعش في البلاد، ولكن يقظة السلطات الأمنية أدت إلى اعتقاله، فالمرجعية الدينية الإسلامية للدولة تُعد ركيزة أساسية في التركيبة الثقافية للمجتمع، لذا اهتم داعش بتحريفها.
عوامل ألبانية تجذب التنظيم
وعن اختيار التنظيم الإرهابي لدولة من منطقة البلقان لينشر بها فكره المتطرف، يمكننا الحديث عن المافيا الألبانية ذائعة الصيت في تجارة المخدرات والجريمة، فباعتبار داعش جماعة إجرامية، فهي تجد توحدًا ما يجمعها بالمافيا الألبانية –أشهر عصابات المافيا في العالم- فداعش يعتمد في تمويله بشكل كبير على المخدرات، وهو ما يجذبه لألبانيا المصدر الأول للحشيش في أوروبا.
وبالنظر إلى الفساد المستشري في البلاد، خاصة المجال القضائي -أحد العوامل التي تمنع انضمام الدولة للاتحاد الأوروبي- يتضح سبب جلي لاستقطاب داعش والتنظيمات الإرهابية.
ويرجعنا الفساد إلى منظومة عمل السجون في ألبانيا، فقد سبق واستطاع سبعة سجناء في 2013 الهروب من سجن درينوف شديد الحراسة الواقع شمال العاصمة تيرانا، وهو ما يفسر تسريب الدعم المتبادل بين أعضاء داعش داخل السجون وخارجها.
إحياء الجهاد المزعوم
أما عن تاريخ الدولة المأهولة بالسكان منذ العصر الحجري مرورًا بالأيليريين معاصري العثمانيين، وصولًا إلى الجمهورية البرلمانية، فقد قدر لها في العصر الحديث معرفة الأفكار المغلوطة للجهاد عن طريق التضليل المتعمد، فأثناء الحروب التي شهدتها منطقة البلقان والتي بدأت في 1992 وعُرفت بحروب البوسنة والهرسك، وهي حروب اشتركت بها يوغسلافيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وغيرها، وذلك على خلفية إعلان الأخيرة استقلالها عن جمهورية يوغسلافيا، وراح ضحية الحرب حوالي 200.000 شخص.
وكعادة الجماعات الإرهابية في الانقضاض على الأحداث، واستغلالها بما يخدم مصالحها، فقد انضم بعض التيارات المتطرفة بزعم الدفاع عن المسلمين إلى الحرب، وألقوا بظلالهم على انتشار الراديكالية في دول البلقان خاصة ألبانيا، ما شكَّل خطرًا على هويتها وثقافتها، فبعد خفوت صوت الحرب قررت الدولة ترحيل هؤلاء إلى دولهم، وهناك قضية عُرفت في مصر بـ«العائدون من ألبانيا»، حوكم المتهمون فيها أمام القضاء العسكري ومن أشهرهم محمد شوقي الإسلامبولي شقيق قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
وعن النغمة التي يقودها تنظيم داعش بالعودة مرة أخرى لألبانيا، يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، في تصريحات لـ«المرجع»: إن الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم في سوريا والعراق جعلته يبحث عن موطئ قدم في أوروبا حتى يحظى بالاهتمام الإعلامي ويدخل بؤرة الضوء.
وأضاف «صادق» أن التنظيم يستغل التاريخ القديم للجماعات المتطرفة في شبه جزيرة البلقان لتجديد العودة مرة أخرى للمنطقة، كما أن حالة الضعف والتهميش التي يلاقيها المسلمون في أوروبا تجعلهم أكثر استعدادًا لتبني الأفكار المتطرفة والانخراط في تلك الجماعات.
وبالنسبة لتهريب المخدرات التي تشتهر بها الدولة الألبانية فيعتبرها «صادق» من أهم مصادر الجذب للتنظيم الذي يحتاج الآن إلى التمويل.