قراءة في استقالة «المشري» من إخوان ليبيا
رغم
التنوع في التعليقات المتناولة للقرار المفاجئ الذي اتخذه الإخواني الليبي ، «خالد المشري»، والذي أعلن فيه، مساء السبت الماضي 26 يناير 2019، استقالته
من جماعة الإخوان فرع ليبيا، فإن شيئًا من الإجماع حضر للتشكيك في مدى صدق هذه
الاستقالة.
وعبر مقطع فيديو نشره «المشري» عبر حسابه على
«فيسبوك»، وتناقلته المواقع والصفحات، أعلن خلاله استقالته من الجماعة، مبررها
أنها لم تتخذ خطوات جادة فيما سماه بـ«المراجعات الفكرية»، مشيدًا في
الوقت نفسه بأفكار الجماعة وتربيتها لأبنائها، مؤكدًا أن قراره جاء لإحجام الجماعة
عن الأخذ بالتوصيات والإصلاحات التي أقرتها في مؤتمرها العاشر، المعقود في أكتوبر
2015، معبّرًا عن تقدير يحمله في نفسه لها ولأعضائها، مشيرًا إلى فترة عمل الإخوان خلال حكم
الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، مقرًا بعمل الجماعة السري، آنذاك، وتغييرها
لأسلوب عملها منذ 2011.
فيما تعيد استقالة المشري الذي يصنّف كأحد
الرموز الإخوانية بليبيا فتح ملف الانشقاق داخل جماعة الإخوان الإرهابية، ومدى صدق
المنشقين في قراراتهم، حيث يتهمون دائمًا بكونهم جزءًا من لعبة توزيع أدوار تمارسها
الجماعة.
من هذه الزاوية نشأت على مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة
بين «المشري» والمنشق عن الجماعة الإرهابية في مصر «عبدالمنعم أبوالفتوح»، إذ قال بعض المدنيين إن «المشري» يسير على نهج «أبوالفتوح» الذي يتهم حتى اليوم بولائه لأفكار وتقاليد الإخوان.
آراء
ومواقف حول الاستقالة
كتب عضو
مجلس النواب عن مدينة «الكفرة»، «سعيد امغيب»، عبر حسابه على
فيسبوك، أن :«خبر الاستقالة يبدو مضحكًا مبكيًا في آن واحد»، وتابع مشككًا في صدقها
:« لا أعتبر هذا الأمر إلا حماقة أخري من حماقات التنظيم المفلس واستخفافًا
جديدًا بعقول الليبيين» ، وخاطب «المشري» مباشرة في قوله :« يا خالد المشري
هذه الاستقالة المزعومة أو هذا المشهد الباهت من مسرحيتكم الهزيلة قد يرفع عنك بعض
اللوم أو الحرج أمام البشر الذين لا يطلعون على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولكن أمام السميع البصير جل في علاه ماذا
ستقول ؟»
والموقف ذاته اتخذه المحلل السياسي، «عبدالباسط بن
هامل»، الذي اعتبر في تدوينة له على «فيسبوك» أن خروج عضو حزب العدالة
والبناء المزعوم ورئيس ما يسمى بـمجلس الدولة «خالد المشري» من
جماعة الإخوان الإرهابية مراوغة تلفزيونية تهدف لإرسال رسائل خارجية وداخلية، وأكد بن
هامل" :«أن لا ثقة في الإخوان ولو كانت الجنة بين أيديهم، وما استقالة المشري
من الجماعة الضالة إلا لعبة جديدة»، مضيفًا «لا يمكن للفكر ومعتقداته أن يغادر
جمجمة الرجل (المتشدد ضد الجيش) وهو الذي اعتنقه منذ سنين طوال، وما فعله وما أقدم
عليه ما هو إلا مراوغة تلفزيونية المراد منها إرسال رسائل خارجية تماشيًا مع المزاج
العام المعادي للإخوان وداخلية لتهدئة العداء الكبير في الشارع الليبي ضد الجماعة
واستقطاب البسطاء (عاطفيًا) ».
وتطرق
خلال تدوينته إلى الإخواني «علي الصلابي»، قائلًا: «تجربتنا مع الصلابي
والقفز من مراكب عديدة تؤكد أنهم حال تمكنهم ستكون أعناقنا ثمن غبائنا وعاطفتنا
ثمنها الانتحار».
وقلل عضو مجلس النواب «عيسى العريبي»،
هو الآخر من قرار «المشري»، وإن كان تناوله للواقعة مختلفًا، حيث
قال في تصريحات صحفية له: "إن حديث المشري تضمن إقرارًا واعترافًا منه
بالعمل السري لجماعة الإخوان في ليبيا، وهو ما يؤكد ما كانت الجماعة تنفيه مرارًا
وتكرارًا".
ولا يتوقف الأمر عند ذلك إذ أفاض مدونون في كتابة
تفسيرات عدة للاستقالة، حيث قال أحد المشاركين في تأويل القرار إنه لم يكن
فرديًا أو نابعًا من إرداة داخلية لـلمشري، لكنه أتى بناء على تعليمات من تركيا،
واستند صاحب هذا التفسير على العلاقات المتينة بين المشري وأنقرة والزيارات
الكثيرة التي يقوم بها الإخواني المنشق لتركيا.
لماذا الاستقالة؟
لا يمكن فصل قرار الاستقالة، عن مشهدين، يحملان في طياتهما شيئًا من التفسير له.
أولهما يتعلق بالاتهامات الموجهة ضد «المشري» في الرأي العام الليبي، حيث تفيد بتورطه في قضايا فساد مادي، وعلى ذلك نظم نشطاء ليبيون، الأسبوع الفائت، تظاهرة ضد ما سموه «سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة».
وخلال الوقفة رفع النشطاء شعارات «لا للتمكين، لا لتسييس الدين من قبل الإخوان المتأسلمين»، وبينما تعاملت الصحف المدعومة قطريًا وتركيًا، مع التظاهرة كمحاولة لتشوية الجماعة الإرهابية، ربط البعض بين الاتهامات الموجهة «للمشري» وبين التظاهرة الرافضة لجماعة الإخوان.
وقد رأى محمد الزبيدي، الباحث الليبي، أن قضية «المشري» أثرت على وضع جماعة الإخوان في المشهد، ما زاد من حالة الرفض الشعبي لها، مدللًا على ذلك بالتظاهرة المشار إليها، لافتًا النظر إلى هذه التظاهرة تدلل على قلق الجماعة من وضعها، وذلك ما يفسر دفعها للمشري لتقديم الاستقالة الشكلية، ونفي علاقتها بالإخواني المتورط في قضايا الفساد.
ويدعم هذا التأويل ما نشرته صحيفة المرصد الليبية، ظهر
اليوم، وقالت فيه نقلًا عن مصادرها إن مساعي بين أعضاء بمجلس النواب لإدراج بند
مشروع قانون فى جدول أعمال الجلسة المقبلة يصنّف فرع جماعة الإخوان المتأسلمين فى
ليبيا كتنظيم إرهابي محظور، وهو ما يعني أن التململ من الجماعة لم يعد مقتصرًا على
تظاهرات معارضة بل ربما يأخذ شكل تحرك رسمي حقيقي.
حيث طالبت الرقابة الإدارية التابعة للبرلمان الليبي،
برفع الحصانة عن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ضمن التحقيقات التي
تجريها في تجاوزات سابقة ضمن «المؤتمر العام».
وأظهرت رسالة، وجهتها الهيئة إلى مقرر المجلس الأعلى
للدولة، أنه «بالإشارة إلى التحقيقات الجارية في القضية رقم 10 لسنة 2017،
والمتعلق موضوعها بالمخالفات والتجاوزات المالية والإدارية المرتكبة من قبل رئيس
اللجنة المالية بالمؤتمر العام سابقًا، وعملًا بأحكام المادة 11 من الملحق رقم 3
من الاتفاق السياسي، نأمل برفع الحصانة عن السيد خالد عمار المشري لسماع أقواله في
التحقيقات».
من جانبه وصف «المشري» الاتهامات بالسياسية،
إلا أن ذلك لم يكف لإخماد حالة الجدال المثارة حتى الآن حول المشري، على خلفية
اتهامات الفساد، وإن كان احتمال أن استقالة المشري جاءت برغبة من الجماعة نفسها يبدو
منطقيًا وفقًا لحديث الزبيدي .
أما التفسير الثاني، فيتعلق بحالة القلق التي يمر بها
ما يدعى حزب العدالة والبناء الإخواني في ليبيا، فمنذ العشرين من يناير الجاري ويشهد الحزب
حالة انقسامات على خلفية التمديد لرئيس الحزب الحالي، محمد صوان، وعدم عقد
الانتخابات الداخلية التي كان من المقرر إقامتها، ذلك نتيجة رفض قرار التمديد من قبل أعضاء ومعارضين لصوان.
فيما
نشر «المركز الإعلامي البيضاء» أن أعضاء الحزب تابعوا اجتماع الهيئة
العليا، السبت قبل الماضي، بقلق بالغ، حيث عقد الاجتماع وسط أجواء متوترة ومشحونة
بين الأعضاء، بسبب الاختلاف في ضرورة عقد المؤتمر العام للحزب.
وبحسب مصادر «المركز الإعلامي البيضاء» فإن أعضاء الهيئة
المجتمعين اختلفوا على جدول الأعمال بسبب رغبة الأعضاء المطالبين بعقد المؤتمر
إدراج طعون في بعض قرارات الهيئة العليا منها، (طعن في قرار التمديد لمحمد صوان)،
والتحقيق مع المشري، عضو الهيئة، بسبب تقديمه لمعلومات مضللة في الاجتماع السابق.
وأفاد المركز أن النقاط قوبلت بالرفض من قبل الأعضاء
المطالبين بالتمديد لرئيس الحزب محمد صوان، ذلك ما سبب استياء
الأعضاء المطالبين بانعقاد المؤتمر من إدارة الجلسة وانسحابهم منها.
وإن كان بيان الحزب جاء للتأكيد على أن استمرار «صوان» جاء بتفاهمات وبناء على معطيات المشهد الليبي، فأن ذلك لا ينفى
نهائيًا وجود خلافات داخلية، فضل «المشري» الفرار منها، بحسب الباحث
الليبي محمد الزبيدي.
و«المشري» هو أحد الأسماء الإخوانية البارزة، يعرف بتقربه من تركيا ورفضه للمشير خليفة حفتر، فيما يذكر له موقفه الرافض لتحركات الجيش الليبي في مدينة درنة التي كان يسيطر عليها جماعات من تنظيم القاعدة الإرهابي، فيما فسّر موقفه بخوفه على الأهالي من الحرب المقامة على الإرهابيين، بينما فسره آخرون بأن المشري داعم للإرهاب ويخشى القضاء عليه في شرق ليبيا، ويذكر أنه خلال لقاء تليفزيوني للمشري، في مايو 2018، على فرانس 24، أكد إخوانيته، قائلًا إنه إخواني ولن ينكر ذلك .
للمزيد.. الصراعات
تقسم «إخوان ليبيا» بين التجربتين المشرقية والمغاربية





