مؤتمر باريس بشأن ليبيا.. تسوية معقدة في ظل مراوغات الإخوان
الأربعاء 30/مايو/2018 - 03:33 م

طه علي أحمد
شهدت العاصمة الفرنسية
باريس، الثلاثاء 29 مايو 2018 مؤتمرًا دوليًّا تحت رعاية الأمم المتحدة، شارك فيه
20 دولة و4 منظمات دولية (جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد
الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة برئاسة غسان سلامة)؛ بهدف إيجاد صيغة للتسوية في
ليبيا من شأنها إخراج البلاد من الوضع المتأزم.
ومَثَّل الليبيين في المؤتمر كلٌّ من؛ المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وفائز السراج رئيس الحكومة الليبية، وعقيلة صالح رئيس البرلمان، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، ورئيس المكتب التنفيذي لحزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا.

تنبع أهمية المؤتمر من
انعقاده في ظل تحولات عميقة في الأوضاع الاستراتيجية بالميدان؛ حيث يوشك الجيش
الليبي الوطني على التوصل إلى حسم عسكري في الشرق الليبي يمَكّنَه من السيطرة على
المنطقة؛ إذ يبدو أداء قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر على درجة كبيرة
من التماسك في حربه ضد المتطرفين في معركة درنة، وعلى رأسها ما يُعرف بـ«مجلس
شورى مجاهدي درنة»، الذي اضطر تحت وطأة المعارك إلى حل نفسه وتغيير اسمه إلى
«قوة حماية درنة»؛ أملًا في تصدير صورة للجيش الليبي، باعتباره يُدمر
المدينة!
التطورات على الأرض، وما تفرضه من مأزق تقع فيه القوى
الإرهابية، دفعت «إخوان ليبيا» إلى المرونة والتراجع عن التحفظات التي
أبداها قادتها على مشاركة حفتر في مؤتمر باريس؛ فقد بذلت الجماعة جهودًا كبيرة خلال
الأيام الأخيرة؛ حيث أعلن خالد المشري رئيس «المجلس الأعلى للدولة»، قبيل
أيام من المؤتمر، أن المشاركة ينبغي أن تقتصر على الأطراف السياسية المنصوص عليها
في اتفاق «الصخيرات» بالمغرب 2015؛ ما يعني استبعاد حفتر.

نتائج المؤتمر
بعد أجواء بدت إيجابية لكنها مائلة للحذر، تمخض مؤتمر باريس عن
اتفاق تضمن الإقرار بأهمية وضع أسس دستورية للانتخابات، ودعم المبعوث الأممي غسان
سلامة في المشاورات التي يجريها مع السلطات الليبية، بشأن تقديم اقتراح لاعتماد
الدستور، وتحديد المهلة الزمنية له، كما تضمن الاتفاق إجراء انتخابات برلمانية
بموجب قوانين انتخابية يفترض اعتمادها بحلول 16 سبتمبر هذا العام، وكذلك انتخابات
رئاسية في 10 ديسمبر من العام نفسه.
ضمانات حذرة من المشاركين
جاءت رعاية فرنسا للمؤتمر استكمالًا للدور الذي بدأته منذ
قيادتها الحملة العسكرية «فجر أوديسا» لإسقاط الرئيس الليبي الأسبق
«معمر القذافي»؛ حيث تسعى باريس لتحويل مساعيها العسكرية إلى مكاسب
اقتصادية واستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، لاسيما التخبط الذي يشوب الرؤية
الأمريكية في قضايا المنطقة.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي اكتست به تصريحات الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون تجاه الاتفاق، فإنه يبقى في حيز «التفاؤل الدبلوماسي»
غير المصحوب بتطورات داعمة له على الأرض، ومن ثم فلن يعدو كونه مجرد أمنيات، وليس
أدل على ذلك بالمؤتمر المشابه الذي عقدته باريس في يوليو من العام 2017، برغم
الحضور الدولي والإقليمي الكثيف، هنا يطل شبح الدول الداعمة للإرهاب، التي لم تجد
لها نصيبًا من اتفاق الفرقاء الليبيين، مادامت تلك المساعي لم تضمن نصيبًا وافرًا
للمتطرفين؛ إذ يستمر الدعم القطري والتركي لإخوان ليبيا، بما يزيد من تعقيدات المشهد.
أما على مستوى الدول المشاركة في المؤتمر، فإن تنوع مستويات
التمثيل يعكس مستوى الحذر بالنسبة لآفاق التسوية السلمية؛ فالقاهرة يُمثلها مساعد رئيس
الجمهورية لشؤون المشروعات القومية والاستراتيجية المهندس إبراهيم محلب، والجزائر
يُمثلها رئيس الوزراء، والمملكة العربية يقتصر تمثيلها على مستوى سفير، هنا يلاحظ أن
مشاركة الإخوان ذاتها هي مبعث الحذر لدى دول الجوار التي تتحفظ على عودة
الإخوان إلى المشهد.

عقبات في طريق الحل السياسي
رغم المؤشرات الإيجابية التي بدت خلال المؤتمر الدولي، فإن حالة من الحذر تفرض نفسها بشأن تنفيذ تلك التسوية المأمولة؛ وذلك نتيجة المؤشرات التالية:
1) مراوغة الإخوان
في الوقت الذي تزعم فيه جماعة الإخوان أنها تؤيد الجهود السلمية لحل الأزمة السياسية في ليبيا، إلا أن السلوك الإقليمي للجماعة الأم لكل التنظيمات الإرهابية في العالم ينذر بإصرارها على الحيلولة دون سماحها بأي إنجازات للدولة الليبية لا تشعر الجماعة فيها بموقف «المسيطر»؛ ففي الوقت الذي تشارك فيه الجماعة بفاعلية في «مؤتمر باريس»، إذا بها تتضامن مع الجماعات المتطرفة، في محاولة لفرض رؤيتها؛ فقد تحفظ عدد من مجموعات «الإسلام السياسي» تضمنت أجنحة محسوبة على الإخوان، وأخرى تابعة للقاعدة في ليبيا، وميليشيات «المفتي المعزول»، التي أعلنت بمصاحبة 14 ميليشيا موالية لهم رفضها المبادرة الفرنسية، التي انطلق من خلالها المؤتمر؛ ما يعكس قدرًا من المراوغة التي تمارسها الجماعة؛ حيث تضمن بذلك مكانًا لها بين المؤيدين، فضلًا عن قيادتها معسكر المعارضة.
كما أن الجماعة التي تُعاني حصارًا خانقًا تفرضه قوات الجيش الليبي الوطني في درنة، تدرك التحول في التحالفات والتوافقات السياسية، وما يُمثله من تهديدات لوجودها في المشهد السياسي؛ ما جعلها ترضخ للضغوط التي مورست عليها، والمشاركة في مؤتمر باريس؛ حيث يمكنها ذلك من العودة عبر بوابة الشرعية الدولية للمواجهة، فآثرت عدم تجاهل دعوات اللجنة الرباعية التي تشكلت من خلال المنظمات الدولية والإقليمية المشاركة في المؤتمر.
إضافة إلى ذلك تُعاني «جماعة الإخوان» انشقاقاتٍ داخليةً في أعقاب انتخاب خالد المشري رئيسًا للمكتب التنفيذي لحزب العدالة والبناء الذراع السياسية لإخوان ليبيا، والإطاحة بسلفه عبدالرحمن السويحي، الذي يتوقع ألا يقبل بالمشاركة في عضوية مجلس الدولة، وميله نحو استقطاب مجموعات من الرافضين لـ«المشري»؛ الأمر الذي لا تستبعد معه صدامًا مقبلًا داخل الجماعة؛ ما أضعف كفة الجماعة التي تتبنى المراوغة سبيلًا للخروج من المأزق الحالي.
في ضوء ما سبق، يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة ضغوطًا من شأنها إحداث توافقات داخل الاخوان؛ لتفادي فرض عملية سياسية تؤدي إلى مزيد من الانقسام، وخلق كِيانات جديدة، من شأنها إطالة أمد الصراع.
2) تهديدات داعش
يسعى تنظيم «داعش» لعرقلة أي مسيرة ديمقراطية، وآفاق للتسوية السلمية، بما يوفر لها بيئةً حاضنةً للانتشار؛ فالتنظيم الذي لا يؤمن بالديمقراطية يسعى لتنفيذ أي عمليات تعرقل جهود التسوية؛ فقد تَبَنَّى التنظيم هجومًا إرهابيًّا استهدف مقر المفوضية العليا للانتخابات الليبية بمنطقة «غوط الشعال» وسط العاصمة طرابلس في 2 مايو من العام الحالي في رسالة من التنظيم على إصراره؛ للحيلولة دون إجراء الانتخابات يراها الإرهابيون «كُفرًا».
3) تعقيدات المشهد الأمني
لاتزال الساحة الليبية تعاني مواجهاتٍ عسكريةً تفرض العراقيل أمام آفاق التسوية السلمية، فالجنوب الليبي يشهد وجودًا عسكريًّا غير قادرٍ على السيطرة عليها؛ حيث تشهد المنطقة مواجهات عسكرية بين قبائل التبو وأولاد سليمان، كما يشهد الغرب الليبي تحولات عسكرية تتمثل في انهيار التحالفات بين الكِيانات التي شكلت قوة المنطقة تحت مسميات مختلفة، مثل فجر ليبيا، وقوات البنيان المرصوص، إضافة إلى تحول مجلس شورى درنة إلى قوة حماية درنة.
وبالرغم من مساعي فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، لاستمالة عدد من هذه الميليشيات؛ لتكون بمثابة ذراع سياسية للمجلس ولحكومة الوفاق الوطني، وإدراجها ضمن القوة العسكرية الرسمية، فإن تهديدات داعش لاتزال مستمرة.
أخيرًا، فإن عودة الإخوان إلى المشهد السياسي في ليبيا من بوابة «الشرعية الدولية»، التي أكدتها مشاركة «المشري» في مؤتمر باريس، ربما تعكس إرهاصات لانقسامات مستقبلية، سواء على مستوى الجبهات الرافضة للمؤتمر في الداخل الليبي، أو حتى الأجنحة الرافضة للقيادة الجديدة في حزب الإخوان (العدالة والبناء) ذاته.