يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«حفتر» يُراهن على تحرير درنة.. والإرهابيون يتأهبون

الثلاثاء 08/مايو/2018 - 06:36 م
المرجع
محمود عبد الواحد رشدي
طباعة
أعلن المشير خليفة حفتر، اليوم الإثنين 8 مايو لعام 2018، خلال استعراض عسكري شارك فيه آلاف الجنود الليبيين في بنغازي، شن عملية عسكرية لتحرير مدينة درنة الواقعة شمال شرق العاصمة طرابلس، من قبضة الإرهابيين.

وقال حفتر: «إن قراره جاء بعد فشل المساعي السلمية بوساطة العقلاء» لتجنيب المدينة «ويلات الحرب»، وفي نهاية العرض صاح حفتر محمسًا جنوده بقوله: «لقد بلغنا أقاصي الجنوب بتضاريسه الوعرة، وأقمنا مناطق عسكرية، واتسعت دائرة انتشار الجيش وسيطرته على مناطق في الغرب والوسط ولم يبق في الشرق إلا درنة».
جاء هذا الإعلان بعد قصف متواصل لثلاثة أيام على المدينة بواسطة الجيش الليبي، مستخدمًا المدافع الثقيلة في الحصار، بهدف إضعاف الإرهابيين ومنع وصول الإمدادات إليهم.

«درنة».. غصة في حلق الجيش الليبي
منذ عدة أشهر، يُحاصر الجيش الليبي مدينة درنة، وهي تُعتبر المدينة الوحيدة في الشرق الليبي الواقعة خارج سيطرة الجيش الليبي؛ حيث تُعدُّ المعقل الأخير للمتطرفين، ويُسيطر عليها ما يُسمى «مجلس شورى المجاهدين»، والذي يتكون من مجموعات مسلحة إسلاميَّة تعتنق الفكر الجهادي، ويقول مراقبون إن المجلس يتبع ما يسمى تنظيم أنصار الشريعة، إلا أن «شورى المجاهدين» ينفي علاقته بأنصار الشريعة.

وجاء إعلان مجلس شورى المجاهدين سيطرته على درنة إبَّان نجاحه في طرد «داعش» من المدينة، وانتزاع السيطرة منه، فيما يُحاول المشير حفتر -والجيش الليبي- استعادة المدينة الأسيرة من قبضة الإرهابيين.

ولمعرفة تفاصيل القصة، يجب الرجوع لبدايتها، كانت تلك البداية في فبراير 2014، حين بايعت مجموعات مسلحة تنظيم «داعش» الإرهابي، وقدمت نفسها للمشهد السياسي في ليبيا تحت اسم «مجلس شورى ثوار درنة»، إلا أن هذا الاسم لم يثبت أكثر من شهور معدودة، إذ انمحت منه كلمتا «ثوار» و«درنة»، وحلت مكانهما شباب الإسلام، ليصير في أكتوبر لعام 2014 «مجلس شورى شباب الإسلام»، بعد الاسم الجديد بشهر واحد، وفي نوفمبر 2014، صُنف المجلس المزعوم هذا من قبل مجلس الأمن بأنه تنظيم إرهابي.

وفى ظل سعي كل من «داعش» و«مجلس شورى المجاهدين» للسيطرة على درنة، نشبت بينهما مواجهات دموية، حقق فيها «داعش» انتصارات مؤقتة وخاطفة، إلى أن تجهز مسلحو المجلس الإرهابي باستدعاء عناصر إرهابية أخرى تابعة لأنصار الشريعة المنتمي لتنظيم القاعدة، من أجل مواجهة حاسمة وأخيرة مع «داعش»، وتحقق للمجلس ما أراد وانتصر على «داعش» وطرد عناصره خارج درنة، بمشاركة أنصار الشريعة، ومن هنا ولد اللبس بانتماء المجلس لـ«الأنصار». 

ومن أبرز قيادات «مجلس شورى المجاهدين» سفيان بن قمو، وسالم دربي، ومحمد المنصوري، المنتمون للجماعة الليبية الإرهابيَّة التي يتزعمها عبدالحكيم بالحاج. 

الأهمية الجيو-استراتيجية لـ«درنة» 
رغم وقوعها في رقعة صغيرة محصورة بين جبال وساحل بحر، فإن «درنة» -التي تقع بين بنغازي وطبرق- تكتسب أهميةً استراتيجية بالغة، إذ إن امتداداتها عبر سلاسل الجبال وكثرة «الخلجان» حولها، تُمثل حماية طبيعية لها، وتسهل عمليات مرور المسلحين والسلاح عبرها -سواء للإرهابيين أو الجيش الليبي على حد سواء- وفي حالة دخول الجيش الليبي إليها فسوف يتطلب ذلك غطاءً جويًّا كثيفًا وأسلحة جوية قد يتلقاها «حفتر» من حلفائه الإقليميين.

كما تأتي أهمية المدينة التي يقطنها 150 ألف نسمة، في موقعها الجغرافي نظرًا لوجودها في الشرق الليبي على الساحل الليبي، وسهولة الحصول على إمدادات عسكرية من جهات خارجية، وسهولة تحرك المتطرفين من الخارج الليبي إليها، ووجودها داخل عمق الشرق الليبي المُسَيْطَر عليه من قبل الجيش الليبي، وبالتالي مجابهة نجاح الجيش الليبي نحو توحيد ليبيا. ناهيك عن تمثيلها كأداة لحرب الوكالة والصراع السياسي لحكومتي طبرق في الشرق، والسراج في الغرب، وسعي كل منهما للحصول على مزيد من الأراضي والضمانات السياسيَّة.

وتناصب تلك الميليشيات العداء لـ«حفتر» في توجهه لانتشال ليبيا من التشرذم ووقوعها في قبضة المتطرفين، إضافة إلى وقوعها بالقرب من الحدود الغربية المصريَّة، وتُمثل العناصر الإرهابيَّة في درنة خطرًا حقيقيًّا على أمن الدولة المصرية، لاسيما بعد عودة المقاتلين من العراق وسوريا إلى درنة القريبة من الحدود المصرية، وساحلية المدينة جعلتها واجهة للدعم الخارجي، وعلى سبيل المثال لا الحصر حدث أن استوقفت قوات خفر السواحل اليوناني في يناير عام 2018 سفينة تركية تُدعى "«أندروميدا» تحوي مواد متفجرة كانت في طريقها إلى ليبيا. 

صراع لكسب مزيد من السلطة 
تتصارع ثلاث قوى على السلطة في ليبيا، هي: حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، والتي تحظى بدعم دولي وتأييد من المجلس الأعلى للدولة، وتسيطر على غرب ليبيا في العاصمة طرابلس (غربًا)، وحكومة طبرق، التي تسيطر على جميع الشرق الليبي باستثناء درنة والمناطق المحيطة بها، وتحصل أيضًا على تأييد إقليمي وعالمى؛ نظرًا لقضائها على كثير من الجماعات الإرهابيَّة في الشرق والجنوب الليبي، وحكومة أخرى تُسمى حكومة المؤتمر الليبي المنحل بقيادة خليفة الغويل، وتنتشر في مناطق متفرقة أغلبها في مدينة مصراتة.

ويرتبط ذلك بالأحداث الأخيرة التي وقعت الأربعاء 2 مايو لعام 2018، فقد تعرضت مفوضية الانتخابات لعملية إرهابيَّة، أعلن تنظيم «داعش» عن مسؤوليته، جميعها أحداث جاءت بالتوازي مع إعلان المبعوث الأممي غسان سلامة فتح الباب لجميع الفرقاء الليبيين لأجل توحيد الدولة الليبية. 
محاولات من الأطراف المتصارعة لفرض نفسها على الساحة الليبية والحصول على مزيد من السلطة على طاولة المفاوضات القادمة.

تلك الأحداث التي ربما تتسبب في إجهاض أي نجاحات مرتقبة للجيش الليبي في محاصرة الجماعات الإرهابية، والقارئ للواقع الليبي في ظل التوازنات الليبية الحالية بين الحكومات الثلاث، سيرجح حينها كفة الجيش الليبي وتوسعه نحو الغرب والجنوب الليبي، ولذا تُحاول الحكومات الأخرى إجهاض نجاحات الجيش الليبي، حتى ولو على حساب دعم الجماعات الإهابيَّة، هذا على الجانب الداخلي، أما إذا حاولنا تفسير الأمر إقليميًّا سنرى أن الجيش الليبي مدعوم من مصر والإمارات، وهما في عداء مع قطر وتركيا الداعمتين للإسلام الحركي في المنطقة، ساعين أن يكونا لهما نفوذ داخل ليبيا من خلال مناوءة النفوذ المصري الإماراتي (دعم الجماعات الإرهابية)، كما تحاول الدولتان أن يخلقا من ليبيا منطقة تهديد على الحدود الغربية المصرية، وتريد تركيا إشغال مصر على النفوذ في البحر المتوسط حول اكتشافات حقول النفط الحالية. 

وختامًا.. لا قدرة هناك على الحسم العسكري أو السياسي، سواء من جانب حفتر أو السراج، وبالتالي يستمر الصراع في الداخل الليبي نتيجة تضارب مصالح الدول الإقليمية والغربية، وللسير في حل جدي في ليبيا لابد من التحرك لتسوية الصراع الإقليمي بالتوازي مع خارطة الطريق الأممية لتسوية الصراع داخليًّا.
"