«شورى المجاهدين».. تحدٍّ يُواجه الأمن المصري
الجمعة 04/مايو/2018 - 03:57 م

رحمة محمود
بعد اندلاع الثورة الليبية ضد حكم معمر القذافي في 15 فبراير 2011، تشكلت العديد من الميليشيات المسلحة في البلاد، قُدِّرَ عَدَدُهَا بـ1700 كتيبة مسلحة، وظلت هذه الكتائب مهيمنة على العديد من المدن شرقي وغربي وجنوب ليبيا، حتى أعلن اللواء متقاعد خليفة حفتر في مايو 2014، إطلاق عملية «الكرامة» (1)، ضد الكتائب والميليشيات المسلحة في المدن الليبية، وفي منتصف عام 2017، أعلن «حفتر» نجاح العملية وسيطرته على 80% من مساحة الجمهورية الليبية.
ورغم نجاح قوات «حفتر» في استعادة السيطرة على معظم المدن شرقي ووسط ليبيا، مثل: طبرق والبيضاء والمرج وبنغازي وإجدابيا والكفرة، فيما عدا مدينة درنة (شمال شرق ليبيا)، فإن العديد من المدن الليبية ظلت خارج سيطرته، فالغرب الليبي الذي يضم (طرابلس ومصراتة وبني وليد وسرت والزنتان)، يخضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، والجنوب الليبي يخضع لسيطرة القبائل مثل: أولاد سليمان (تدعم قوات حفتر)، والتبو (تدعم حكومة الوفاق الوطني)، أما الحدود الليبية مع الجزائر فتسيطر عليها الطوارق (تدعم حكومة الوفاق الوطني).
خروج مدينة «درنة» من معادلة سيطرة «حفتر» على مدن الشرق الليبي، جعلها هدفًا أساسيًّا لقوات عملية «الكرامة»، خاصةً أنها أصبحت مرتعًا للتنظيمات المسلحة التابعة لتنظيم «القاعدة»، وأبرزها ما يُسمى «مجلس شورى مجاهدي درنة»، الذي استطاع تكوين تكتل من عدد من الفصائل المسلحة ذات التوجه المتطرف في مدينة بنغازي والبيضاء، وقام بمحاربة تنظيم «داعش»، في أغسطس 2015، بعد إعلان جماعة تابعة له تطلق على نفسها «مجلس شباب الإسلام» في 3 أكتوبر 2014، سيطرتها على مدينة درنة، وإعلانها ولاية إسلامية.
شكلت الطبيعة الجبلية لدرنة بيئةً مناسبةً لتمدد نفوذ التنظيمات الجهادية بها، ومن ثم إنشاء معسكرات لتدريب المقاتلين على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والمعدات الثقيلة، كما اشتهرت بأنها أكبر معاقل للتيارات الجهادية، وأبرزها الجماعة الإسلامية (2)، والتي كان يُطلِق عليها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي «الإمارة الإسلامية»، وفرض عليها حصارًا إعلاميًّا، وشجع في ذلك الوقت الفكر الصوفي للانتشار في تلك المدينة لمحاربة التنظيمات التكفيرية المسلحة، ثم استقر الوضع بالمدينة؛ بعد إتمام المصالحة بين قيادات الجماعة المقاتلة ونظام القذافي، وذلك بعد إعلان الجماعة عن مراجعات ومبادرات لوقف العنف عام 2007.
بعد قيام الثورة الليبية في فبراير 2011، ثم مقتل القذافي في 20 أكتوبر 2011، سرعان ما تخلت الجماعة عن مبادرتها وعهدها بوقف العنف، ونشطت في درنة مرة أخرى، وشكلت مع عدة كتائب مسلحة ما يُعرف بـ«مجلس شورى مجاهدي درنة»، والذي تم تأسيسه في 12 ديسمبر 2014، كمحاولة لحماية المدينة، وعدم الخضوع لسيطرة خليفة حفتر بعد إطلاقه ما يسمى بـ«عملية الكرامة».
نقطة تجمع العناصر الهاربة
وتُعد كتيبة «شهداء أبوسليم»، التي أسسها سالم الدربي، في فبراير 2011، والذي قُتِل أثناء الاشتباكات مع تنظيم «داعش» في يناير 2015، وكتيبة «البتار» التي تشكلت من الليبيين العائدين من القتال في سوريا، وجماعة أنصار الشريعة التي تأسست على يد محمد الزهاوي في مطلع عام 2012، من أشهر الكيانات التي انضمت تحت لواء «مجلس شورى مجاهدي درنة»، واشتهروا بعدائهم الشديد لـ«حفتر»، فضلًا عن انتمائهم فكريًّا للسلفيَّة الجهاديَّة.
وشكّل هذا المجلس نقطة التجمع لمختلف العناصر القاعدية الهاربة من بلادها، أو من المدن التي سيطرت عليها قوات حفتر؛ حيث انضم للمجلس العديد من المصريين المتأثرين بفكر «القاعدة»، وحتمية انتقال الجهاد لمصر، وقيام عمليات ضد النظام الحاكم فيها، ولكن، نظرًا لصعوبة خلق مساحة للتنظيم في مصر نتيجة القبضة الأمنيَّة المحكمة، كانت ليبيا هي الوجهة المثاليَّة لهذه العناصر التكفيريَّة، ووفر لهم «مجلس شورى المجاهدين»، الدعم العسكري والدعم اللوجستي اللازم لانتشارها وتكوين خلايا منفصلة.
استطاع هشام عشماوي، الضابط المفصول من الجيش المصري عام 2015، وعمر رفاعي سرور، نجل رفاعي سرور القيادي الشهير فى الجماعة الاسلامية (3)، وعماد عبدالحميد، الضابط المفصول من الجيش المصري في 2012، والمكنى بـ«أبوحاتم»، بمساعدة «مجلس شورى المجاهدين»، تشكيل ما تُسمى بجماعة «المرابطين»، والتي تنتمي فكريًّا لتنظيم القاعدة، وتتخذ من درنة مقرًّا لها، وتوجهت أنظارهم فيما بعد -من خلالها- لخلق خلايا تابعة في مصر؛ حيث أسسوا ما يُعرف باسم جماعة «أنصار الإسلام»، بقيادة عماد عبدالحميد (أمير الجماعة)، وبعض العناصر التكفيرية الليبية في أغسطس 2016، والتي تم القضاء عليها بجهود أمنية مصرية في أكتوبر 2017 بمنطقة الواحات البحرية (تبعد نحو 365 كيلومترًا عن محافظة القاهرة غربًا)، في أعقاب ما عرف إعلاميًّا في مصر بـ«عملية الواحات الإرهابيَّة»(4).
وجاءت نقطة التحول الكبرى في تاريخ مجلس شورى المجاهدين، إبَّان إعلانه الحرب على تنظيم «داعش»، في درنة في أكتوبر 2014؛ حيث استطاع المجلس تكوين تحالفات مع الكتائب المسلحة المتقاربة فكريًّا معه، ومع العشائر بالمدينة، وأطلقوا ما يُعرف بعملية «النهروان» للقضاء على التنظيم، استطاعوا خلالها طرد التنظيم من درنة ومحاصرته في منطقة الفتايح، (منطقة جبلية جنوب شرق درنة).
بعد القضاء على تنظيم «داعش» في درنة، اشتعلت المواجهة بين مجلس شورى المجاهدين، من جهة، وقوات حفتر من جهة أخرى؛ حيث وقعت اشتباكات بين قوات حفتر و«شورى المجاهدين»، في الفترة من 2015 – 2017، وشكلت قوات عملية «الكرامة» ما يُعرف بـ«غرفة عمليات عمر المختار»؛ للسيطرة على درنة، كما فرضت حصارًا بحريًّا ومنعت السفن التجاربة من عبور المدينة التي يقطن بها 80 ألف ليبي.
واشتعلت المواجهات بين «شورى المجاهدين»، وقوات الجيش المصري، بعد حادث مقتل مجموعة من الأقباط، قدر عددهم بـ29، إثر هجوم شنه مسلحون ملثمون على حافلة تقلهم أثناء توجههم إلى دير الأنبا صموئيل في المنيا، صبيحة أول أيام شهر رمضان عام 1438ه، الموافق 26 مايو 2017م.
على إثرها؛ وجهت القوات الجوية المصرية في ذات اليوم 26 مايو 2017، ضربةً عسكريةً استهدفت تدمير «معسكر أبوسليم»، أحد معسكرات «مجلس شورى المجاهدين».
ورغم عدم مسؤولية «مجلس شورى المجاهدين» عن الحادث ونفيه تنفيذه، فضلًا عن إعلان تنظيم «داعش»، عبر وكالة أعماق (إحدى أذرعته الإعلامية)، مسؤوليته رسميًّا عن الحادث، فإن المواجهات بين «شورى المجاهدين»، وقوات الأمن المصرية، لها أبعاد أخرى، أهمها احتواء معسكرات شورى المجاهدين، على عدد كبير من المصريين المنحدرين من خلايا «تنظيم الجهاد المصري»، خلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، فضلًا عن عناصر تكفيرية مسلحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نشبت في مايو ويوليو 2014 بين مجلس شورى ثوار بنغازي الإسلامي (المدعوم من غرفة عمليات ثوار ليبيا وكتائب مصراتة) والجيش الليبي، وبعض المناصرين للجيش بالمدينة.
(2) تأسست في منطقة حدودية بين باكستان وأفغانستان عام 1990، وقامت ببناء خلايا نائمة لها داخل ليبيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
(3) مفكر وكاتب إسلامي (1947 - 21 فبراير 2012)، ولد في الإسكندرية، يعتبر من الرعيل الأول لحركات السلفية الجهادية، وكان أيمن الظواهري يُكن له الاحترام؛ حيث دخلا السجن معًا.
(4) كمين نفذه تنظيم داعش فرع ولاية سيناء ضد قوات الأمن المصرية في طريق الواحات في محافظة الجيزة، يوم الجمعة الموافق 20 أكتوبر2017.