ملكة «الأفيون» تُعرقل النمو الاقتصادي في أفغانستان وباكستان
يرتبط الازدهار الاقتصادي عادة بحالة
الأمان والسلام التي تعيشها المجتمعات، ومدى الاستقرار السياسي بها، وتنطبق تلك
القاعدة طرديًّا على العلاقة السلبية بين كلٍّ من الجارتين باكستان وأفغانستان، وانتشار وتغلغل حركة طالبان على أراضيهما.
ينعكس عمق الوجود الطالباني، على الوضع المالي والاقتصادي لتلك الدولتين، ويرجع ذلك لعدة أسباب؛ في مقدمتها العنف والعمليات الإرهابية التي تُهدد استقرار الاستثمارات المالية، وممارسة أعمال البلطجة على العاملين بأي مشروعات خارج سلطة الحركة، إضافة إلى نهب مقدرات الدول وسرقة مخزونها من الثروات المعدنية والأحجار الكريمة.
ابتزاز استثماري
أعرب مسؤولون في ولاية «هلمند»، جنوب أفغانستان، في مطلع الأسبوع الحالي عن قلقهم من الابتزاز المتزايد من قبل عناصر «طالبان» ضد مشروعات التنمية التي تسعى الدولة لتأسيسها في الإقليم.
ووفقًا لتصريحات رسمية أدلى بها رئيس مجلس هلمند، عطا الله أفغان، فإن المجموعة الإرهابية تفرض إتاوة على مشروعات التنمية، وتتربح الأموال من خلال تهديد المجلس بنسف المواقع الإنشائية ومن يعملون بها، إذا لم تُدفع لهم الأموال المقررة في ميعادها، كما أن الحركة تُهدد مالكي شركات الاتصالات بالمنطقة لدفع أموال طائلة مقابل الحماية.
ونتيجة ذلك الابتزاز المعهود من قِبل المجموعة المتطرفة، تعرض مشروع «TAPI» للتأجيل مرارًا، وهو مشروع مشترك لمد خطوط الغاز من تركمانستان إلى باكستان والهند، مرورًا بأفغانستان، وقد تم توقيع الاتفاقية الخاصة بهذا المشروع في 1995 بين تركمانستان وباكستان، غير أن العمليات الإرهابية لطالبان حالت دون تنفيذه سريعًا، إذ إن شركة يونيكال الأمريكية التي وكل إليها الإشراف على تنفيذ المشروع انسحبت منه نتيجة التعاون بين «طالبان» وتنظيم «القاعدة» ضد المصالح الأمريكية، ولكن الدول عاودت التعاقد على المشروع بعدها بتمويل من البنك الآسيوي للتنمية يُقدر بنحو 7 مليارات دولار أمريكي، وذلك بعد الحصول على تعهد مكتوب من قِبَل «طالبان» في فبراير 2018، بعدم التعرض للمشروع في أفغانستان أو باكستان.
وألقى هذا التعهد بظلاله على الثقة في القدرة الأمنية لتلك الدول على دحض تهديدات الجماعات الإرهابية، إذ إن لجوءها للاتفاق معها يعد اعترافًا من قِبَل الكيانات الاقتصادية الكبرى بالضعف الأمني والعسكري للحكومات في مواجهة المخاطر المحتملة، ما يؤدي إلى عزوف الشركات عن الاستثمار في باكستان أو أفغانستان، ويُعرض الكيانات الأخرى التي تمارس أنشطة مالية على أرضهما للانتقادات والتشكيك في الفساد، وهو ما حدث لشركة هواوي المتهمة حاليًّا بالتعاون مع طالبان.
للمزيد:: «هواوي».. اتهامات بدعم «طالبان» وعقد صفقات مشبوهة في سوريا وإيران
تمويلات متعددة
علاوةً على ما سبق، تتعدد مصادر تمويل طالبان وتتجاوز «الإتاوات» إلى استثمارات مشبوهة تُعرقل النمو الاقتصادي للدول، وتمنح العالم مزيدًا من العنف والاضطراب السياسي والأمني.
ذكر تحقيق استقصائي أجرته شبكة الإذاعة البريطانية «BBC» في ديسمبر 2018 أن الإيرادات السنوية لـ«طالبان» تُقدر بحوالي 400 مليون دولار، ولا تعتمد فقط على فرض الضرائب على المستثمرين بل إنها تفرض ضرائب باهظة تصل إلى 10% مقابل حماية الأراضي المزروعة بالمخدرات للأشخاص غير التابعين لها، وتمتلك نظامًا ضريبيًّا صارمًا لتلك التجارة، وتشرف بنفسها على تصدير الأفيون الخام إلى العالم من مزارعها ومزارع الآخرين.
كما أن «طالبان» تُسيطر على شركات الكهرباء في أفغانستان، وتتولى مهمة إصدار فواتير الكهرباء، وتتحصل منها سنويًّا على ما يقارب الـ2 مليون دولار، كما أنها تتكسب أيضًا من الاتجار في الأسلحة، وسندات الخزانة التابعة للدولة، والتي تحصل عليها من عمليات السطو والتفجير ضد مراكز الشرطة والمصالح الحكومية، تلك التفجيرات التي تبررها الجماعات الإرهابية بتكفير السلطة وضرورة محاربتها، ولكن في حقيقتها تهدف إلى سرقة ونهب تمويلات البلاد.
فيما ذكر «مركز الأبحاث والدراسات الأمنية»، المعروف اختصارًا بـ«CRSS» أن طالبان تفرض الأموال أيضًا على الشاحنات والسفن المارة من ميناء كراتشي الباكستان، وتُسهم في إضعاف دخل الدولة من الموانئ والممرات المائية.
المعادن المسروقة
تسطو «طالبان» على مناجم أفغانستان، وتتكسب من المعادن المستخرجة منها، إذ أكدت الأمم المتحدة في تقريرها لعام 2014 حول الدعم التحليلي ورصد العقوبات أن المجموعة المتطرفة تحصل على أكثر من 10 ملايين دولار سنويًّا من التنقيب عن المعادن في إقليم هلمند ونانجارهار، إضافة إلى ذلك تحصل الجماعة على 500 دولار إتاوة على الشاحنات المحملة بالمعادن التي استخرجتها الدولة.
وفي مايو 2018 ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن ما يُقارب الـ10 ملايين دولار أمريكي هي حصيلة المجموعة من استخراج وتصدير مادة التلك فقط.
للمزيد: بودرة «التلك».. أهم مصادر تمويل «داعش وطالبان» في أفغانستان





