الميليشيات المسلحة تهدد استقرار الغرب الليبي
لم يدمْ الهدوء الذي عاشته مناطق غرب ليبيا، منذ إنهاء اشتباكات
الفصائل المسلحة بالعاصمة طرابلس، في الأول من أكتوبر الماضي، أكثر من شهر، حتى
تبدد باندلاع اشتباكات جديدة في مدينة صبراتة، (70 كم غرب العاصمة)، إذ شنت
ميليشيات مسلحة تابعة للمهرب الليبي، أحمد الدباشي، المدرج على قوائم العقوبات في
الأمم المتحدة ويعرف بـ«العمو»، صباح أمس الأحد، هجومًا على مدرسة صبراتة
الجنوبية، بغرض العودة إلى المدينة التي طُرد منها في أكتوبر 2017.
وأعلنت الجهات الأمنية بصبراتة،
ممثلة في غرفة عمليات محاربة تنظيم «داعش»، التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،
عقب ساعات من الهجوم سيطرتها الكاملة على صبراتة، وأصدرت قرارًا بحظر التجوال.
ورغم عودة الحياة في صبراتة إلى
طبيعتها، صباح اليوم الإثنين، فإن المشهد هناك يبقى غير مبشّر، في ظل عدة
معطيات:
- تعود ملامح الأزمة إلى أكتوبر 2017، عندما
أعلنت غرفة عمليات محاربة تنظيم «داعش»، التابعة للحكومة عن طردها لقوات أحمد
الدباشي، على خلفية اشتباكات بدأت في سبتمبر 2017، سعت خلالها القوات التابعة
لحكومة الوفاق إلى إبعاد «الدباشي» من المدينة، باعتباره أحد أشهر مهربي البشر من
ليبيا إلى إيطاليا وأوروبا بشكل عام.
وسعت حكومة الوفاق إلى طرد «الدباشي»
ومجموعاته من صبراتة، وذلك في محاولة لتفادي حدوث صدام مع إيطاليا التي تعتبر
مسألة الهجرة غير الشرعية إليها عبر ليبيا أحد أهم مشاكلها الملحة.
وتبدو مهمة العودة إلى صبراتة
بالنسبة لـ«الدباشي»، في ظل الوضع الراهن، ذات أهمية اقتصادية بالغة، إذ يسعى
المعروف بـ«العمو» بالسبل كافة للعودة إلى مواصلة نشاطه التهريبي، الذي تأثّر منذ
طرده من المدينة، وفي هذا السياق من المتوقع تكرار هجمات الدباشي على صبراتة،
لتعلق المدينة لديه بأطماع اقتصادية.
- يروج «الدباشي» ومن معه، لرواية
عاطفية مرتبطة بخروجه من المدينة؛ إذ يقول: إن الطرد قبل عام لم يطول مجموعاته
كميليشيات مسلحة، ولكنه طالهم كعائلات تضم نساءً وأطفالًا.
- وتبنت حسابات على موقع «تويتر»،
صباح أمس الأحد، هذا الرأي، زاعمين أن هجمات «الدباشي»، شرعية لأنه يرد على ما
سموه «تشريد طوال عام».
- ويعتمد «الدباشي» في تبرير ذلك على
ما لجأت إليه غرفة عمليات محاربة تنظيم «داعش»، من حرق لمنازل الدباشي ومن معه،
فور نجاحها في طردهم من المدينة، قبل عام من الآن.
ورغم نفي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في بيان بتاريخ 31 أكتوبر، لما تروجه
الميليشيات من روايات عاطفية تخص عائلات هُجِرت قسرًا من صبراتة، وتأكيده على أنهم
مجرمين خارجين على القانون، يفتح في وجههم الباب حال ما سلموا السلاح، فإن
سيناريوهات الصراع تبقى الأقرب، بسبب الروايات العاطفية التي تغطي على الأطماع
الاقتصادية، وتعطي تصورات مغلوطة.
- حملت اشتباكات صبراتة هذه المرة،
مؤشرات خطيرة؛ إذ نشر موقع «المرصد» فيديو لأحد المصابين في صفوف «الدباشي»، وهو
يقر بتبعيته لما يعرف بـ«مجلس شورى بنغازي» المحسوب على تنظيم «القاعدة».
وفي اعترافاته، وفقًا لـ«المرصد»،
قال القاعدي، ويدعى «عبد الله»: إنه جُلب إلى منطقة الزاوية القريبة من صبراتة،
ومنح له سلاح كلاشنكوف، ليحارب ضمن صفوف «الدباشي».
ويُضفي دخول تنظيم القاعدة المتعرض
لخسائر كبيرة في مدن بنغازي، ودرنة، مزيدًا من التعقيد على المشهد في صبراتة، خاصةً وأن التنظيم يتعامل مع هذه المعارك الهامشية على أنها فرصته للحفاظ على وجوده،
وربما يتسبب تقاطع مصالح «شورى بنغازي» مع «ميليشيا الدباشي»، في تقوية شوكة
الأخير، وهو ما يشجعه على تكرار الهجمات.
- عدم اتخاذ الجيش الليبي برئاسة
المُشير خليفة حفتر، حتى الآن، لأي خطوات على مستوى عودة السيطرة على الجانب الغربي
من البلاد، بعد نجاحه في إحكام سيطرته على الشرق، وهو ما يرشّح استمرار بقاء
الصراع في الجانب الغربي، الذي يضم 80% من سكان ليبيا، لمدة أطول، ما يعني مزيدًا
من الاحتكاكات الجانبية التي تحركها أطماع وطموحات الميليشيات المسلحة في المكاسب
السياسية والاقتصادية.
ويرى الباحث الليبي، محمد الزبيدي،
أن الجيش الليبي مازال عاجزًا عن تحقيق أي تقدمٍ في الغرب، خاصة في ظل الطبيعة
القبلية للمجتمع الليبي، وشراء مشايخ الطرق من قبل رؤوس الميليشيات التي تدير مدن
الغرب الليبي.
وفي السياق نفسه كانت توقعات المفتي
السابق الليبي، المحسوب على جماعات الإسلام الحركي، الصادق الغرياني، في آخر حلقة
من برنامجه: «الدين والحياة»، والتي قال فيها: إن الاشتباكات المنتهية في طرابلس
بين الميليشيات، في الأول من أكتوبر واستمرت طوال شهر سبتمبر، بناء على أطماع
اقتصادية، ستتكرر وبشكل أعنف.
وتتسق تمامًا هذه التصريحات مع
الترجيحات الذاهبة إلى أن الاشتباكات في الغرب الليبي، مرشّحة للازدياد؛ طالما بقى
الحكم فيها للمليشيات التي تعطل في بعض الأحيان أجهزة الدولة، وفي أحيان أخرى تكون
هي المتحكمة في هذه الأجهزة.
ومن جانبه قال أحمد إسماعيل، المحلل السياسي الليبي: إن أحمد الدباشي المدعو بالعمو، لديه قوة خارجة عن القانون ويمتلك السلاح لترهيب أهالي مدينة صبراته، وهو السبب الأساسي في نشوب تلك الاشتباكات، خاصة وأن الجبهات الحكومية حاليًا تحاول فرض وجودها في المدينة وترفض تهريب أي مواطن من صبراتة حتى لا تدخل في أزمات مع أي دولة أوروبية، والعمو يرغب في دخول المدينة بأي شكل لأن صبراتة تتميز بموقع جعرافي قريب من دول أوروبا يُسهل تهريب البشر من خلاله.
وأكد إسماعيل لـ«المرجع»، أن العمر الآن يحاول أن يدخل صبراتة من ناحية الجنوب؛ لكن هذا الأمر سيكون صعب عليه للغاية ولن يستطيع أن يتقدم خطوة للأمام، بسبب الإجراءات الأمنية اللازمة التي اتخذتها القوات، خاصة وأنها عزلت منطقة جنوب صبراتة عن بقية المدن.
وأشار المحلل السياسي الليبي، إلى أن مواجهة تلك الاشتباكات المندلعة بين غرفة عمليات محاربة داعش وميليشيا العو قد تستعدى إلى إخلاء السكان للحفاظ على سلامة المواطنين في المدينة.
للمزيد... «الغرياني»
ينتقد ميليشيات طرابلس.. والإخوان يصورونه بطلًا
للمزيد.. بعد
وصفها بـ«جرائم حرب».. اشتباكات طرابلس تدفع البعثة الأممية لتغيير خطتها في ليبيا





