«التجربة الدنماركية» في محاربة التطرف.. برامج تنتظر الاختبار
منذ سقوط الدولة المزعومة التي أسَّسها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق نهاية عام 2017، تنامى لدى أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية خطر ما يُسمى «المقاتلون العائدون».
خلال فترة صعود تنظيم «داعش» نجح التنظيم عبر آلياته الإعلامية والدعائية في إشعال جذوة التطرف والإرهاب في صفوف بعض الشباب بأوروبا، وحثهم على الانخراط في صفوف التنظيم في سوريا والعراق.
وتباينت أعداد المتطرفين الأوروبيين المنخرطين في صفوف «داعش» من دولة لأخرى، فمثلًا بلغ عدد المقاتلين الفرنسيين في صفوف «داعش» نحو 1000 فرد، حسبما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي السابق، ووزير الداخلية الأسبق «برنار كازنوف»، في حين قدرت السلطات الدنماركية عدد مواطنيها المنخرطين في القتال في سوريا والعراق حوالي 145 دنماركيًّا، ويشكل مقاتلو الدنمارك ثاني أكبر تجمع من المقاتلين الأوروبيين في صفوف داعش، حسبما أكد تقرير صادر في عام 2015 عن «المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي (ICSR)».
تؤكد السلطات الدنماركية أن نصف المقاتلين تقريبًا عادوا مرة أخرى للبلاد، في حين يظلّ النصف الآخر ما بين منخرط في القتال في سوريا أو قُضي عليه خلال المعارك؛ لذا تكمن الإشكالية التي تواجهها كوبنهاجن في كيفية التعامل مع العائدين من سوريا، وكيفية تحقيق اندماجهم مرة أخرى في المجتمع الدنماركي، إضافةً إلى منع حدوث أي عمليات إرهابية في البلاد.
التجربة والخطأ
يشير أحمد سيف الرجال بن حسن، الباحث في المركز الدولي لدراسات العنف السياسي والإرهاب، التابع لمدرسة «س.راجاراتنام لدراسة العلاقات الدولية(RSIS)» في سنغافورة إلى انتهاج السلطات الدنماركية نهجًا ناعمًا في إعادة تأهيل المتطرفين العائدين، ويقوم على إشراك كل قطاعات الدولة في عملية الإدماج، مثل قطاعات الخدمات الاجتماعية، والتعليم، والرعاية الصحية، والشرطة، وأجهزة الأمن والاستخبارات.
للمزيد: تحسبًا لهجمات إرهابية.. الدنمارك تُمدد فرض قيود على حدودها
دور الدولة
صُمِّم البرنامج الدنماركي لمواجهة التطرف على أساسين، هما: التعاون المشترك بين جميع القطاعات، وأسلوب التجربة والخطأ؛ حيث أفاد الأسلوب الأخير الحكومة الدنماركية في التعرف علي نقاط الضعف في برامج الإدماج، وأيضًا نقاط القوة؛ حيث تلعب الدولة دور مقدم الإرشادات، ومتلقي الملاحظات؛ لتدارك الأخطاء، وتطوير البرنامج بصفة مستمرة.
برنامجا التأهيل وإعادة الإدماج
يشير الباحث «أحمد سيف الرجال بن حسن» إلى أن الحكومة الدنماركية نفذت برنامجين؛ لإزالة التطرف نهائيًّا من البلاد هما: برنامج «نزع التطرف - التدخل المستهدف»، ويهدف هذا البرنامج إلى مساعدة الأفراد على ترك البيئات المتطرفة، ومنع الآخرين من الانخراط في تلك البيئات، ويتحقق ذلك من خلال عدد من الأدوات، مثل تقديم الدعم الاجتماعي للشباب، ويقوم هذا البرنامج على مقاربتين رئيسيتين هما «الدعم والإرشاد ومحادثات الخروج».
مقاربة «الدعم والإرشاد» تقوم على إرشاد الأفراد - الذين تظهر عليهم بوادر وعلامات التطرف الديني- في محاولة لإبعادهم عن التوغل أكثر في صفوف التنظيمات المتطرفة، وضمان عودتهم السريعة للحياة الطبيعية الخالية من التطرف.
أما مقاربة «محادثات الخروج ـ المحادثات الوقائية»؛ فيتم استخدامها مع الأفراد، الذين ثبت تطرفهم وإقبالهم على استخدام العنف؛ لتحقيق أهدافهم الدينية والسياسية، وخلال تلك المقاربة يتم تخصيص مستشارين؛ لدراسة دوافع التطرف والعنف عند هؤلاء الأفراد المتطرفين، ومن ثم يستطيع المستشارون تقديم البدائل التي يمكن من خلالها نزع فتيل التطرف والإرهاب.
برنامج «العودة للمسار الصحيح»: هذا البرنامج مخصص للأفراد الذين تم إدانتهم بالفعل في جرائم متعلقة بالعنف والإرهاب ويقضون عقوبة السجن؛ ويهدف البرنامج إلى إعادة إدماجهم مرة أخرى في المجتمع بعد انقضاء فترة العقوبة.
أُسِّسَ هذا البرنامج على وضع النزلاء الإرهابيين في وحدات خاصة، بحيث لا يمكن ممارسة نفوذهم على النزلاء الآخرين في السجن.
بعد عزل سجناء الإرهاب يتم تقييمهم؛ لتسهيل عملية الإرشاد والتوجيه، التي تضم ممثلين عن الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم، وهنا يُشترط مشاركة السجناء في كلِّ مناحي البرنامج التأهيلي، ولا يتم السماح بالإفراج عن السجين إلا باجتياز كلِّ المراحل.
للمزيد: برعاية حكومية.. الدنمارك تعيد دمج «العائدون من داعش»
مبادئ التجربة الدنماركية
تقوم التجربة الدنماركية على 3 مبادئ هي: الإدراج بدلًا من الاستبعاد: يشير هذا المبدأ إلى تعامل الحكومة الدنماركية مع المتطرفين على أساس أنهم مواطنون ينبغي حصولهم على كلِّ الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية، ولا يجوز إقصاؤهم من الحياة العامة طالما تخلو عن العنف والإرهاب، ويرجع هذا المبدأ إلى نظام الديمقراطية التوافقية، الذي تتبعه العديد من الدول الأوروبية لمعالجة التباينات في المجتمع والتعددية الدينية والسياسية.
بناء القدرات المحلية: ينصبُّ هذا المبدأ في دعم القدرات المحلية للجمعيات، والهيئات المشاركة في عملية التأهيل، والإدماج عبر تحسين مهاراتها، وتنفيذ ورش الاستشارات، وتحسين العلاقات البينية بين مختلف الهيئات والمؤسسات المشاركة في عملية الإدماج والتأهيل.
تعزيز حب الحياة: اختلف الباحثون في العلوم الاجتماعية والفلسفية حول تفسير الطبيعة الإنسانية والمجتمعية، فمنهم مَن أقرَّ بالطبيعة الشريرة للبشر كـ«السوفسطائيين»، الذين أقروا بأن الطبيعة البشرية يغلب عليها الهوى والشهوة، وفي المقابل يرى «سقراط» أن الطبيعة الإنسانية تميل إلى الخير دومًا، وترفض الشر باستمرار، وعلى نهج «سقراط» حاول «قسم علم نفس والعلوم السلوكية» في «جامعة آرهوس» الدنماركية تطوير برنامج ما يُسمى «علم النفس الحياة»، وذلك لتوفير الإطار النظري؛ لفهم ظاهرة التطرف والإرهاب.
وعلى نهج سقراط يفترض «علم نفس الحياة»، أن كلَّ فرد يطمح إلى تحقيق الخير في الحياة، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن يمتلك الشخص المهارات الكافية في التعامل مع الحياة، لكي يستطيع الفرد التغلب على العقبات والتحديات التي تعيق تطلعاته للخير.
وأخيرًا.. لايزال من الصعب قياس مدى فعالية التجربة الدنماركية لعدد من الأسباب، أبرزها المدى الزمني القصير للتجربة التي لا تتخطى سوى أعوام قليلة، إضافةً إلى وجود العديد من المشككين في جدوى تلك البرامج، ويرون ضرورة التركيز بشكل أكبر على الإجراءات العقابية بدلًا من عملية الإدماج.





