مستقبل الأوضاع الأمنية في القرن الأفريقي وتنامي الإرهاب.. «الصومال» نموذجًا

شَنَّت الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، غارة جوية في 12 أكتوبر الماضي، أسفرت عن مقتل 60 مسلحًا من ما يسمى حركة شباب المجاهدين في الصومال وفقاً للقيادة الأفريقية للقوات المسلحة الأمريكية ( أفريكوم ) (1).
وتعتبر أهم ضربة ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة منذ الحادي والعشرين من نوفمبر العام الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 100 إرهابي، وحسب تصريحات للقوات الأميريكية أن توالى هذه الضربات تقلل فرص الإرهابيين من القيام بالضربات في المستقبل وقدرتهم على المناورة، وخسرت الحركة معظم معاقلها في العاصمة مقديشو، ولكنها مازالت تسيطر على مناطق ريفية، تَشِنُّ منها عملياتها وهجماتها الانتحارية ضد أهداف حكومية ومدنية.
وفقاً لما سبق، نحن بصدد الحديث عن
مُستقبل الأوضاع الأمنية في الصومال والقرن الأفريقي ككل، وما دلالات التوقيت
للضربة الأمريكية ورود الأفعال، في ظل تعامل المجتمع الدولي مع الأوضاع في الصومال
بنهج الاقتراب الحذر؟ وما الوضع في ظل
تورط بعض القيادات والقبائل الصومالية في دعم ومساندة حركة الشباب بالسلاح، وغياب
التنسيق الإقليمي مع دول الجوار؟ فلماذا
التكالب على القرن الأفريقي؟ و ما الوضع الأمثل لتحقيق الاستقرار في هذه
المنطقة؟
حقيقة الأوضاع وقوى التطرف والإرهاب في الصومال
الصومال: دولة عربية، إسلامية. ولها موقع استراتيجى وأهمية كبيرة في القرن الأفريقي وذلك لأنها تسيطر على البحر الأحمر وخليج عدن. في حين تشهد مجموعة من الصراعات والتقلبات الداخلية، واستمرار الحرب الأهلية في الصومال لمدة ثلاثة عقود، ووجود حركة الشباب الإرهابية (2)، فالتطرف والإرهاب يؤديان إلى التخلف وعدم الركب في التقدم، وكل هذه العوامل أثرت على الصومال وتقدمه، بالإضافة إلى الأطماع، والتنافس الدولي والإقليمي والمحلي، الفقر والحرمان، وغياب العدالة الاجتماعية، والدور الداعم لحركة الشباب الإرهابية من قبل الظهير الاجتماعي متمثلًا في بعض القبائل المتحالفة ضد الأخرى، ودعم التجار والسياسيين.
في البداية، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، ثم انسحبت ثم عادت لدعم الحكومة الشرعية ضد حركة الشباب الإرهابية، وهذا الدعم أعطى موقف قوة للحكومة الصومالية ودعمها في حربها ضد الإرهاب ويقلل فرص حركة الشباب فى السيطرة وفرض رؤيتهم، ويساعد على تقليل مناطق النفوذ التي تتخذها الحركة قاعدة لتنفيذ هجماتها، فإمكانيات الحكومة الصومالية ضعيفة فهى تمد لها يد العون من خلال الضربات والغارات الجوية لطرد الإرهابيين والجماعات المتطرفة. (3)
تواصل القوات الأمريكية استخدام الإجراءات المناسبة لحماية المواطنين الأمريكيين وتعطيل التهديدات الإرهابية، ويشمل ذلك إقامة شراكة مع بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم)، وقوات الأمن الوطنية الصومالية في عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب واستهداف الإرهابيين ومعسكرات تدريبهم وملاذاتهم الآمنة في جميع أنحاء الصومال ومنطقة القرن الأفريقى. ( 4)

تطورات الأحداث في الصومال
وجهت أفريكوم «القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا» فى 29 أغسطس الماضي، ضربة جوية، استهدفت حركة الشباب والقاعدة في محاولتهم لإنشاء كيان متطرف بالبلاد، وتزايد عدد الغارات خلال العام ونصف العام الماضى، بشكل ملحوظ من خلال استخدام الطائرات بدون طيار، واستطاعت «أفريكوم» شِنُّ 418 هجومًا خلال 6 أشهر بالتحديد في الفترة مابين أكتوبر 2017 إلى أبريل 2018 . في حين، تصاعدت هجمات حركة الشباب الشهور الأخيرة، فأصبحت شبه يومية، وهذا مؤشر على تصاعد قوة التنظيم المتشدد، فلم تعد تُرَكِّزُ على العاصمة ولكن انتقلت عملياته الإرهابية إلى الجنوب والوسط الصومالي، فنفذت الحركة 16 هجومًا (داخل كينيا خلال الفترة ما بين أكتوبر 2017 إلى أبريل 2018 ) . ( 5 )
مؤخرًا، كانت تهدف حركة الشباب إلى الانتقال من إقليم جنوب الصومال إلى وسط الصومال (هاراردير) لكي تهاجم السكان المدنيين الذين رفضوا الاعتراف بحركة الشباب ودفع الإتاوات التي فرضت عليهم، وتعاون السكان المحليين مع الحكومة الصومالية والذى أعقب ذلك غارة جماعية جوية من قبل قوات الجيش الأمريكى في 12 أكتوبر الماضي، أسفرت عن مقتل 60 مسلحًا من حركة الشباب وفقا لأفريكوم، أما حسب تصريحات الحكومة الصومالية مقتل 70 من مسلحي الحركة وخاصة القيادات من الصف الأول في الحركة.

الصومال كمدخل للقرن الأفريقى
جغرافيًا، يضم إقليم القرن الأفريقي ( جيبوتي، إريتريا، الصومال ، إثيوبيا)، وبتوسيع القرن الأفريقي ينضمُ إليه (كينيا، أوغندا، السودان، جنوب السودان)، هناك مجموعة من الاضطرابات في هذه المنطقة وهي على النحو التالي: ( القرصنة، القواعد العسكرية، الناتو).
لعبة القوى والتوازانات الجديدة في منطقة القرن الأفريقي (التشابكات وتصارع القوى في القرن الأفريقي ) متمثلة في التنافس الأوروبي (مستعمرة قديمة)، الولايات المتحدة الأمريكية (عباءة للسيطرة)، القاعدة الفرنسية في جيبوتى من أجل تأمين الملاحة والتجارة عبر البحر الأحمر، خاصة بعد سيطرة إيران على مضيق هرمز و خليج عدن ( بوجود الحوثيين في اليمن)، ولذلك تدعم الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الشرعية من أجل مصالحها وأهدافها، فضلاً عن العلاقات مع إثيوبيا، وإسرائيل مع إريتريا، ومن هذا المنطلق تبني الولايات المتحدة الأمريكية سياستها حيال السيطرة في القرن الأفريقىي وأضعف مكان للتدخل فى المنطقة هو الصومال .
وفقاً لذلك التنافس على منطقة القرن الأفريقى، تبرز أهمية هذه المنطقة وذلك على النحو التالي:
1. الشرق ( المجرى الملاحي والبحر الأحمر ) .
2. الغرب ( بعض الدول التي تسيطر على حوض النيل ) .
3. الملاحة ( جنوب البحر الأحمر وخليج عدن ) .
4. الأهمية الاستراتيجية والأمنية لكلٍ من (مصر ، الوطن العربى ، دول البحر الأحمر ) .

مكافحة الإرهاب والتطرف (المستقبل في ظل الصراعات)
الولايات المتحدة الأمريكية جزء من الحل والمشكلة إن أرادت، فالصومال يتمتع بالموارد والثروات المعدنية (اليورانيوم، البترول)، وهناك خريطة ثروات الصومال تظهر مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن وجود 6 قواعد عسكرية فى جيبوتى وقاعدتين فى صوماليلاند وإريتريا، بالإضافة إلى مجموعة من التحديات ومن أبرزها:
1. وجود دول مثل: ( تركيا، إيران ، قطر ) من خلال الأساليب التي تقوم بها كل دولة، فتركيا لديها قاعدة عسكرية في الصومال، إيران (دعم الحوثيين في اليمن)، قطر ( تدعم الإرهاب سواء كان ماديًّا أو إعلاميًّا) .
2. الظروف الداخلية في الصومال(الجهل، الفقر، وانضمام الشباب في الصومال للتنظيمات الإرهابية نظرًا ، للظلم الاجتماعي، المعاناة والحصار، الجفاف ، التعليم، والصحة) .
أهم الأساليب في التعامل مع الأوضاع الأمنية في الصومال
ولتحقيق الاستقرار في الصومال يتطلب الاعتراف أولاً بالوطن الصومالي بأقاليمه الخمسة، وعدم الاكتفاء بالمساعدات الإنسانية والاغاثية فقط، فلابد من تقديم الدعم للحكومة في بناء المؤسسات الخاصة بمواجهة الأزمات، حل المشكلات بين الأقاليم والمركز. ( 6 )
يجب التخلص من التطرف والإرهاب، ولكن ليس في الوقت الراهن، هناك تحديات منها صعود تنظيمات إرهابية أخرى فى القرن الأفريقي غير حركة الشباب، فيوجد داعش في بونت لاند، وما يسمى بـ«صاعدون بالحق»، فضلًا عن وجود جزء متعاطف مع حركة الشباب، الأوضاع المعيشية الصعبة، والغضب من قبل المؤيدين لحركة الشباب لفرض الأوضاع على الأرض بالسلاح .
وصَفْوَةُ القول،يمكن توضيح أهم آليات مكافحة الإرهاب في الصومال والقرن الأفريقي :
· نشر الوعي والدين الوسط لمواجهة الفتاوى التي ينقلها علماء التطرف و حركة شباب المجاهدين غير المتخصصين في الدين الإسلامي .
· التعاون الإقليمي( الاتحاد الأفريقى ، الجامعة العربية) لتحقيق الأمن العربي، الإسلامي،الشرق أوسطي، ونشر السلام والحرية والقيم الأخرى .
· استغلال أن هناك ثلاث دول عربية (جيبوتي،الصومال،السودان )، من خلال تقديم الدعم من قبل الدول الكبرى في الوطن العربي (مصر والسعودية ) من خلال الإمكانيات المادية والبشرية والعسكرية.
· المحور التنموي ( تقديم الخدمات للأهالي، تجديد الفكر، المساعدة في إقامة المشروعات في الصومال لإيجاد فرص العمل للشباب والاستفادة من الثروات .
· المحاولات الإقليمية من قبل المحادثات الثلاثية ( مصر ، الإمارات ، والسعودية ) بين إثيوبيا ، إريتريا ، والصومال لتحقيق الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي .

الهوامش
1. «أفريكوم: مقتل 60 مسلحًا بغارة جوية أمريكية فى الصومال» ، مفكرة شرق أفريقيا الإخبارية، متاح على الرابط التالى: http://mofakira.net/?p=2174 ، تاريخ الدخول : 20 – 10 – 2018 .
2. حركة الشباب الإسلامية أو حزب الشباب أو الشباب المجاهدين أو الشباب الجهادى . نشأت في عام 2004 ، فهي الذراع العسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية التي انهزمت أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة، وانشقت عن المحاكم بعد ظهور مايعرف بتحالف المعارضة الصومالية ، وتكون التدريبات في إريتريا لمدة أسابيع لاكتساب المهارات وحرب العصابات واستخدام القنابل والمتفجرات، للمزيد انظر : موقع البينة للدراسات والأبحاث الوهابية،متاح على الرابط التالى : http://elwahabiya.com ، تاريخ الدخول : 21-10-2018 .
3. أميرة عبدالحليم ، « سياسات مكافحة الإرهاب في الصومال » ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، متاح على الرابط التالى : http://acpss.ahram.org.eg/News/16544.aspx ، تاريخ الدخول : 22-10-2018
4. “ U.S. Conducts Airstrike in Support of the Federal Government of Somalia”, United States Africa Command, Access on : 20-10-2018 , Available at : https://www.africom.mil/media-room/pressrelease/31273/u-s-conducts-airstrike-in-support-of-the-federal-government-of-somalia
5. سيث جونز، آندرو ليبمان ،«استراتيجية مكافحة الإرهاب والتمرد فى الصومال : تقييم الحملة ضد حركة الشباب »، مؤسسة Rand (كاليفورنيا : مؤسسة Rand ، 2016 ) .