ad a b
ad ad ad

«الجزيرة» تناقض نفسها.. تحولات الذراع القطرية في التعامل مع أزمة اليمن

السبت 13/أكتوبر/2018 - 03:41 م
المرجع
محمد عبد الغفار
طباعة

كان تعاون قطر مع ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران سببًا رئيسيًّا في تأجيج المقاطعة بين دول الخليج ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، ويأتي هذا استمرارًا لمسلسل دعم الدوحة للجماعات المتطرفة والخارجة عن نطاق القانون في مختلف الدول العربية.


«الجزيرة» تناقض نفسها..

وبالطبع لم تكن قناة الجزيرة، ذراع قطر الإعلامية، غائبة عن هذا الصراع السياسي الجديد داخل المنطقة، بصورة يمكن معها القول: إن المعالجة الإعلامية للشأن اليمني داخل القناة قبل 5 من يونيو 2017 لم تعد بالصورة نفسها فيما بعدها.


حيث اعتمدت القناة في رسالتها الإعلامية قبل المقاطعة على رؤية دول التحالف الذي شاركت فيه قطر منذ يومها الأول، مع الترويج لفكرة أن تدخل دول التحالف داخل اليمن يهدف في المقام الأول إلى حماية الشرعية ومكتسبات الثورة في اليمن.

وقد ظهر ذلك في تقارير عدة للقناة عن الشأن اليمني، مثل تقرير بعنوان «جماعة الحوثي تسيطر على محيط القصر الجمهوري» في 20 من يناير 2015، والذي وصف جماعة الحوثي «بالجماعة المدعومة من إيران».


كما عملت القناة على ترسيخ هذه الصورة لدى المتلقي العربي، ويظهر ذلك في تقرير آخر بتاريخ 8 من مايو 2015 بعنوان «طائرات تحالف إعادة الأمل تقصف ضريح مؤسس حركة الحوثي»؛ حيث أظهرت القناة رغبة الميليشيا في تحويل قبر الحوثي إلى مزار للجمهور تم بناؤه على الطراز الإيراني، مع التأكيد على أن هذا التصرف لا تعرفه اليمن، ولكنه منتشر في إيران.

كما عرضت القناة عبر تقريرها السابق حديثًا لرجل مُسِن تابع للميليشيا يقول عن الشيخ حسين بدر الدين الحوثي: «لقد أخرجنا من الظلمات إلى النور»، وهذا تمجيد وتقديس مبالغ فيه، ويؤكد ويرسخ للفكرة السلبية المراد إيصالها إلى المتلقي.

ورغم استخدام القناة فيديو قصيرًا من مصادر إعلامية تابعة لميليشيا الحوثي، يظهر قبر الحوثي بعد أن استهدفته طائرات التحالف، فإن تعليقها الصوتي جاء مغايرًا للفيديو، ومؤكدًا على خبث أهداف الحوثي، ورغبته في حشد العواطف، واللعب على مشاعر الجمهور؛ بهدف كسب تعاطفهم، والتعليق الصوتي جاء للتقليل من التأثير النفسي للفيديو.

«الجزيرة» تناقض نفسها..

ولم تتوقف القناة عند هذا الحدث، ولكنها امتدت للتأكيد على هذه الرسالة المؤيدة للتحالف العربي في تقارير أخرى، مثل تقرير بتاريخ 21 من سبتمبر 2016 بعنوان «الاستيلاء على صنعاء الخطوة الأولى للانقلاب الحوثي»؛ حيث وصف دخول الحوثيين إلى صنعاء «بالغزو الداخلي»، كما أظهر رغبة الحوثيين في استنساخ حكم حسن نصر الله، وترسيخ حكم الإمامة، ووصفت القناة ما تفعله ميليشيا الحوثي «بالانقلاب العسكري».

وتناولت القناة في تقريرها الشأن الاقتصادي الذي اتخذته الميليشيا ذريعةً للتدخل؛ حيث وصفت تنديد الحوثيين برفع أسعار المحروقات بأنه «حصان طروادة» المستخدم من قِبَل الميليشيا للتدخل في السياسة والسيطرة على الحكم، كما وصفت المقاومة الشعبية والجيش الوطني الحر من سطوة آل صالح وعاصفة الحزم بمثلث مقاومة أحلام الحوثيين.

واعتمدت القناة في الدلائل البصرية داخل هذا التقرير على فيديوهات تظهر الدمار الذي أحدثته قوات الحوثي في الشوارع اليمنية، كما تظهر سيطرة أفراد ميليشيا الحوثي على الشوارع في اليمن، وكثرة عدد الأسلحة التي يستخدمها هؤلاء الأفراد، وظهورها بوضوح دلالة على أن منهجهم هو العنف ويستخدمون القوة المفرطة في تحقيق أهدافهم.

واتجهت القناة أيضًا إلى تناول الزاوية الدينية للصراع، مثلما هو الحال في تقريرها بعنوان «باسم من يقصف الحوثي مكة المكرمة؟» والمعروض بتاريخ 28 من أكتوبر 2016؛ حيث تناولت القناة إطلاق ميليشيا الحوثي وقوات صالح صواريخ تجاه مكة المكرمة، مع استخدام مكثف لصور وفيديوهات الكعبة، وتعليق صوتي حول مدى قداسة تلك المنطقة لدى المسلمين.

بن لادن
بن لادن

أهداف خبيثة
وتهدف القناة من تنوع زوايا عرض الأزمة اليمنية إلى كسب تعاطف وتأييد أكبر قدر من الجمهور، سواء من خلال الزاوية السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، مع التأكيد على محاربة ميليشيا الحوثي وقوات صالح للشرعية والثورة في اليمن، وموالاتهم لإيران.

إلا أن هذا الشأن لم يستمر إلى الأبد؛ حيث كانت نقطة التحول في 5 يونيو 2017، حين أعلنت مصر والسعودية والبحرين والإمارات مقاطعة قطر، بعد تصريحات أمير قطر عبر وكالة الأنباء القطرية الرسمية يعلن خلالها تأييده لإيران وحماس، وقد كانت تلك التصريحات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقات خليجية متوترة بصورة مسبقة.


وكالعادة لم تكن الجزيرة غائبةً عن التطورات والمستجدات الإقليمية الحديثة؛ حيث استخدمتها دولة قطر في تصفية حساباتها مع دول المقاطعة، ولم يكن الشأن اليمني بعيدًا عن هذه التصفية؛ حيث عملت القناة على تغيير سياستها التحريرية وآليات معالجتها الإعلامية للشأن اليمني، بما يتناسب مع الوضع الجديد.

واتخذت القناة طريقًا معارضًا للتحالف العربي، وبدأت مهاجمته ومعارضة أهدافه داخل اليمن، وتحميل دول التحالف مسؤولية الأوضاع في اليمن، وقد ظهر ذلك بصورة مستمرة في التقارير الإخبارية التي تتناول الشأن اليمني داخل اليمن.

ويظهر ذلك في تقرير «خبراء يشككون بصحة اعتراض السعودية صواريخ الحوثي» بتاريخ 5 من ديسمبر 2017؛ حيث اعتمدت القناة بصورة ملحوظة على فيديوهات خاصة بالإعلام الحربي لجماعة الحوثي، كما لم تظهر المصادر الفعلية التي اعتمدت عليها في تقريرها، واكتفت بذكر كلمة «خبراء»، وهذه آلية إعلامية تسمح لها بعرض وجهة نظرها دون مساءلة.

كما أعلنت القناة خلال هذا التقرير نجاح الحوثيين العسكري في مواجهة السعودية؛ حيث أبرزت القناة نجاح الصواريخ الحوثية في استهداف مدينة الرياض، واعتمدت القناة على تصاميم جرافيك توضيحية تُسهم في تأكيد وترسيخ المعلومة لدى المتلقي.

وعملت القناة على تأكيد هذه الدلالة، من خلال تقرير آخر بعنوان «صواريخ الحوثي على السعودية.. الدلالات والرسائل» بتاريخ 26 من مارس 2018؛ حيث بدأ التقرير بجملة «كأن حربًا لم تقم ضد ميليشيا الحوثي منذُ سنوات»، للدلالة على فشل التحالف العربي بقيادة السعودية في كسر شوكة الحوثيين.

محمد عبدالسلام
محمد عبدالسلام

كما عملت القناة في هذا التقرير على استخدام أدوات إقناعية كثيرة على مستوى التعليق اللغوي؛ حيث أبرزت القناة ما اعتبرته فشل التحالف في مهمته، وذكرت منها عجز الرئيس اليمني عن العودة إلى بلاده، والقوة المتنامية للحوثيين، وطول مدة الحرب وتأثير ذلك على المدنيين متمثلًا في ارتفاع عدد المصابين والضحايا، وارتبط ذكر كلمة السعودية خلال التقرير بعرض صور ولقطات لمبانٍ مدنية مدمرة.

وأظهرت القناة في التقرير السابق تغيرًا كبيرًا في وصف ارتباط جماعة الحوثي بإيران؛ حيث عملت على تحويل الاتهامات المؤكدة قبل المقاطعة، إلى اتهامات غير دقيقة وغير محددة المصدر، وحملت التحالف العربي مسؤولية حصول الحوثيين على أنظمة صاروخية لم تكن موجودة بحوزتهم من قبل.

ووصلت القناة إلى حد خطير في التقرير السابق، عندما وصفت الوضع في اليمن بأنه حرب بين فريقين، أحدهما يلوح بالحل العسكري، والآخر يختار الحل السلمي عبر الأمم المتحدة، في إشارة إلى التدخل العسكري لقوات التحالف العربي من جهة، والحلول السلمية التي ترعاها الأمم المتحدة وتشارك بها ميليشيا الحوثي من جهة أخرى.

واعتمدت القناة في تقاريرها على وجهة النظر الحوثية فقط من خلال استضافة محمد عبدالسلام، المتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثي، وعرض خطابات عبدالملك الحوثي، واستخدام تصاميم توضيحية لعرض هجوم قوات الحوثي على دول التحالف العربي، مثل السعودية والإمارات.


لذا يظهر الاختلاف واضحًا في معالجة الجزيرة للشأن اليمني قبل المقاطعة وبعدها، كما يظهر بأن القناة لا تتبع الحياد مثلما تعلن مرارًا وتكرارًا، ولكنها تعتبر ذراعًا إعلاميَّة لدولة قطر، تعمل على تصفية خصومها سياسيًّا وفكريًّا من خلال بث المقاطع والتقارير والأفلام التي تهاجمه بصورة مباشرة.



"