يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

بسبب التقارب «السوداني- المصري».. نُذر طلاق وشيك بين «الدوحة» و«الخرطوم»

الثلاثاء 02/أكتوبر/2018 - 11:00 م
السيسي والبشير
السيسي والبشير
محمد الدابولي
طباعة

على غير عادتها السابقة من الانحياز والتناول الإعلامي الداعم للعلاقات القطرية ــ السودانية، خرجت قناة «الجزيرة» القطرية بتقرير في الأول من أكتوبر 2018، يحمل نبرة تهكمية من موقف الحكومة السودانية من «مثلث حلايب وشلاتين»، تحت عنوان «البشير يثير قضية حلايب وشلاتين»، إذ قال التقرير إن الرئيس السوداني عمر البشير حاول خلال لقائه بوفد من «قبائل البشاريين»، استرضاء الأصوات السودانية المنادية بسودانية «حلايب وشلاتين»، وأيضًا عدم تعكير صفو العلاقات «المصرية ــــ السودانية»، حيث أكد البشير حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على مصلحة الشعب السوداني.


واتهم التقرير الرئيس السوداني باستخدام القضية كورقة ضغط في الملفات المحلية والإقليمية، كما واصل اتهاماته بعدم جدية الحكومة السودانية في الشكوى التي رفعتها أمام الأمم المتحدة للمطالبة بــ«سودانية» حلايب وشلاتين، في ظل تواتر التسريبات عن نية الخرطوم سحب شكواها، كبادرة حسن نية إزاء القاهرة

.

ونجد أن التقرير حمل العديد من الإيماءات والإسقاطات التي تشير إلى طلاق وشيك في العلاقات القطرية ــــ السودانية وعودة الدفء إلى العلاقات المصرية ــــــ السودانية، بعد عقود طويلة من التوتر، فبدأت الدوحة تنظر بعدم الرضاء لعودة الدفء للعلاقات المصرية ـــ السودانية، خاصة في ظل زيارة مرتقبة للرئيس البشير للقاهرة في أكتوبر الحالي.

رؤية مغايرة

وفي المقابل رأت أطرافٌ سودانية أن تصريحات الرئيس البشير لا تحمل أي جديد، فقال الباحث والمحلل السوداني «عباس محمد صالح» إن العلاقات بين مصر والسودان تحددت بمسارين متوازيين، المسار الأول: السياسي؛ حيث تقف العلاقات عند مستوى لقاءات رئيسي البلدين وعند هذا المستوى تتحدد وتيرة علاقات البلدين صعودًا وهبوطًا، أما المسار الثاني: هو المسار الشعبي؛ فاتفاقية الحريات الأربعة الموقعة بين البلدين عام 2005 أفادت قطاعات واسعة من مواطني البلدين لأهداف متعددة، وهى تمضى بوتيرة أفضل بكثير من مستوى العلاقات الرسمية، وأبرز دليل هو حجم الحركة والتبادل في المعابر الحدودية بين البلدين في الأشهر الأخيرة.


وبالنسبة لتناول «الجزيرة» يرى «صالح» أنها ليست مؤشرًا على تدهور محتمل على العلاقات السودانية- القطرية، لكون التصريحات لا تنطوي على أي جديد، ولأن وضعية علاقات الطرفين الراهنة، تكمن فيها مصلحتهما الحقيقية كما أن تلك العلاقات محكومة بعوامل أخرى أبعد من الأزمة الخليجية-الخليجية التى غدت لدى البعض  مقياس علاقات السودان ومصر، وهذا خطأ وغير دقيق أيضًا.

علاقات متأرجحة

شهدت العلاقات المصرية ـ السودانية خلال عامي 2017، 2018  تأرجحًا في المواقف وطبيعة العلاقة فيما بين التوتر الشديد، إلى التحسن الملحوظ في العلاقات بين الجانبين، ففي مارس 2017 نشب تراشق إعلامي بين الجانبين على خلفية زيارة «موزة المسند» زوجة حاكم قطر السابق ووالدة الأمير الحالي «تميم بن حمد» إلى «أهرام الكوشيتية» بمنطقة «مروي» وتبرعها بمبلغ 350 مليون دولار لترميمها، في خطوة اعتبرها مراقبون مصريون استفزازًا للشعب المصري الأمر الذي أدى لنشوب حرب إعلامية بين الجانبين حول أصل الحضارة المصرية القديمة، وتبع تلك الأزمة اتهامات سودانية للحكومة المصرية بدعم وتسليح الحركات المتمردة في جنوب كردفان، كما أقدمت الحكومة السودانية حينها على تقييد تصدير المنتجات الزراعية المصرية إلى الداخل السوداني كخطوة تصعيدية وفي المقابل رفعت القاهرة رسوم الإقامة للسودانيين الموجودين بمصر.

واستمر التوتر المصري السوداني طوال عام 2017 حتى وصل إلى ذروته في ديسمبر 2017 ويناير 2018 على خلفية زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ومنح أنقرة حق إعادة تأهيل جزيرة «سواكن» الاستراتيجية على البحر الأحمر، وهي خطوة اعتبرتها مصر خطرا على الأمن القومي المصري، نظرًا لاستضافة أنقرة عناصر جماعة الإخوان المصنفة إرهابية على أراضيها. 


ومع بداية عام 2018 شهدت منطقة القرن الأفريقي تحولات مهمة مثل الاضطرابات الإثيوبية التي توجت في النهاية بتولي أول زعيم أورومي لأثيوبيا في تاريخها، هذا إضافة إلى التقارب الصامت بين مصر والسودان، ففي فبراير 2018 عقد اجتماع رباعي بين وزيري خارجية البلدين ورئيسي جهاز المخابرات أسفر في النهاية عن وضع تصور وإطار لعودة الدفء للعلاقات بين الجانبين وتصفير الإشكاليات العالقة، وأهمها ملف الإخوان في السودان، حيث شرعت الخرطوم بعد الاجتماع في إبلاغ قيادات الإخوان بها بمغادرة أراضيها في أقرب وقت ممكن بعدما ظلت السودان الملاذ الأول للجماعة منذ عام 2013. 

دواعي التقارب المصري . السوداني

شهد عام 2018 تقاربًا مصريًّا سودانيًّا في العديد من المواقف، فمثلا خلال زيارة الرئيس السيسي للسودان، حظيت قضية حلايب وشلاتين، بظل باهت في المحادثات التي أجراها الجانبين في الخرطوم، وفي المقابل تصدرت قضايا تطوير العلاقات الثنائية المباحثات بين الجانبين.

ويعود التقارب بين الجانبين إلى العديد من الدواعي أهمها:

ترتيبات القرن الأفريقي: فتشهد منطقة القرن الأفريقي  خلال عام 2018 ترتيبات سياسية واستراتيجية تمثلت في الانفتاح السياسي الإثيوبي على دول الجوار، خاصة إريتريا وإنهاء المشكلات الحدودية بينهما، ومن المؤكد أن الترتيبات الأخيرة جرى دعمها من قبل السعودية والإمارات، فمؤخرًا استضافت مدينة جدة السعودية التوقيع على اتفاق السلام بين إريتريا وإثيوبيا، كما عملت السعودية أيضا على تهدئة العلاقات بين إريتريا وجيبوتي، لذا قد تتبع الخرطوم تكتيك الفكاك التدريجي من علاقاتها مع قطر والاتجاه نحو تعزيزها مع مصر والإمارات والسعودية.

للمزيد: نحو قرن أفريقي جديد .. تحولات إقليمية كبري تقلص الدور القطري

 

تحرك تكتيكي: وفي هذا الإطار أوضح الدكتور أيمن شبانة، رئيس مركز دراسات حوض النيل بجامعة القاهرة، أن السياسة الخارجية السودانية تتحرك دائمًا بشكل تكتيكي ومرحلي وليس استراتيجيًّا وفقًا لمصالحها، حيث يوجد توجه عام حاليًّا في القرن الأفريقي نحو الإمارات والسعودية على حساب قطر.

للمزيدتقارب إريتريا وإثيوبيا .. انعكاسات على إرهاب «القرن الأفريقي»»

رفع العقوبات الأمريكية: فمنذ عام 1997 والسودان تقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية، الأمر الذي أرهق اقتصادها، إلا أنه في أكتوبر 2017 أقدمت واشنطن على رفع جزء من العقوبات المفروضة على السودان وذلك بعد تدخل سعودي، إلا أن واشنطن أبقت على السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يعني استمرار الحظر على السودان في تلقي المساعدات الأجنبية واستيراد السلاح، ومن هنا ترغب الخرطوم في الخروج من تلك القائمة عبر تحقيق التقارب مع مصر والسعودية والإمارات واستثمار علاقتهم القوية مع واشنطن للخروج من تلك القائمة.


ونهاية، تبعث تطورات القرن الأفريقي سواء التوافق الإثيوبي الإريتري، التوافق الإريتري الجيبوتي وانتهاءً بالتوافق المصري السوداني الأخير، عوامل القلق لصانع القرار في الدوحة الذي بات مقتنعا لسنوات طوال بأن منطقة القرن الأفريقي هي الحديقة الخلفية للسياسة القطرية التي حاولت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة التداخل مع أزمات المنطقة، سواء في الأزمة التي دارت رحاها في دارفور أو الأزمة الحدودية بين جيبوتي وإريتريا التي أفضت لتواجد عسكري قطري في المنطقة على الحدود بين إريتريا وجيبوتي، إلا أنها سرعان ما سحبت قواتها من جيبوتي على خلفية موقف الأخيرة من الأزمة الخليجية.

الكلمات المفتاحية

"