هل تكون القبائل الليبية ورقة «حفتر» لدخول «طرابلس»؟
لعل التعقيد هو السمة الغالبة التي يتفق عليها المتابعون للشأن الليبي، نتيجة تشابك وتعقد حلقات الصراع بوجهيه المسلح، والسياسي، وتنوع وتداخل الأذرع الفاعلة، مع ضبابية في تحديد وتحليل ولاءاتها التي تتسم غالبًا بعدم الثبات.
لا تزال الميليشيات المسلحة تسيطر على غالبية المدن الليبية، خاصة العاصمة طرابلس، نتيجة للاتفاق السياسي الذي وقع بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015، الذي لا يلقى توافقًا من كثير من الأطراف التي تم تجاهلها في اتفاق الصخيرات، وعلى رأسها القوات المسلحة الليبية تحت قيادة المشير خليفة حفتر.
وشرْعن الاتفاق -بشكل ما- بقاء الميليشيات في الهيكل الأمني لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا، إذ ينص ضمن بنود الترتيبات الأمنية على إخراج ما سماهم منتسبي التشكيلات المسلحة من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وإعادة تأهيل ودمج منتسبيها في أجهزة الدولة العسكرية والوطنية، تطبيقًا للمادة الـ29 من الاتفاق، إلا أن الواقع يثبت دمج الميليشيات في الكيانات الرسمية، دون أن تخرج من المدن، ما جعلها تسيطر بشكل كامل على العاصمة، وتوالت الصراعات التي كان آخرها الاشتباكات الموسعة مع قوات تحرير طرابلس والتي قوامها الرئيسي اللواء السابع بمدينة «ترهونة» (88 كم جنوب شرقي طرابلس).
للمزيد.. الهجوم على طرابلس.. الميليشيات تتلاعب بمستقبل العاصمة الليبية
تحرك قبلي
وفي سبيلها لمحاولة الخروج من الأزمة سلميًّا يسعى عواقل القبائل الليبية من الشرق إلى الغرب للتوصل إلى رؤية مشتركة، تتسم بشيء من العدالة؛ لإيقاف نزيف الدم والتراب الوطني من سيطرة الميليشيات، فعقدت العديد من الاجتماعات كان آخرها الاجتماع الذي عقد السبت 15 سبتمبر 2018 تحت مسمى «اللقاء الوطني العام للقبائل والمدن الليبية في ترهونة»، تحت شعار «نعم من أجل ليبيا».
وحضر اللقاء ممثلو كبرى القبائل الليبية من المنطقة الجنوبية، ووفود كبيرة من المناطق الشرقية والوسطى والغربية، وكان في مقدمتهم «بالعيد الشيخي» المنسق الاجتماعي لدى القيادة العامة للجيش الليبي، والشيخ «فضل رافع أبوالحسن المنفي»، والشيخ المستشار «أمحمد أعمر محارب القطعاني»، والشيخ «حافظ محمد خطاب»، والشيخ «نوح بوعلي القناشي»، وغيرهم.
وخرج اللقاء بـ12 شرطًا لحل الأزمات الليبية، إلا أنه بدأ بيانه الختامي بإعلان دعم القبائل للواء السابع مشاة، والكيانات التي عملت على دعمه في مواجهة الميليشيات المسلحة التي تسيطر على المؤسسات السيادية في العاصمة طرابلس.
وأمهل البيان -الذي ألقاه عبدالرحمن البركي، أحد أعيان بلدية ترهونة- الميليشيات التي تسيطر على العاصمة 3 أيام تبدأ 15 سبتمبر الحالي؛ لحل نفسها وتسليم معداتها وأسلحتها للجهات الرسمية بالدولة، مضيفًا: أنه «سيتم تحويل المتورطين في كل الجرائم والمخالفات لجهات التحقيق المختصة».
وتابع البيان مشترطًا أن يتم تسليم السجون التي تسيطر عليها الميليشيات للجهات المختصة الرسمية في الدولة، رافضين أي ترتيبات أو إجراءات أمنية تماطل بها الميليشيات في عدم حل نفسها، مطالبين في الوقت نفسه بتكوين قوة مشتركة من الجيش والشرطة لحماية العاصمة الليبية تحت رئاسة وقيادة واحدة، ما يعد استدعاء للمشير خليفة حفتر والقيادة العامة.
للمزيد.. اقتحامات السجون الليبية تفضح دعم الإخوان لعمليات تهريب «الدواعش»
دعم حفتر
وتتفق هذه التصريحات مع قول «حفتر» في الـ7 من سبتمبر الحالي، في لقاء مع ممثلي القبائل الليبية: «إن الجيش الوطني سيتحرك لتحرير طرابلس من الميليشيات المسلحة في الوقت المناسب، ووفقًا لخطة دقيقة ومدروسة»، مشيرًا إلى أن أكثر من 85% من أهالي طرابلس مع الجيش.
وسبق هذا الاجتماع القبلي اجتماع آخر في مدينة الزنتان (جنوب غربي طرابلس) 13 سبتمبر الحالي، بحضور أكثر من 30 مدينة ليبية من المناطق المختلفة، حضره أعيان «ترهونة» وعلى رأسهم الشيخ صالح فاندي وأعلنوا في بيانهم الختامي تأييدهم التام للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
كما أعلن آمر منطقة الزاوية (48 كم غرب طرابلس) العميد «محمد طحيش» في تصريح صحفي لوكالة أفريقيا الإخبارية، أن الكتائب العسكرية بالمنطقة الساحلية الغربية وقبائل الزاوية وصرمان (قبائل أولاد صقر والكوارغلية وأولاد بوحميرة واللواء 216 بقيادة عقيد خالد دراء وسكان منطقة جنوب الطريق الساحلي) أعلنت رسميًّا ولاءها للقيادة العامة، لتكون بذلك المنطقة الغربية العسكرية بدءًا من مدينة «جدائم» إلى «رأس أجدير» ذات ولاء للقيادة العامة والبرلمان الليبي والجهات الشرعية المنبثقة عنه.
يذكر أن القبائل الليبية سعت منذ اندلاع ثورة الـ17 من فبراير عام 2011، إلى لعب دور الحكيم القوي بشتى الطرق، في حين يسعى المشير خليفة حفتر للحصول على دعم هذه القبائل التي أبدى بعضها تأييدًا له في حربه الموسعة ضد الإرهاب، بحسب دراسة محمد عمر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، بعنوان «ليبيا: دور القَبيلة في احتواء تداعيات الأزمة وآثارها».
كما طالب البيان الختامي لمؤتمر القبائل بعثة الأمم المتحدة العمل بجديَّة في التعاطي مع الملف الليبي، بما يضمن الوصول إلى حل للأزمة، وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا توصلت الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الفصائل المتقاتلة في العاصمة، إلا أنه لا ضمانة حقيقية لعدم تجدد الاشتباكات مرة ثانية، بحسب تصريحات صحفية لـ«محمد المبشر»، رئيس «مجلس الأعيان» الليبي، قال فيها: «إن توحيد المؤسسة العسكرية بات ضروريًّا ولازمًا من أجل إنهاء الوضع الراهن».
وشهدت «طرابلس» صراعات واشتباكات بين التشكيلات المسلحة التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق واللواء السابع مشاة ترهونة، وكيانات أخرى، منذ 27 أغسطس 2018، وصلت أعداد القتلى فيها إلى 63 قتيلًا ونحو 200 جريحٍ.
للمزيد.. تجديد البعثة الأممية.. ليبيا الحائرة بين الفشل الدولي والتناحر الداخلي
الدور القبلي.. تحديات ودوافع
بدوره، يرى الدكتور «علي بكر» الباحث المتخصص في شؤون ليبيا والشمال الأفريقي، أن نجاح القبائل الليبية في القيام بدور سياسي في حل الأزمة يتوقف على عدة عوامل، تتمثل في قدرتها على السيطرة على الكيانات العسكرية المؤيدة لها، وكذلك قدرتها على مواجهة الميليشيات، وخلق حالة من التوافق التام والانسجام بينها، وتوحيد القبائل في صف واحد بتوجهات واحدة ومحددة تراعي الوضع العام في ليبيا؛ لإعادة الاستقرار والأمن.
وأشار «بكر»، في تصريح لـ«المرجع»، إلى أن كثيرًا من التوافقات السياسية في ليبيا تفشل مع مرور الوقت، بعد ظهور الخلافات الداخلية التي تعتبر آفة الوضع في ليبيا، مؤكدًا أن اتفاق القبائل خطوة جيدة في سبيل إعادة الاستقرار إلى ليبيا، إلا أن المهمة صعبة وأشد تعقيدًا من قدرة القبائل، مع وجود 3 قوى رئيسية، وهي الحكومات الثلاث التي تتنازع السلطة، بأجهزتها المسلحة، إلى جانب التشكيلات المسلحة السائلة في طرابلس والجنوب، إضافة إلى التدخل الأجنبي الذي تنوعت أذرعته وسبل دعمه من الجانب المالي والعسكري واللوجيستي، إلى الدعم الإعلامي.
اقرأ أيضًا.. «آل الصلابي».. عائلة الإرهاب الممولة من قطر في ليبيا
وأوضح الكاتب المتخصص في شؤون ليبيا والشمال الأفريقي، أن دعم القبائل للجيش الليبي، يظهر أن المشير خليفة حفتر، يسعى لاستخدام كل ما في يده من أوراق بما فيها القبائل لإعادة الاستقرار ومحاربة الإرهاب، ومن أهمها التواصل مع القبائل والحصول على دعمها.
ولفت إلى أن هذا الدعم القبلي لـ«حفتر» يفضح حقيقة الحرب الإعلامية التي تمارسها أذرع قطر الإعلامية الداعمة للمتطرفين، ففي حين تزيف الحقيقة وتعرض الجيش الوطني في صورة الهمجي، والميليشيات في صورة المجاهد في سبيل الله، فإن الشعب الليبي قال كلمته من خلال عواقل القبائل التي دعت إلى توحيد المؤسسات العسكرية والوطنية تحت لواء القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية في الرجمة.





