إسلاميو ليبيا.. أحلام العودة «الفاشلة» عبر «منفذ الإخوان»
الأحد 02/سبتمبر/2018 - 04:37 م
عبدالهادي ربيع
كان سقوط نظام معمر القذافي، بما له وما عليه، الشرارة الأولى لفوضى احتراب الفصائل الإسلاموية في ليبيا، كما انطلقت على أساسها الأحزاب في ظلِّ فوضى الكيانات السياسية التي تعصف بليبيا.
وغلبت على هذه الأحزاب، قلة الخبرة السياسية؛ نظرًا للعقود الأربعة التي حكم فيها القذافي البلاد بقبضة حديدية، على نظام الحزب الواحد، تحت شعار القذافي «من تحزب خان»، ويخرج من هذا الاستثناء، جماعة الإخوان التي تمرست إلى حدٍّ ما في العملية السياسية، كما أن الخبرة التنظيمية للجماعة ساعدتها أيضًا في سبيل ذلك، فكانت أول جماعة إسلاموية، أسست حزبها السياسي بعد أشهر قليلة، من سقوط نظام العقيد.
العدالة والبناء
استغلت «الإخوان»، الصراع السياسي والفوضى التي عمت إثر أحداث 17 فبراير 2011، لتنشئ لها حاضنة شعبية بين الثوار، مكنتها في مارس 2012 من إنشاء حزبها السياسي «العدالة والبناء»، بعد أشهر من العمل قبل تدشين الحزب برئاسة محمد صوان، (مواليد مصراتة 1959) ذي التاريخ الطويل مع جماعة الإخوان الذي ابتدأه عام 1989، وأصبح فيما بعد، عضو المكتب التنفيذي عام 1995، ثم رئيس مجلس شورى الجماعة في ليبيا عام 2006 بعد خروجه من السجن.
ورغم ما حلم به الإخوان من الصعود الكبير إلى المشهد في أول انتخابات عام 2012، فإنه لقي خسارة مفاجئة أمام تحالف القوى الوطنية، التي فازت بـ39 مقعدًا، في حين حصل العدالة والتنمية على 17 مقعدًا من جملة 80 مقعدًا مخصصة للأحزاب.
حزب الرسالة
أما ثاني الأحزاب السياسية الإسلاموية، فهو حزب «الرسالة» الذي تم تأسيسه نهاية 2012؛ ليكون الذراع السياسية لحركة التجمع الإسلامي التي تم تأسيسها في ثمانينيات القرن الماضي، ولم يلق أي نجاح سياسي في الانتخابات الأولى عام 2012، التي شارك فيها بقائمة عريضة في مدينة بنغازي؛ حيث لم يحصل إلا على مقعد واحد؛ ما أنذر بانتهاء وجوده السياسي مبكرًا، إلا أن قادة الحزب بذلوا جهدًا مضاعفًا ليبقوه على خريطة الأحزاب السياسية الفاعلة، فنادوا بقيام تحالف إسلاموي يوصف بالتشدد «كتلة الوفاء للشهداء» من عناصر الإخوان، وجبهة الإنقاذ والجماعة المقاتلة.
وفي عام 2016، وقعت الأطراف الليبية اتفاقًا سياسيًّا بمدينة الصخيرات المغربية، أفضى إلى إعلان حكومة الوفاق الوطني ومجلسها الرئاسي، خاصةً مع نجاح حزب الرسالة في الحصول على عضوية للقيادي بالحزب محمد لعماري زايد، في ظلِّ رفض كثير من الفصائل المهمة التوقيع على الاتفاق، لم تدع إلى الاتفاق كحكومة الشرق والقيادة العامة للجيش الليبي في الشرق اللواء خليفة حفتر.
حزب الأمة الوسطي
على غير ما يبدو من اسمه «حزب الأمة الوسطي»، إلا أنه حزب يُوصف بالتطرف؛ نظرًا لأفكاره التي يحملها قياداته من الأمراء السابقين في «الجماعة الليبية المقاتلة»، ويتزعم الحزب «سامي الساعدي» الأمير السابق في الجماعة الليبية المقاتلة، ورشح الحزب قائمة عريضة من أعضائه لانتخابات 2012، لكنه لم يحصل إلا على مقعد واحد كان من نصيب عبدالوهاب القايد، شقيق أبويحيى الليبي أحد أبرز منظري تنظيم القاعدة المقرب من أسامة بن لادن.
حزب الوطن
يعتبر الذراع الحقيقية للجماعة الليبية المقاتلة، خاصةً مع ترأس عبدالحكيم بالحاج، زعيم الجماعة السابق له، بالتعاون مع علي الصلابي، عضو اتحاد القرضاوي العالمي لعلماء المسلمين، ودفع الحزب بـ59 مرشحًا، في انتخابات 2012، لكن فشله كان الفشل الأبرز وسط الأحزاب السياسية الإسلامية؛ إذ لم يحصل على مقعد واحد.
أحزاب صغرى
إلى جانب هذه الأحزاب الكبرى، تأسست أحزاب عدة أخرى لكنها لم تحصل على الدور السياسي ولا القابلية الشعبية الكبيرة، حتى بين الإسلاميين، مثل الحزب الإسلامي الليبي الذي يُعرف نفسه بأنه ذو مرجعية إسلامية، والذي حصل على نسبة 22 بالمئة من الأصوات، دون أن يحصل على أي مقعد، وحزب الأصالة، وهو حزب سلفي يتزعمه، عبدالباسط غويلة، الذي قدّم العديد من المرشحات المنتقبات إلى المجلس؛ ما أثار السخرية من ملصقاته الدعائية حينها، وكذلك حزبا الإصلاح والتنمية الليبي والحزب الليبي للتنمية.
الانتخابات والعودة
ومع بداية شهر سبتمبر الحالى واقتراب التوجه نحو تنظيم الاستحقاقات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر باريس بالاستفتاء على مشروع الدستور والاقتراع على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فقد حاول الإسلامويون التغيير من واقعهم السياسي، آملين أن تكون الانتخابات مفتاح عودتهم من جديد، ويقع على رأس هذه الأحزاب حزب العدالة والتنمية الذي يحاول استغلال خبرته السياسية وقوته التنظيمية والدعم من بعض القوى الإقليمية وأهمها تركيا وقطر، ليقود قاطرة عودة الإسلاميين.
كما أن جماعة الإخوان ضمن تنظيمها الدولي عملت على ترويض إخوان ليبيا؛ ليحافظوا على مكاسبهم السياسية التي أتى بها اتفاق الصخيرات، وكان لإخوان ليبيا الدور الأكبر في ذلك، من خلال لقاءات «راشد الغنوشي» زعيم حركة النهضة التونسية (إخوان تونس)، بالعديد من قادة جماعة الإخوان، وعلى رأسهم علي الصلابي، ومحمد صوان في منزله بتونس، وقد نصح «الغنوشي» زائريه بمحاولة تكرار تجربة «إخوان تونس»، خاصةً في ظلِّ التغيرات الدولية، وتصنيف الجماعة الأم كـ«إرهابية» في العديد من دول العالم.
وانطلق «العدالة والبناء» لينفذ خطة الغنوشي، وأخرج العديد من البيانات، أيد فيها الجيش الليبى في معاركه ضد الإرهاب، في الشرق، مؤكدا أن عملية الكرامة التي يقودها المشير حفتر أعلنت تحت شعار جميل وهدف نبيل، وهو محاربة الإرهاب، أما بالنسبة لباقي الأحزاب الإسلامية، فضربها خمول عام وتراجع على المستوى السياسي، مع بدء الاستقرار النسبي، بحروب الجيش الوطني الموسعة على الإرهاب، وكذلك بعض الاستقرار السياسي إثر اتفاق الصخيرات.
كما تلاشى حزب الرسالة تماما من بنغازي التي حصل منها على عضويته الوحيدة في البرلمان عام 2012، إذ غادر معظم منتسبيها إلى طرابلس مع توسع سيطرة الجيش الوطني الليبي في الشرق، أما حزب الأمة فلم يعد له أي دور سياسي، واكتفى بالنشاطات الثقافية والدينية؛ ما دفع بعض قياداته وعناصره للالتحاق بحزبي «الوطن» و«العدالة والبناء».
وبالنسبة لحزب «الوطن» ورغم كونه ليس له دور رئيسي رسمي، إذ لم ينجح في أي استحقاق انتخابي، إلا أنه لا يزال يحافظ على ثقل مجتمعي وخطر سياسي، بالنظر إلى عبدالحكيم بالحاج، زعيمه المدعوم من قبل أنقرة والدوحة؛ ما جعله يتحول سريعا من إرهابي مطارد إلى ملياردير وقائد، بعد تأسيسه للحزب الوطن وقيادته لما يُعرف بالمجلس العسكري في طرابلس، نظرًا لخلفيته العسكرية في الجماعات الإرهابية.
وكفل الدعم المادي لبلحاج -الموضوع على قوائم الإرهاب من الدول العربية المقاطعة لقطر- تدشين شركة الأجنحة للطيران، التي تؤمن عشرات الرحلات بين طرابلس وعدة دول أخرى، هذه الشخصية بكل تفاصيلها تحافظ على بقاء حزبه على واجهة السياسة الليبية.
الاستفتاء على الدستور
وبحسب مراقبين ليبيين رفضوا كشف أسمائهم نظرًا للظروف الأمنية في طرابلس فإن جماعة الإخوان تقود الحركة الإسلامية بأحزابها المختلفة للترويج لفكرة الاستفتاء على الدستور، قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية، مؤكدين أن إصرار الإخوان على إقامة الاستفتاء على الدستور وتمريره مبكرًا يحمل أسبابها الخاصة، إذ يكفل لها الدستور امتيازات كبيرة تحقق مصالح الجماعة السياسية.
وتابع المصدر أن الأحزاب السياسية الإسلامية، موقنة أن الانتخابات لن تحقق لهم أي نجاح سياسي، كما حدث في الانتخابات السابقة، وأن الاشتباكات المتزايدة في طرابلس والغرب الليبي، نفرت الأهالي من الإسلامويين عامة، وأن تزايد ظهور قضايا الفساد الاقتصادي في البنك المركزي والمؤسسات الرسمية التي يسيطر عليها الإخوان وكذلك دعم وعلاقة عناصرها بالجماعات الإرهابية التي كشفتها حرب الجيش الليبي على الإرهاب في الشرق، بدءًا من تحرير درنة والهلال النفطي، قضت نهائيًّا على حلم الإسلاميين في العودة إلى المشهد السياسي في الفترة المقبلة.





