الهوية الأمازيغية في فكر الإخوان المتطرف

الهوية «الأمازيغية»، والحركة الثقافية الأمازيغية،
شهدت صدامات مع الفكر الإقصائي لتنظيم «الإخوان» في بلاد المغرب العربي، وظهر هذا الصراع
جليًّا في كثير من المواقف، ولعل أبرزها تهجم أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة
«التوحيد والإصلاح» (ذراع جماعة الإخوان في المغرب)، ضد الأمازيغ، متحدثًا من دولة
قطر، معتبرًا الحركة الأمازيغية في نظر تنظيم الإخوان مصدر تهديد للمغرب بالحرب الأهلية،
هذا التصريح كان بمثابة قربان التودد لقطر لتدعمهم بالمال؛ لنشر الفتنة والتخريب بين
ربوع الدول العربية.

الأممية التي استقاها الإسلاميون من أيديولوجية
الإخوان، لا تؤمن بالأوطان القومية، ولا بلغاتها؛ لأنها في نظرهم تجزئ مشروعهم الأممي،
وتعمل هذه الجماعة من خلال فكرها الأيديولوجي والسياسي على إقامة الخلافة الإسلامية، وتكون لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهذا ما سعت إليه داعش.
كما أن الصراع الدائر يعود لاعتباراتٍ عدةٍ، وفي مقدمة
هذه الاعتبارات نقاش الهوية الحاد الذي عرفته منطقة المغرب العربي بعد سنة 2011، وما
نجم عنه من نتائج سياسية، وقواعد دستورية نقلت الهوية الأمازيغية إلى محطة جديدة (ترسيم
اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي والجزائري)، لكن في هذه الفترة وصلت أحزاب -تعد
امتدادًا لفكر «حسن البنا» الإقصائي- إلى السلطة في المغرب الكبير.
وانطلاقًا من الخلفية التاريخية، يتضح أن العلاقة
بين الإخوان في دول المغرب الكبير و«الأمازيغية»، انتقلت من مرحلة يغلب فيها التعايش
في الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات وهو تعايش أوجدته السلطة السياسية، إلى مرحلة
تتسم بالتدافع والتصادم.
وكانت بداية هذه الإرهاصات منذ النصف الثاني لعقد
التسعينيات، خاصة بعد تبلور وبروز مسارين متوازيين لنشاط الحركة الأمازيغية: الأول
اتجه نحو تسييس الموضوع الأمازيغي، والثاني ركز على العمق الثقافي للحركة الأمازيغية،
ودعم مسيرة تدريس وتوسيع الحضور الأمازيغي في الحياة العامة.
معاداة الأمازيغية
وفي الوقت الذي يثير فيه الفكر الإخواني الإقصائي،
قضايا ورؤى سياسية متباينة ومتناقضة، يبقى هذا السؤال: لماذا الحركات الإسلاموية وعلى
رأسها الإخوان في بلاد المغرب يعادون الهوية الأمازيغية؟
الأمازيغية والحرية كلمتان مترادفتان والمعنى واحد،
والأمازيغ منذ استيعابهم فلسفة الفتح الإسلامي لبلادهم، وقناعتهم بجوهر الإسلام، فهم
به يدينون، وبالسنة متمسكون، ولمذهب الإمام مالك تابعون، على عكس ما يروج هنا وهناك؛
من قبل الإخوان في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، رافعين في ذلك راية الحقد والإقصاء.
لو نظرنا إلى الانتشار الجغرافي فهم عمومًا -الأمازيغ-
شعوب سكنت وتسكن المنطقة الممتدة على طول شمال أفريقيا، يحدهم البحر الأبيض المتوسط
شمالًا، والصحراء الكبرى جنوبًا، ويقال إنهم السكان الأصليون لشمال أفريقيا.
أما فيما يخص حضارتهم؛ فهي ضاربة في أعماق التاريخ الإنساني «الممالك الأمازيغية في شمال أفريقيا»، وهناك العشرات من المقالات والدراسات والكتب في التاريخ القديم والوسيط، تروي بطولاتهم في مقاومة المستعمر الأيبيري، والفرنسي، والإيطالي، في التاريخ الحديث والمعاصر.

تعنت إخوان المغرب
في الوقت الذي أعلن «إخوان المغرب»، عداوتهم للأمازيغية
كلغة وثقافة، وإنكارهم عن أهلها امتدادهم التاريخي، لم يدّخر «حزب العدالة والتنمية»
جهدًا حتى لا ترسم وتعتمد الأمازيغية كلغة في الدستور المغربي سنة 2011، ولما فشلوا
في مسعاهم، وأصبحت إلى جانب العربية لغة رسمية للبلاد، كبلوها بقوانين تنظيمية لم يفرج
عنها حتى اليوم، جعلتها على الهامش في التعليم، كما في الإدارة وباقي القطاعات، بل تمت
دعوة حلفائهم «جماعة العدل والإحسان» إلى تزكية هذا الطرح؛ لتوحيد الجبهة الإسلامية
في فترة من الفترات.
غير أن الخيط الجامع بين كل الجماعات الإخوانية
هو التعاون في ما اتفق عليه من توجيه انتقادات في مختلف المآرب والقضايا، بما في ذلك
الدونية التي يتحدث بها هؤلاء، مع العلم أن الناطقين بالأمازيغية في المغرب تصل نسبتهم
إلى 27 % وقد تزيد، وهي نسبة صادرة من جهة حكومية «المندوبية السامية للتخطيط»، وتتحدث
إحصائيات غربية متخصصة في الشؤون المغاربية عن أكبر من هذه النسبة.
إن الصراع الذي تعلنه وتجاهر به جماعة الإخوان في
المغرب ضد الأمازيغ، يرجع سببه الرئيسي إلى شعورهم بأن الأمازيغية تشكل حائطًا حصينًا
ضد ضربهم استقرار الوطن، وهي التي تستطيع التصدي لمشروعهم الإخواني المتطرف وإفشاله.
ورغم كل هجمات حكومة عبدالإله بن كيران، قبل وبعد
أن أصبح على رأس الحكومة المغربية، فإنه لم ينجح في محاولة استقطابه الأمازيغ، حتى
خلال حملته الانتخابية التي استعمل فيها «الحرف الأمازيغي» بكثافة.
فالجماعات الإسلامية بالمغرب يكنون للحركة الأمازيغية
الكثير من الضغائن والأحقاد الأيديولوجية، ولكن ذلك لن يغير شيئًا في معادلة الوجود،
فالأمازيغ عازمون على الاستمرار في الحفاظ على مواطنتهم وولائهم لدولتهم بعيدًا عن
كل التآمرات.
تهميش أمازيغ تونس
في تونس، يتم إعدام أي فكرة عن حقوق الأمازيغ، وتهميش
وإقصاء أي رأي ينادي بالأمازيغية، وفي مبادئ «حزب النهضة» (ذراع الإخوان في تونس)،
لا يكترثون ولا يهمهم ثقافة وهوية الأمازيغ ساكني مدن قابس وقفصة وبعض القرى على الحدود
الجزائرية.
هذا العداء والرفض للآخر، فرضه إخوان تونس على الدولة،
وبالعودة إلى الدستور الأخير، الذي أقروه فترة وجودهم على رأس السلطة التنفيذية، نجد
في فصله الأول: إقصاءً وتجاهلًا لفصيل شريك في الدولة، وهذا ما انتقدته بشدة قوى حقوقية،
وهيئات مدنية مثل «الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية»، التي طالبت بالاعتراف بالأمازيغ
كمكوّن أساسي من مكوّنات الهوية التونسية، وردّ الاعتبار لتاريخهم من خلال إحياء تراثهم
كمكوّن أساسي من مكوّنات الهوية التونسية، وإحياء تراثهم المادي والاعتراف بثقافتهم
والمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم، وصيانة الطابع المعماري للقرى الأمازيغية في الجنوب
التونسي وبعض قرى الشمال الغربي، والعمل على إدراجها ضمن قائمة يونسكو للتراث العالمي.
الأمازيغ التونسيون الذين وجدوا ضالتهم في حرية
التعبير التي جاءت بها الثورة مجالًا للتعريف بثقافتهم، ومحاولة نشرها في ربوع البلاد،
ووجهوا بحرب شرسة قادها إخوان تونس بفكرهم المتطرف والإقصائي، وعن طريق زعيمهم راشد
الغنوشي، بدؤوا الهجوم على كل من ينادي بالهوية الأمازيغية، وتم تسخير ذراعهم الإعلامية
للإساءة لمكون أصيل -قد يكون قليل ديموغرافيًّا- لكنه موجود من أزل، وهو من مكونات
المجتمع التونسي، وتم محاربتهم بأساليب قذرة وبطريقة لا علاقة لها بالثقافة الإسلامية،
ولا الأخلاق السياسية؛ ووصفوا هذا الفصيل والأمازيغية بأسوأ العبارات.

تداعيات العشرية السوداء
في الجزائر، العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر جعلت «جبهة الإنقاذ» الجزائرية، تكشر عن أنيابها في تلك الفترة، وتعلن موقفها من الأمازيغية، والذي لم يختلف عن باقي مواقف الحركات الأصولية المتطرفة؛ فقد قال عنها مهدي مزراق: «الأمازيغية مسألة تهدد الوحدة الوطنية».
بهذه البساطة عولجت المسألة، رغم أنه «خلال القرن 19 مثلًا، كان 70% من الجزائريين يتحدثون الأمازيغية، أما الآن فالعدد لا يتجاوز 30%»، حسب أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة وهران الجزائرية «رابح لونيسي»، صاحب كتاب «ربيع جزائري في مواجهة دمار عربي».
لكن بعد نضال مرير للأمازيغ بالجزائر، اعتًرف بالأمازيغية
لغة رسمية حتى عام 2016، حين تبنّى البرلمان الجزائري بغالبية ساحقة مراجعة دستورية
تنصّ على اعتبار الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في البلاد، فيما تشكل اللغة العربية اللغة
الوطنية والرسمية للدولة.
ولم يأتِ هذا الاعتراف فجأة، بل على مراحل، ففي
عام 1996، تم الاعتراف بالأمازيغية في الدستور الجديد بوصفها مكونًا للهوية الوطنية
إلى جانب العروبة والإسلام، وفي عام 1995 أدخلت اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية
في بعض مناطق البلاد، حيث الأمازيغية هي اللغة الأم، وفي العام 2002، وبعد أعمال شغب
دامية في منطقة القبائل، اعترفت الدولة بالأمازيغية كـ«لغة وطنية» ثانية، بقرار من
الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وفي 2009، أطلقت قناة تلفزيونية حكومية تبث برامج بالأمازيغية
بكل فروعها، علمًا بأن هناك لهجات أمازيغية عدة في الجزائر، منها القبائلية والشاوية
والميزابية.
وفجّر اقتراح دسترة الأمازيغية في الجزائر امتعاضًا وغضبًا في أوساط المعارضة الإخوانية، وأرادوا تكبيل هذا القانون ببعض من التحايل؛ حيث
اقترح رئيس «جبهة العدالة والتنمية» الإسلامية «عبدالله جاب الله»، استعمال الحرف العربي
في كتابة اللغة الأمازيغية التي ينص المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور على جعلها لغةً
رسمية، متقاربًا مع مواقف كل التيارات التي تخفي انتمائها لتنظيم الإخوان، لكن موقفهم
جعل منهم هدفًا لانتقادات شديدة من قبل مؤيدي الدسترة ونشطاء الدعوة إلى تعميم الأمازيغية.
السقوط بمستنقع التمرد
كثيرة هي ومتعددة تآمرات الجماعات الإسلامية المتطرفة
على الأمازيغية في المغرب الكبير، ولهذا يحاول البعض إثارة الفتن بتزييف الحقائق التاريخية
سواء بإقصاء هذا الفصيل أو طمس هويته أو تهميش ثقافته الضاربة في عمق التاريخ، هذا
من جهة، ومن جهة أخرى، هناك من يريد جر الأمازيغ إلى مستنقع التمرد من خلال إظهار الأمازيغ
على أنهم استعبدوا من قبل العرب، وهذا مناف للتاريخ القويم، فلا توجد قوة على الأرض
تستطيع استعباد رجال الأمازيغ العظام، وإن ما حصل هو أن الأمازيغ اعتنقوا دين الإسلام،
وترسخت معاني الإسلام السامية في نفوسهم، فزادتهم عزةً، وزادوها وقارًا.
نخلص في النهاية إلى أن المكون الأمازيغي قديم قدم
التاريخ في المنطقة المغاربية، وليس من حق أحد المزايدة عليه لا في الأرض ولا في الدين
والهوية والثقافة، ومن ثم فالتعايش معه تحت مظلة الوطن الواحد ليس ضعفًا، بقدر ما
هو قوة؛ لبناء الدولة المدنية العصرية التي تعترف بحقوق كل مواطنيها.