يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

الجماعات الإرهابيَّة بين المحليَّة والعالميَّة في دول المغرب العربي

الخميس 12/يوليو/2018 - 11:45 ص
المرجع
د. فريد خان
طباعة
المتتبع للمشهد السياسي يُلاحظ أن التطرف الديني وتحولات الجماعات الإسلامويَّة إلى جماعات مُسَلَّحَة، لا تترك مجالًا للشك، أنهم وجدوا موطنًا جديدًا، ويسعون إلى إنجاح مشروعهم التوسعي في تطبيق أفكارهم على نمط طالبان، أو وفق نمطهم الخاص في بلاد المغرب العربي.

وبدأ الظهور الواضح لهذه التنظيمات بعدما كانت تنشط بطريقة شرعيَّة منذ الثمانينيات، حين بدأ التجنيد في الأوساط الشبابيَّة ذات الانتماء الأيديولوجي؛ للذهاب والقتال في أفغانستان، فضلًا عما كانت تطرحه الساحة من حملات توعويَّة، وإشادة بما حققته الثورة الإيرانيَّة.

الجماعات الإرهابيَّة

وقبل الإعلان عن ميلاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، كانت جماعات الإسلام السياسي تحضر نفسها للمرور إلى العمل المُسَلَّح، في حين كانت السلطات تتعامل معهم على أساس شريك في الساحة السياسيَّة، لكن الوضع الذي آلت إليه المنطقة حاليًّا أثبت أن الحكومات كانت تناور ضد أزمة حقيقيَّة مازالت تتخبط فيها إلى يومنا هذا، فالسماح لأسامة بن لادن بالمكوث بمدينة الرباط قبل توجهه إلى السودان سنة 1991، معناه أن تنظيم القاعدة كان يشرف على تكوين جماعات إرهابيَّة بالتنسيق مع جماعة الإخوان قبل الانطلاق في العمل، تحت الإمارة الجديدة، ويمكن اعتبار تفكيك الخلية النائمة سنة 2002 بالمغرب إحدى ثمار هذا الاستثمار.()

والمُلاحظ على النشاط الإرهابي لهذه التنظيمات، أنه يشترك في عقيدة الإجرام الأعمى، الذي أباح لنفسه سفك دماء الأبرياء، واستحلال أموالهم، وإهدار أرواح المخالفين لمبادئه، وقد كان يرتدي عباءة السياسة والدين؛ ليتغلغل في أوساط الشعب، محاولًا استدراجهم ليكونوا بيادق وعبيد فكرهم المتطرف.

 

أولًا: الأصول الفكريَّة للحركات المُسَلَّحة

تنطلق الرؤية الفكريَّة للحركات المُسَلَّحة من حُجَّة تَزْعُم حماية الدين، ومواجهة الكفر، فالجماعات الإسلاميَّة والمسلحة تدفع بالمتطرفين إلى انتهاج سلوك منحرف مبني على القناعة غير القابلة للنقاش، وهي إراقة دماء المسلمين باعتبار أنهم جهلة، والشهادة للفوز بالجنة، والغريب أن أصحاب هذا الفكر المتطرف يبررون مواقفهم بما جاء في اجتهادات بعض الفقهاء، ويعتمدون في تنفيذ أعمالهم على المحاور التالية:

1) جاهليَّة المجتمع: إن المجتمع يعيش جاهليَّة ما قبل الإسلام؛ لذا وجب مقاومته، وهذا ما دافع عنه أبوالأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلاميَّة في باكستان، والسيد قطب في مصر؛ إذ يعتبرون المجتمع في جاهليته الحديثة، يخلط بين الأديان والشرك؛ لأنه لا يطبق بما يؤمن في عصر كثرت فيه البدع، والخرافات، وزيارة الأولياء، وتعظيم القبور.()

2) التنظيم: قيام جماعة مُسَلَّحَة لمواجهة المجتمع الجاهل وفرض الحكم الإسلامي، وذلك عن طريق الإمامة ومبايعة إمام مسلم، ومن ثم فإن تجنيد الشباب الذي يجب هروبه من المجتمع الجاهل والالتحاق بالتنظيم؛ ليجد من أفكار الجماعة ما يُغذِّي تطرفه من آيات وأحاديث بطريقة يحسن استعمالها أصحاب التنظيم.

3) الانعزال: انفصال الجماعة عن المجتمع الجاهل، والتحرك الإيجابي باللجوء إلى الجبال، فالهجرة هي اختلاء المسلم لمراجعة نفسه، والاستعداد للجهاد في سبيل الله.

4) الحكم بغير ما أنزل الله: تطبيق الشرع في مجمله كمبدأ بدأ مع فتاوى ابن تيمية إلى أن وصل إلى العصر الحديث، ونظمته الرسائل التي كان ينشرها أتباع حسن البنا «بأن الحكم يجب أن يكون إسلاميًّا، وهذا معناه أن المجتمع الإسلامي في أنحاء بقاع العالم، إن لم يحتكم إلى شرع الله فهو كافر».

5) العنف: حتمية الصدام بالمجتمع الكافر، ومواجهته بالقوة للقضاء عليه، ليعم الإسلام، ويطبق شرع الله في الأرض.

6) التصور: الإسلام قد بدأ غريبًا في وسط هذا المجتمع، كما بدا عند نزوله، وسوف يزدهر الإسلام من جديد وتنهزم المجتمعات بحد السيف.


الجماعات الإرهابيَّة

 أ- الجماعات والحركات المُسَلَّحة بالجزائر:

بدأ ظهور علامات الإرهاب بالجزائر بعد مقتل شرطي بالعاصمة سنة 1971 من طرف جماعة الدعوة والتبليغ، الذين أعلنوا أن هذه العملية هي بداية العقاب لكل من لا يطبق الشرع، كما لم تسلم النساء غير المحجبات من المضايقات من طرف الإسلامويين، ووصلت إلى حد الضرب.()

وقد أسهمت بعض الكتب في إثارة حفيظة الإسلامويين، الذين أعلنوا عداءهم للنظام، وعلى سبيل المثال الكتاب الذي صدر عام 1974 من قبل عبداللطيف سلطاني، من منفاه في المغرب، والذي هاجم فيه النهج الاشتراكي على أنه وجهة للفساد وخروج على الإسلام، وبدأ أول مظاهر العنف في المشادات بين الطلبة المتطرفين واليساريين عام 1975، أثناء التحضيرات لانعقاد مؤتمر الشبيبة الجزائرية، وبقي الحال مشحونًا حتى 1980 حينما لقي الطالب «كمال أمزال» حتفه على يد المتطرفين، ومن هنا بات العنف أحسن وسيلة للوصول إلى الهدف المنشود، وبدأ يظهر بعض التنظيمات الإرهابيَّة، فبعد القضاء على حركة بويعلي في1979 ، وبعد أحداث الجامعة المركزية1982 ، التي تعرض فيها الكثير من نشطاء الحركة الإسلاميَّة إلى الاعتقال والحبس، التقى مصطفى بويعلي الشيخين: أحمد سحنون، ومحفوظ نحناح، وتم تكوين أول نواة للحركة المُسَلَّحة في 1983، وتكونت 7 أفواج، وبدأ التخطيط للقيام بعمليات العنف، وكان أول عملية تم تنفيذها هو الهجوم على مدرسة الشرطة بالصومعة، التي تم الاستحواذ فيها على 300 قطعة سلاح، ومن هنا دخلت الجزائر دائرة العنف، التي اكتملت بالتحاق نحو 3000 شاب بالجهاد في أفغانستان().

بعد وقف المسار الانتخابي في 1991 وعودة ما اصطلح على تسميتهم بالمجاهدين من أفغانستان على دفعات، وجدت الجزائر نفسها في مواجهة المعارضة السياسيَّة، وإفرازات الأزمة الاقتصاديَّة، والضغوط الخارجيَّة، والأخطر في كل هذا دخول الدولة في نفق المواجهة والصراع مع المتطرفين الإسلاميين، الذين أعلنوا القطيعة والجهاد، ومن هنا بدأت العشرية السوداء.
الجماعات الإرهابيَّة

 

أهم هذه الحركات:

_ الحركة الإسلاميَّة الجزائريَّة (MIA) Mouvement islamique algérien " 1987-1982 ، أُسِّسَت في الثمانينيات بعد توحيد صفوف الجماعات، التي كانت تنشط تحت غطاء الصحوة الإسلاميَّة، والتي تستمد شرعيتها من الثورة الجزائريَّة، من بين الجماعات الناشطة في حقلها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وكانت تعتمد على أفكار متطرفة عدوانية أخذتها من مراجعها الإخوانية في عملية تجنيد الشباب، من خلال الخطب الدينية في المساجد والمنشورات؛ لإقناعهم باستحالة التعامل السلمي مع النظام لإقامة الدولة الإسلاميَّة، والتوجه نحو العمل المُسَلَّح «الجهاد»، الذي يعتبر السبيل الوحيد لبسط أيديولوجيتهم، وفكرهم المتطرف، وقائد هذه الحركة مصطفى بويعلي، الذي تم القضاء عليه على يد القوات النظاميَّة سنة 1986 ليلتحق ما تبقى من حركته بالتنظيمات المُسَلَّحة الأخرى ().

_ جماعة الهجرة والتكفير: أسسها سنة 1991 الجزائريان العائدان من أفغانستان؛ محمد صديقي، وأحمد بوعمرة، ومارست عمليات النهب، والقتل، والتخريب، ثم انضمت إلى الجماعة المُسَلَّحة بعد الإعلان عن الوحدة سنة 1994.

الحركة الإسلاميَّة المُسَلَّحة (MIA) Mouvement islamique armé : 1994-1992 جاءت هذه الحركة على أنقاض الحركة التي كان يقودها بويعلي، وتبنت أفكار «FIS»()، ومن أهم قادتها عبدالقادر شبوطي، الذي كان يعتمد معيار الانتقاء لتكوين الجماعة؛ عملًا بأسلوب الحرب السريَّة التي كانت متداولة في الخمسينيات، أي تغليب الانضمام إلى أصحاب القناعة الدينيَّة على أصحاب قناعة الجهاد، أصحاب الانضمام العشوائي، وقد حافظت هذه الحركة على التشكيلة التنظيميَّة وحتى العقائديَّة، التي ألِفَتْها من حركة الثمانينيات، كما كانت من أبرز الحركات التي استحوذت على العمل المُسَلَّح في الميدان؛ نظرًا لاستعدادها المادي والمعنوي، فقد قدر عدد مقاتليها سنة 1993 بنحو 22 ألف مقاتل.

الحركة من أجل الدولة الإسلاميَّة (MEI) Mouvement pour l'ةtat islamique: أسسها السعيد مخلوفي، صاحب بيان العصيان المدني سنة 1991 ، عملت بمفردها في العاصمة في منطقة القبائل وبعض مدن الغرب الجزائري، ثم انضمت إلى الجماعة المُسَلَّحة بعد المصادقة على وثيقة وحدة الجهاد واحترام الكتاب والسُّنَّة، التي أعلن عنها في 13 مايو 1994، لكن هذا التحالف لم يدم طويلًا بعد الخلاف مع أمير الجماعة جمال زيتوني، فانفصلت الحركة لتستقر بالغرب، لكن الخسائر التي لحقت بها؛ جراء الحصار، والوجود المكثف لقوات الأمن، حال دون مواصلتها العمل المُسَلَّح ().

_ جماعة «الباقون على العهد» 1997-1991، وهي قريبة من قمرالدين خربان، قادها سليمان محرزي المكنى «أبوعبد الرحمن أبوجميل» العائد من البوسنة، بعدما تدعمت صفوفها في سنة 1994 بالهاربين من سجن تازولت، بدأت في النشاط وتبنت عمليات عدة إرهابيَّة تم نشرها عبر جرائد في أوروبا «نور الصباح وصوت الجبهة في بريطانيا»، خلال مشوارها اختلفت كثيرًا في التوجه الفكري وطريقة العمل المتبعة من طرف الجماعة المُسَلَّحة، كما لم تهضم سياسة الأرض المحروقة، فانسحبت وأعلنت الولاء للجماعة الإسلاميَّة للدعوة والقتال تحت قيادة حسن حطاب.

_ الجماعة الإسلاميَّة المُسَلَّحة (GIA):1993-1992 Groupe islamique armé تكونت من مجموعة من الفرق المُسَلَّحة التي كانت متناثرة هنا وهناك، والتي تم توحيدها، وأعلن عن ميلاد الحركة تحت قيادة موحدة، أوكلت مهمتها في البداية إلى موح ليفي؛ لتنطلق عملية التجنيد من الأحياء الشعبية والأقربين لربح الوقت في التعبئة، والبحث عن المعلومات اللازمة لبدء النشاط الإرهابي؛ لأن قيادة الحركة تقدر أن طبيعة العمل المُسَلَّح أو المهمة المراد تنفيذها لا تتطلب تكوينًا، وإنما جاهزية العناصر في أقرب وقت، وتعتبر هذه الجماعة حركة عسكريَّة دينيَّة من أكبر الجماعات الدمويَّة، خاصة في مرحلة إمارة الطيب الأفغاني، وعنتر زوابري().

«تيار الجزأرة» يمثل صيغة محلية لتيار «الإخوان» العالمي، الذي كان ينشط منذ السبعينيات بزعامة الشيخ محمد السعيد.

_ الجبهة الإسلاميَّة للجهاد المُسَلَّح (FIDA) Front Islamique du Djihad Armé: أُسِّسَت سنة1993 ، زعيمها أبوالفيدا، تعتبر جماعة نخبويَّة، مستقلة في الفكر والمنهج، تمثل الجناح المُسَلَّح لتيار الجزأرة. من مميزاتها العمل في السريَّة التامة، واستهداف فئة معينة من المجتمع -المثقفين، الشخصيات السياسيَّة- وتعتبر عملها هذا يدخل في إطار الجهاد؛ لأنها باقية على عهد الـFIS، بعد خلاف حاد مع الجماعة المُسَلَّحة GIA، دخلت في صراع تسبب في تحطيم قواعدها، وقتل الكثير من عناصرها؛ ما أجبرها على التوقف عن العمل المُسَلَّح سنة1997 ، والانضمام إلى الجيش الإسلامي والرابطة الإسلاميَّة.

_ الجيش الإسلامي للإنقاذ AIS 1999-1994: وهو الجناح المُسَلَّح لجبهة الإنقاذ، وتم إعلانه في بيان 18 يوليو 1994 بعد اجتماع خلية الأزمة في باتنة، وتم تعيين مداني مزراق أميرًا وطنيًّا، و«بن عائشة» منسقًا جهويًّا، يمثل الجهاد بحد السيف في عقيدتهم الوسيلة الأنجع لبسط الإسلام، وإعلان الدولة الإسلاميَّة، وتعيين قادة الجبهة الإسلاميَّة أوصياء على الأمة برتبة خليفة، لكن لا يعتبرون أنفسهم إرهابيين؛ لأن الهدف سياسي وليس مسلحًا؛ ما تسبب في خلاف حاد مع قيادة GIA نتج عنه تناحر واقتتال بينهم دام لسنوات، فقدوا فيه الكثير من العناصر.

_ الرابطة الإسلاميَّة للدعوة والجهاد LIPC أُسِّست في 7 فبراير 1997، على يد علي بن حجر، والشيخ محفوظ رحماني، بعد مدة من العمل المُسَلَّح وقع خلاف فيها مع الجماعة المُسَلَّحَة، فدخلت الرابطة في اتصالات مع السلطة، الذي انتهى في سنة 2000بقبولها الإقلاع عن العمل المُسَلَّح، والاستفادة من إجراءات العفو.

_ الجماعة السلفيَّة للدعوة والجهاد GSPC تشكلت هذه الجماعة في 14 سبتمبر 1998؛ إثر خلاف بين عنتر زوابري الأمير الوطني للجماعة الإسلاميَّة، وقيادة المنطقة الثانية «العاصمة والقبائل»، بزعامة حسان حطاب، الذي أعلن انفصال جماعة القبائل بمختلف تشكيلاتها عن الجماعة الأم، وانطلق في النشاط متبنيًا أيديولوجيَّة قائمة على رفض مبدأ الهدنة والاستسلام، وتعتبر المؤسسة العسكريَّة من أكثر الأهداف المخطط لها، أهم تشكيلاتها «جماعة الفرقان والهدي»، كما كانت لها اتصالات عدة في الخارج للتمويل، وكانت تستعمل المنشورات الدينيَّة الصادرة في الخارج لتعرف بنفسها، حتى تعرفت على قيادة القاعدة. وبعد خلاف حادّ حول طريقة العمل تم عزل حسان حطاب، واستُخْلِفَ بعبدالمالك درودكال، المكنى «أبومصعب عبدالودود» قبل أن يتحول إلى زعيم جهوي للقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي منذ2007 ، وينشط تحت إمارته أهم وأقوى الكتائب الإسلاميَّة المُسَلَّحة ().

_ المرابطون: اندمجت جماعة «الموقعون بالدم» بزعامة مختار بلمختار في 2013 مع «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، وهي إحدى المجموعات الإرهابيَّة التي سيطرت على شمال مالي، بين خريف 2012 ومطلع 2013؛ لتولد بذلك جماعة «المرابطون».

وينشط «المرابطون» في منطقة شمال مالي وجنوبي الجزائر والنيجر وموريتانيا، وأغلبية عناصره من العناصر السابقة في تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وهو كان مسؤولًا عن الهجوم على منشأة الغاز تيقنتورين في عين أميناس جنوبي الجزائر، في 16 يناير 2013.

_ جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»: أُسِّسَت في مارس 2017، بعد اندماج أربع جماعات متطرفة مُسَلَّحَة تنشط جميعها في شمال مالي، وهذه الجماعات هي: «إمارة الصحراء» التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وجماعة «المرابطون» التي يقودها الجزائري مختار بلمختار، و«أنصار الدين» التي يقودها إياد أغ غالي، وجبهة «تحرير ماسينا».

الجماعات الإرهابيَّة

 

ب_ الحركات المتطرفة المُسَلَّحَة بالمغرب:

في المملكة المغربيَّة كانت شرارة البداية لهذه الأزمة، بعد اغتيال السياسي مهدي بن بركة (زعيم حركة العالم الثالث والوحدة الأفريقية) في سنة 1965 وأمام صمت وتسامح السلطات عن نشاط الإسلامويين، ثم حدثت عملية إرهابيَّة ثانية لا تقل أهميَّة عن الأولى، وهي اغتيال المعارض السياسي عمر بن جلول سنة 1975 من طرف حركة الشبيبة الإسلاميَّة؛ حيث حكم على قادتها، كمال إبراهيم بالسجن المؤبد، وعبدالكريم مطيع بالنفي إلى أوروبا، وبعد هذين الحدثين بدأت تظهر تنظيمات إلى الوجود، وبدأ العنف يأخذ مجراه من خلال تنفيذ عمليات إجراميَّة من وقت إلى آخر () ورغم ذلك بقيت المملكة المغربية لسنوات طويلة في منأى عن الحركات الإرهابيَّة، حتى سنة 2003أحداث الدار البيضاء؛ حيث أخذ التطرف الديني منعرجًا خطيرًا؛ حتى أصبح الحديث عن المشكلة الأمنيَّة على كل لسان، وفرض الإرهاب نفسه، وشغل الرأي العام، الذي بات يتساءل عن هوية هؤلاء المجرمين، ورغم الاختلاف في التسمية؛ الهجرة والتكفير أو السلفيَّة الجهاديَّة وغيرهما، فإن الإرهابيين كانوا يشتركون في عقيدة الإجرام الأعمى الذي أباح لنفسه سفك دماء الأبرياء، واستحلال أموالهم، وإهدار أرواح المخالفين لمبادئه مادام المجتمع يعيش جاهليَّة ما قبل الإسلام؛ ما أتاح له تكفير الشعب حكامًا ومحكومين؛ لاحتكامهم إلى القوانين الوضعيَّة.

وأدركت السلطات المغربيَّة خطر نفوذ الفكر المتطرف الإرهابي، فانطلقت في حملة اعتقالات واسعة مست الجماعات التي تنشط بالداخل، وكذلك التي يرتبط نشاطها بالإرهاب الدولي ضمن تنظيم القاعدة. () وما زاد من خطورة الوضع هو أن نشاط الخلايا النائمة تزامن مع الأزمة الأمنيَّة، التي تعصف بالدولتين المجاورتين؛ ليبيا وتونس.

أهم هذه الحركات:

_ الجماعة السلفيَّة الجهاديَّة: هذا التيار الراديكالي ينسب نفسه إلى أهل السنة والجماعة، وهو قريب من القاعدة بقيادة عمر الحدوشي ويوسف فكيري، معظم عناصرها أعضاء سابقون في حركة الشبيبة الإسلاميَّة قبل حلها، ظهرت إلى الوجود في التسعينيات بعد غزو أفغانستان؛ حيث أصدر زعيمها فتوى بالجهاد، وكانت لهم يد في أحداث الدار البيضاء لسنة 2003.

_ جماعة الصراط المستقيم: أُسِّست في سنة 1996 على يد زكرياء الميلودي، وإبراهيم فردوس، وبعض العناصر العائدة من أفغانستان، كل أفكارها تدور حول تكفير النظام والمجتمع، ومن ثم إباحة دمائهم، فموت الطغاة بمن فيهم المسلمون، حتى وإن كان مُحَرَّمًا في القرآن فهو حلال؛ لأن المؤسسات النظامية ليست شرعية، تعتمد في تجنيد الشباب المقيم في الأحياء الفقيرة والمهمشة، وتستعمل لتوعيتهم الدروس المسجدية، وأشرطة الجهاد والتدريب الرياضي قبل البدء في النشاط، تستعمل كل الطرق غير الشرعيَّة للوصول إلى أهدافها؛ تجارة المخدرات، السرقة. ولها فروع عدة في الدار البيضاء، وفاس ووتطوان وأغادير.

_ جماعة الهجرة والتكفير: أُسِّست سنة 1983 على يد محمد داود الخملي، بعد انفصاله عن مجموعة كبيرة من تنظيم الشبيبة الإسلامي، واتبعت نهج جماعة الإخوان، تنشط في الأماكن الآهلة بالسكان الفقيرة في مدن مراكش، وفاس، وسالي، والناظور، وجدة وطنجة، لا تختلف عن الصراط المستقيم من حيث المبدأ «الجهاد في سبيل إقامة الدولة الإسلاميَّة بقوة السلاح»، اعتقل زعيمها وغالبية أعضائها بعد أحداث الدار البيضاء.

الجماعة الإسلاميَّة المغربيَّة المقاتلة تكونت في أفغانستان من طرف عبدالكريم لمجاتي، وتضم مجمل قدماء المحاربين في أفغانستان، من أبرزهم: زكريا موساوي الانتحاري رقم 20 في تفجيرات سبتمبر2001 ، ومنير المتصدق أو عبدالغني المزودي مؤسسا خلية فرانكفورت بألمانيا، كما تضم بعض النشطاء في الداخل، أدرج اسمها في القائمة الموحدة العالميَّة للحركات الإرهابيَّة في 10 أكتوبر 2002، لها ضلع في العملية التي شهدتها الدار البيضاء سنة 2003 ومدريد2004 ().

_ حركة مجموعة شهداء من أجل المغرب: بزعامة محمد أشرف الدين المقيم بسويسرا، وله علاقة مع العديد من الإرهابيين في دول أوروبية أخرى كبلجيكا وهولندا وفرنسا، هذه المجموعة تتغذى من الداخل والخارج، وأصبحت نقطة تهديد للدول المجاورة في المغرب وأفريقيا وأوروبا.

_ حركة أنصار الإسلام المُسَلَّحَة في الصحراء بلاد الملثمين: تبنت تفجيرات الدار البيضاء والجزائر سنة 2007 (تفجيرات الدار البيضاء بالمغرب 11مارس 2007 التي أسقطت مفتشي شرطة في حي سيدي مومن وحي الفرح بالدار البيضاء، وأحداث الجزائر 11 ديسمبر 2007 التي راح ضحيتهما 50 قتيلًا وجرح 177 في انفجارين، الأول وسط الجزائر العاصمة قرب المحكمة الدستورية العليا، والثاني قرب مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومركز شرطة في حي حيدرة(، وفي بيان بعنوان «نحن قادمون»؛ حيث دعت فيه كل الإرهابيين الموجودين في إقليم الدولتين إلى تنفيذ الأعمال التي تقررها قيادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

_ الجماعة الإسلاميَّة للتوحيد والجهاد بالمغرب: بزعامة أبو جهاد المغربي، فكما تتعامل الجماعات المُسَلَّحَة في المملكة المغربيَّة مع العديد من الجماعات التي تنشط في السر، مثل جندالله التي تنشط في الأوساط الطلابيَّة في جامعة فاس وجامعة وجدة وجامعة مراكش، وجماعة «المجاهدون» الذين ينادون بإقامة دولة إسلاميَّة من خلال الخطابات الدينية والتواصل مع الجمهور من الطبقات المحرومة، كان لهذه الأخيرة يد في انتفاضة «الخبز والكرامة» 19 يناير 1984 على غرار الصراع السياسي، الذي كان قائمًا آنذاك بين أحزاب المعارضة والقصر.

ويلاحظ في مواقف الجماعات المُسَلَّحَة الناشطة بالمغرب أنها تتوافق في طريقة التجنيد والتوعية، والخطب المسجدية، والمنشورات، والزيارات، والخراجات، والمساعدات المادية كما تتفق في الفتوى التي أطلقوها على النظام السياسي بالمملكة، «أن الاحتكام إلى الدستور والقوانين الوضعيَّة شرك بالله، وعليه وجب الخروج على الحاكم وتكفير المجتمع وإعلان الجهاد عليهم».

الجماعات الإرهابيَّة

 

ت_ الحركة المُسَلَّحة في تونس:

يرى العديد من المحللين أن النظام التونسي) السلطة والشعب (كان يبدو عليه في الظاهر رفض كل ما هو سلفي، ويتجلى ذلك من خلال نمط المعيشة في البلاد على الطريقة الغربيَّة، إلا أن العمليَّة الإرهابيَّة التي استهدفت معبدًا في مدينة جربة سنة2002 ، كشفت العديد من الأسرار، من جهة تبيّن أن الجماعة المقاتلة التونسيَّة كانت تنشط في سريَّة تامَّة في الداخل ولها امتداد في الخارج، ومن جهة أخرى فإن أبرز العمليات التي نفذها القاعدة في الخارج، كان أبطالها تونسيين:

_ اغتيال قائد التحالف الأفغاني شاه مسعود، في 9 سبتمبر 2001، من قبل التكفيري التونسي طارق معروفي.

_ تفجير قبة الإمامين الهادي والعسكري في العراق بتاريخ 22فبراير 2006، (أبوقتادة التونسي من تنظيم القاعدة).

_ هجوم مدريد 2004 كان العقل المدبر له هو التونسي سرحان فخيت.

 

وتغير الوضع بعد الثورة التونسيَّة؛ إذ بدأت الممارسة السياسيَّة للحركات الإسلامويَّة تظهر إلى العلن؛ حيث تسلل العديد منها في غفلة من الجميع، مستغلةً ظروف الثورة، وبذلك تدعم حقل الدعاية بالعديد من الحركات والتيارات والجبهات الإسلاميَّة الراديكالية،() وعلى الصعيد الخارجي وبحسب الأرقام المتداولة، فإنه تم إحصاء أكثر من 500 تونسي من حاملي لواء الجهاد في سوريا، كما تم التعرف على الكثير منهم ممن شاركوا تحت تنظيم القاعدة في الحروب بأفغانستان، والعراق وشمال مالي ()، هذا ويبقى عدد المنخرطين في التيار المتطرف في تزايد، في حين ظلت السلطة تتعامل بأسلوب التساهل، الذي يعقد الأمر.

وما يميز النشاط السياسي في هذه المرحلة هو بروز الخطاب الديني التوعوي والسياسي بلغة العنف، وكتأكيد وبشكل لا يقبل الشك، فإن تنظيم القاعدة في المغرب قد أوفد بعض العناصر من الأصول المغاربية؛ للإسهام في الثورات؛ إذ استطاع في فترة زمنيَّة وجيزة عن طريق أنصار الشريعة () وحزب التحرير الإسلامي الذي له امتداد في الخارج، التحكم في نسبة كبيرة من المساجد والأتباع، وأصبحت مطالبهم تدعو إلى خلق فضاء إسلامي في الجوانب الاقتصاديَّة، السياسيَّة، كعدم الاختلاط في المدارس والمستشفيات، وإلغاء القروض الربوية، وتقديم المعدات للسكان في العديد من المدن التونسيَّة، وهذا تمهيد لقيام نظام الخلافة، مع الاعتماد على التوجيه والتحضير الفكري للقيام بالجهاد ضد كل من لم يطبق الشريعة، إذا اقتضى الأمر.

والمشهد التونسي اليوم المليء بأحداث إرهابيَّة دامية؛ حرق، تخريب، قتل، يوحي بأن هناك مجموعات إرهابيَّة كانت جاهزة للبدء في العمل الإجرامي في حين كانت الجماعات السلفيَّة تحضر نفسها للدخول إلى ساحة المعركة؛ ما ينبئ بتدهور الوضع الأمني على غرار ما عاشته الجزائر في المرحلة الأولى من تكوين الجبهة الإسلاميَّة الإنقاذ.

 

أهم هذه الحركات:

_ جمعية أنصار الشريعة: بعد الإطاحة بنظام «بن علي»، أطلق سراح سيف الله بن حسين المعروف باسم «أبوعياض التونسي»، أحد رواد السلفيَّة الجهاديَّة وقيادي بارز في تنظيم القاعدة سابقًا، الذي لم يلبث أن نظم مؤتمرًا شعبيًّا حضره المئات من مناصري التيار الإسلامي في أبريل 2011، وأعلن تأسيس الحركة، ومن مبادئه تحريض الأفراد على الانضمام إلى الجهاد، وأنذر في العديد من المناسبات النظام التونسي من مغبة حرب قد يعلنها الإرهابيون، () وما تشهده الساحة التونسيَّة من أحداث إرهابيَّة تورط فيه أعضاء الحركة، ويعتبره العديد من الملاحظين أنه بداية عهد السلفيَّة الجهاديَّة.

_ الجماعة الإسلاميَّة التونسيَّة المقاتلة: أُسِّست سنة 2000على يد كل من سيف الله بن حسين، وطارق معروفي، في أفغانستان وقدمت الولاء لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وبدأت النشاط الجهادي في إطار التوجه العام للقاعدة، كما قامت بتجنيد متطوعين تونسيين؛ للتدريب في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان، وبعد العودة إلى تونس سجل المتطرفون الجدد بصماتهم في العديد من العمليات الإرهابيَّة، التي شهدتها تونس، كما فرخوا العديد من الخلايا النائمة المتطرفة في أوساط الجالية التونسيَّة، المقيمة في فرنسا وإيطاليا ولكسمبورغ وهولندا والمملكة المتحدة.

_ حزب التحرير الإسلامي: ظهرت سنة 1983 على يد محمد جربي، والطاهر العيادي، ومحمد فاضل شطارة، وكانوا يخططون للاستيلاء على السلطة، وتأسيس الخلافة الإسلاميَّة، واستطاعوا من خلال نشاطاتهم التوعوية استقطاب العشرات من العسكريين الناقمين على النظام، الذين تورطوا في تمويل الحزب بالذخائر الحربية، والأسلحة الخفيفة، بعد فترة وجيزة فطن النظام إلى تحركات العديد من العسكريين المشبوهة، فقام باعتقالهم وبعد الاستنطاق تمت ملاحقة معظم قيادي حزب التحرير بتهمة تشكيل جمعية سياسية والتحريض للانقلاب على نظام الحكم، وأصدرت المحكمة العسكرية أحكامًا بالسجن على قادتها، كما قامت الأجهزة الأمنية بعملية توقيف في صفوف الحزب سنة1990؛ بتهمة توزيع منشورات في المساجد بعنوان الخلافة، وكانت هذه العملية بمثابة الضربة القاضية التي قضت على الحزب في وقت مبكر من تاريخ الحركة الإسلاميَّة التونسيَّة.

_ طلائع الفداء: جماعة إسلاميَّة مُسَلَّحَة أُسِّست في السر من طرف محمد حبيب الأسود؛ لمقاومة النظام العلماني للرئيس الحبيب بورقيبة، وبعد اكتشاف نشاطها عام 1987 اتهمت بالتخطيط لقلب نظام الحكم وإقامة دولة إسلاميَّة، وتم اعتقال كل نشطائها، وصدرت في حقهم أحكام ردعية قاسية، وبعد تولي زين العابدين بن علي مقاليد الحكم، صدرت قرارات بالعفو في حق العديد من السجناء، من بينهم أعضاء الجماعة الذين عادوا إلى النشاط من جديد، لكن في ثوب النشاط المعتدل ().

_ جند الخلافة بتونس: أُسِّست على يد سيف الدين الجمالي، وظهرت لأول مرة عام 2014 في الجزائر، حين انشقت قيادة المنطقة الوسطى عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وبايعت تنظيم «داعش» وزعيمه «أبوبكر البغدادي»، واتخذت من الجبال الحدوديَّة بين الجزائر وتونس مجالًا لنشاطها، لكن البداية الفعليَّة لتنفيذ عملياتها في تونس كانت في عام 2015، عندما تبنت عملية ذبح أحد أعوان الأمن بمحافظة زغوان أثناء عودته إلى منزله.

ويتركز نشاط هذا التنظيم في تونس اليوم في جبال المغيلة وسمامة والسلوم غرب تونس، وهي مناطق وعرة ذات غابات كثيفة تصعب مراقبتها في بعض الأحيان من قبل أجهزة الأمن، تتخذها عناصره مجالًا للتنقل والتخطيط والتدريب، وقد نجحت هذه المجموعة في السنوات الأخيرة في استقطاب عدد من العناصر الجهاديَّة من تونس والجزائر، ولا يعرف العدد الحقيقي لهم، لكن التقديرات الأمنيَّة تشير إلى أنهم بين 20 و35 عنصرًا.

الجماعات الإرهابيَّة

 

 

ث_ الحركة المُسَلَّحَة في ليبيا:

فرض الحصار وإطباق الخناق على ليبيا من الخارج؛ بسبب قضية «لوكربي» وأمام تأزم الوضع الاجتماعي والاقتصادي داخليًّا، حاول النظام كسب الإسلاميين، من خلال إطلاق سراح المعتقلين من حركة التحرير الإسلامي، لكن ما لبث أن أعاد النظر في سياسة الصلح، وجدد الرقابة على النشاط الديني؛ ما أثار حفيظتهم، فدخلوا في مشادات بالسلاح مع النظام في كل من بنغازي، مصراته وأجدابيا في بداية سنة 1989، كما قاموا باغتيال العديد من الأبرياء في أوساط المسؤولين؛ ما شجع النظام على القيام بعملية اعتقال، مست الكثير من الناشطين الإسلاميين، والزج بهم في السجون، وفرض رقابة شديدة على كل ما له علاقة بالنشاط الديني.

أما اليوم، وبعد سقوط نظام معمر القذافي، فمازالوا يتحكمون في زمام الأمور، ويرفضون تسليم السلاح بغية إقامة إمارة إسلاميَّة (). وإذا أضفنا إلى هذا المشهد، الرسالة القويَّة التي بعثت بها الجماعات الجهاديَّة المُسَلَّحَة في ليبيا إلى الدول الكبرى، من خلال العمليات الإرهابيَّة التي طالت مصالحهم، كالهجوم على القنصليَّة الأمريكيَّة في بنغازي، الذي أدى إلى مقتل السفير الأمريكي لدى ليبيا، كريستوفر ستيفنز في 11 سبتمبر 2012، فإنه يمكن القول: إن منطق القوة الذي فرضته الحركات المُسَلَّحَة سوف يجلب لليبيا متاعب في علاقتها الإقليميَّة والدوليَّة، وهنا يبقى الوضع مفتوحًا على كل الاحتمالات، خاصة أن الأسلحة المهربة من مخازن الجيش أصبحت محل قلق المجتمع الدولي.

إذ إن الجماعات المُسَلَّحَة المسيطرة الآن في ليبيا تنقسم، إما إلى كتائب جهويَّة تتبع مدينة أو قبيلة «كتيبة شهداء بوسليم، وكتيبة رأف الله السيحاني»، وإما إلى كتائب يجمع بينهم الفكر العقائدي «حركة أنصار الشريعة، وكتيبة عقبة بن نافع»، وتتمركز معظم الجماعات الإرهابيَّة في المناطق الشرقية والغربية، أما المنطقة الجنوبية من ليبيا فأقيمت بها مراكز لتدريب الإرهابيين المحليين والوافدين من الدول المجاورة، قبل ترحيلهم للحرب ضد القوات الفرنسيَّة في شمال مالي، أو لمؤازرة جبهة النصرة في سوريا ().

 

أهم هذه الحركات:

_ الحركة الإسلاميَّة الليبية المقاتلة: أدرج اسمها في القائمة الموحدة العالميَّة للجماعات الإرهابيَّة في 6 نوفمبر 2001، تحمل الفكر السلفي الجهادي، وتعتبر من أقوى الجماعات المُسَلَّحَة في ليبيا التي اعتمدت خيار التغيير بقوة السلاح لإسقاط النظام، نشأت عام 1982 من طرف مجموعة من الشباب الذين عادوا من أفغانستان؛ حيث شكل المُسمى «علي العشبي» النواة الأولى برفقة 8 آخرين، ورغم الحضور المحتشم في الساحة، فإنهم قاموا بعمليات إرهابيَّة في أماكن عديدة، استهدفت خاصة مواقع مدنية وأمنية، لكن يقظة أجهزة النظام كانت لهم بالمرصاد، واستطاعت القضاء على الكثير منهم، لكن هذا لم يمنع أحد الجهاديين «عوض الزواوي»، إعادة تشكيل الجماعة سنة1989 ، لكن اعتقاله أحال دون بلوغ الهدف المنشود. ومن أبرز قياداتها: أبوفرج الليبي، وأبويحيى الليبي، وعبدالحكيم بلحاج، الذي أصبح رئيس المجلس العسكري بطرابلس وعضوًا في المجلس الانتقالي الليبي ().

_ الجماعة الإسلاميَّة المقاتلة في ليبيا: قامت على أنقاض الحركات المُسَلَّحَة السابقة التي لم يكتب لها النجاح في العمل، وأبقت على النهج العام لحركات الجهاد المُسَلَّح، وتم الإعلان عن تأسيسها في بيان صدر 18 نوفمبر 1995 من طرف عبدالحكيم الخويلدي، وسامي مصطفى الساعدي المنظِّر الشرعي. ومن أهم المبادئ التي يؤمن بها أصحاب هذا التوجه أنهم أعدوا العدة من خلال تجهيز الأفراد تجهيزًا كاملًا، والعمل في السرية بعيدًا عن أنظار النظام، وبث روح الجهاد، وتحريض المؤمنين على القتال للجهاد، وعلى رأسهم الطواغيت، وانضمت الجماعة إلى القاعدة في إطار التنظيم الجديد الذي أعلن عنه أيمن الظواهري في نوفمبر 2007 «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».

_ أنصار الشريعة: نشأت في ظل الحركات السلفيَّة الجهاديَّة التي ظهرت في ليبيا في فبراير2012 ، وانقسمت إلى فرعين؛ فرع ببنغازي بقيادة محمد الزهاوي المدعو أبوسليم، وفرع بدرنة بقيادة أبوسفيان بن قامو، تركز في نشاطها العمل على محاربة أعداء الإسلام في الداخل، كما تحاول أن تكون مستقلة عن التنظيمات المُسَلَّحَة العالميَّة.

الجماعات الإرهابيَّة

 

 

الخلاصة:

التحول الذي شهدته الحركات الإسلاميَّة في دول المغرب العربي، مبرره الحقيقي هو أن العنف السياسي في الفكر الإسلامي فكرًا وعقيدةً ووسيلةً للوصول لما يسمونه الدولة أو الخلافة الإسلاميَّة، على حسب التيار الذي ينادي بذلك، وهذا الاتجاه أوجد أفكارًا متطرفة زرعت وسط الشباب والكثير من السجناء، الذين عبروا عن أفكارهم بعد خروجهم من السجن، وكونوا جماعات مسلحة.

ورغم إعلان الأنظمة عن سياسة المصالحة، وإجراء تغييرات وإصلاحات في العديد من الميادين، فإن الكبت والحقد اللذين تولدا لدى الإسلاميين المتطرفين الناقمين، جعل العلاقة التي تحكمهم مع الأنظمة تخضع لمنطق القوة أكثر من العقل. وهذا التوتر جعل من معادلة علاقة الحاكم بالمحكوم مهمة صعبة التحقيق في دول المغرب العربي؛ لأن التهديد الذي عصف بالجزائر منذ بداية التسعينيات لم يلبث ليمتد، ويشمل كامل بلدان المغرب العربي، واستمر في التدمير إلى يومنا هذا، ولم يستثن أي جهة؛ الأنظمة، والشعوب، والأنشطة الاقتصادية؛ ما أثر سلبًا على المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية، أو الفكرية.

كما أن الحركات الإرهابيَّة في مجملها لم تنشأ بمحض المصادفة، ودون أي مقدمات، بل هي سلسلة متصلة من الأحداث والتحولات التي تمر خلالها مجموعة من عناصر إحدى فئات المجتمع؛ فهي قد تبدأ مجموعة صغيرة من الناس ممن لديهم بعض الأفكار أو الأطماع أو المطالب، فيعبرون عنها بأساليب وأطر مختلفة، ثم ما تلبث تلك المجموعة حتى تنقسم على نفسها لأسباب مختلفة، مكونة مجموعات أخرى، تلجأ إلى استخدام العنف للتعبير عن مطالبها، وعادة ما يكون هنالك عدد من الأشخاص ممن لديهم حماس وتعاطف قوي تجاه تلك المطالب؛ إذ يستمرون في احتجاجاتهم ومطالبهم، مستخدمين طرقًا عدة، تقود البعض منهم في النهاية إلى التحول للعمل السري، بعيدًا عن رقابة أجهزة الدولة.

وعند الوصول إلى هذه الحالة، فإن المجموعة التي لجأت للعمل السري لا تلبث حتى تبدأ في استخدام الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها، بعد ذلك يتفرع من هذه المجموعة التي اتخذت خيارها الاستراتيجي بالعمل السري مجموعة أخرى أكثر تطرفًا وعنفًا؛ حيث لم تعد تستخدم الإرهاب كوسيلة فقط، بل يصبح الإرهاب بالنسبة لها هو الوسيلة والغاية في الوقت نفسه.

"