«سيدي الأربعين».. أسطورة صوفية صنعها الخيال المصري
الجمعة 03/أغسطس/2018 - 12:58 م
المقام
سارة رشاد
بين مصر والسودان، قضى متصوفة أفارقة أعمارهم في قطع مسافات تصل إلى مئات الكيلو مترات، في طريق يعرف بـ«درب الأربعين»، يربط أرض الكنانة بالقارة الأفريقية.
ليس الدرب وحده الذي يعرف بهذا الاسم، فثمة عشرات من مقامات «الأربعين» موزعة بطول الجغرافيا المصرية، بعض هذه المقامات مجهولة، ويقتصر مُريدوها على بضع عشرات بقرية ما، أما أبرزهم فيستقر بمحافظة السويس ويجذب في منتصف شعبان من كل عام مئات الآلاف من المريدين.
ورغم عدم وجود تقدير رسمي من قبل أي جهة صوفية بعدد المقامات الحاملة لاسم «الأربعين» بمصر، أو تدقيق لسبب التسمية؛ فإن معتقدًا ساد بين المتصوفة المصريين يذهبون فيه إلى أن ثمة أربعين مقامًا يحملون نفس الاسم.
وبعيدًا عن مدى دقة هذه المعتقدات، إلا أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن يدور حول هوية هذا الشيخ، وهل بالفعل هو شخصية حقيقية أم أنه من صنع الخيال؟
الروايات المترددة عن «الشيخ الأربعين»، المسجى جسده بمحافظة السويس؛ (حيث المقام الأشهر بالمحافظة)، تشير إلى أنه شيخ قدم إلى مصر من شمال أفريقيا، إبان حفر قناة السويس بالسخرة.
وتضيف الروايات، أن الشيخ كان يُدعى «عبدالله»، واعتاد الوقوف بين المصريين العاملين بعمليات الحفر للتخفيف من آلامهم، وتعريفهم بأمور دينهم، وعندما مات دفن بمحل سكنه الذي تحول بمرور الوقت لمقام، ثم مسجد شهير، ورغم قناعة المتصوفة بهذه الروايات، فإنها لا تجيب عن سؤال أكثر أهمية من غيره: لماذا سُمي الشيخ عبد الله بـ«الأربعين»؟
المؤرخ المصري، جمال الغيطاني
ويفتح هذا الاسم الباب أمام تفسيرات أخرى؛ إذ ذهب الروائي والمؤرخ المصري، جمال الغيطاني، في كتابه: «منتهى الطلب إلى تراث العرب»، (القاهرة: دار الشروق،1997)، إلى أن «الأربعين» هو شخصية وهمية صنعها الخيال المصري، مبررًا بذلك ظنه بأن هناك ثمة علاقة بين اسم «الأربعين»، والأسطورة الفرعونية «أوزيريس»، الذي قطّعه أعداؤه إلى أربعين قطعة ووزعوها في أماكن متفرقة حول الوادي؛ ليقام محل كل قطعة بيت للعبادة.
ويضيف «الغيطاني»، «يمكن ملاحظة عدد كبير من الأضرحة تنتشر في الريف المصري والمدن المصرية، كل ضريح منها يسمى بـ"سيدي الأربعين"، وربما يمكن القول إنه لا تخلو مدينة مصرية من "سيدي الأربعين" ومعظم هذه الأضرحة نُصب رمزية خالية، نُصب رمزية لشيء أعمق وأكبر يستقر في وجدان الشعب المصري».
مولد سيدي الأربعين
وكان لـ«أحمد أمين»، من خلال موسوعة «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية»، الصادرة عام 1953، لأحمد أمين، تفسير آخر، إذ قال عنه: «عند المصريين شيخ مشهور يسمى سيدى الأربعين، يدعون أن له أربعين مقبرة كناية عن الكثرة، وليس المراد بها العدد المخصوص، والسبب أن صاحب بيت إذا وجد وجد ناس " يبولون" فى ركن من أركان بيته أو حارته فمنعهم فلم يقبلوا، احتال بين ليلة وضحاها فادعى أن هذا المكان هو سيدى الأربعين وبني ضريحًا صغيرًا، وادعى أن فيه شيخًا فامتنع الناس عن البول فى هذا المكان ولذلك تراه كثيرًا فى أركان القاهرة».
وإن كان ذلك يشير إلى استغلال بعض العامة لقضية الأولياء، إلا أن رواية أخرى تاريخية تقول إن «الأربعين» لم يكن شخصًا واحدًا، بل كانوا أربعين فردًا جاءوا السويس من شمال أفريقيا، وتوزعوا في أكثر من مكان بمصر، وكلما مات أحد منهم دُشن له مقام وسمي بـ«مقام سيدي الأربعين».
فيما تشير رواية أخرى إلى أنه شيخ واحد عُرف عنه كثرة السفر والترحال، حتى إنه أقيم له في كل مكان زاره مقام.
ويشار إلى أن الرقم أربعين يحظى بقدسية في العقلية العربية والمسلمة، إذ يقام كل عام عقب ذكرى عاشوراء بأربعين يوم مسيرات بسوريا والعراق تدعى «مسيرة الأربعين».
و«عاشوراء» هو يوم مقتل الإمام الحسين، وتقام المسيرات عقبه بأربعين يوم لإحياء ذكرى الأربعين لموت الإمام الحسين.





