ad a b
ad ad ad

الجناح العسكري للإخوان.. تسعون عامًا من صناعة القتل

الخميس 28/يونيو/2018 - 02:11 م
المرجع
دعاء إمام
طباعة
بينما يتوافد نفرٌ من الناس على أحد مساجد القاهرة في نهاية أربعينيات القرن الماضي، يخلعون نعالهم ويصطفون لسماع خطبة الجمعة، صعد شيخ سبعيني على المنبر الذي يتصدر المسجد، متوكئًا على عكاز خشبي، بدا الخطيب كمريض تقيمه عصاه، ثم صرخ فيهم بصوت جهوري وجسد يرتج داخل جلبابه، يدعوهم لإحسان العبادات دون أن يوجه الجلوس إلى الجهاد الدائر في فلسطين وقتذاك.

 مصطفى صادق الرافعي
مصطفى صادق الرافعي
قُضيت الصلاة وماج الناس، فقامت فيهم مجموعة من الشبان يحملون صندوقًا خشبيًّا، ويطوفون على المصلين؛ لحثِّهم على التبرع لنصرة فلسطين.
 
أورد مصطفى صادق الرافعي (أديب مصري) تلك الواقعة في كتابه (وحي القلم) بعنوان «الأيدي المتوضئة»، في إشارة إلى شباب جماعة الإخوان (أسسها حسن البنّا عام 1928)، قائلًا: «سأل أحد الشيوخ: من أنتم يا بني؟ فقال نحن من جماعة الإخوان المسلمين».
 حسن البنّا
حسن البنّا
صناعة القتل
ضمن رسائل المرشد الأول حسن البنّا (1906-1949) لرجاله، كانت تلك التي أوصى فيها أصحاب الأيدي المتوضئة بأن يحسنوا صناعة الموت، فقال: «إن الأمة التى تُحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم.. واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لابدَّ منه، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً».

في كتابه «حقيقة النظام الخاص»، ردّ المؤلف محمود الصبّاغ (مؤرخ الجماعة)، العمليات المسلحة والاغتيالات التي نفذتها الجماعة إلى إحياء فريضة الجهاد، جاعلًا من آيات وأحاديث القتال ناموسًا يستند إليه الإخوان، دون النظر في ظروف وأسباب نزول تلك الآيات، ومن بعد القرآن والأحاديث، أورد وصية البنّا للنظام الخاص، وهي أن يحسنوا صناعة الموت، فتورطوا في حمل السلاح، وإزهاق الأرواح؛ تنفيذًا لوصية شيخهم

ورش تصنيع السلاح
إضافة إلى ما تقدم ذِكره، اعترف الصبّاغ باستغلال شقق وفيلات؛ لاستخدامها في تصنيع السلاح، في سياق حديثه عن دور الإخوان في حرب فلسطين 1948، قال: «لم يقتصر تفكير النظام الخاص على مجرد استعمال السلاح، بل صنع وطور عددًا من المتفجرات والساعات الزمنية المؤقتة للانفجار، واستخدمت بقوة وفاعلية ضد الصهاينة والإنجليز، وأمددنا بها الشهيد عبدالقادر الحسيني في حربه ضد اليهود».

ويقرُّ: «أنشأنا مصنعًا للبلاط ظاهريًّا، ولكنه كان عمليًّا ينتج هذه القنابل المبتكرة، وكان كل عماله من أعضاء النظام الخاص، فكان تمويلًا وغطاءً في الوقت نفسه، وقد كانت أودية الجبال البعيدة الآمنة ساحات للتدريب على استعمال السلاح».

لم يُخْفِ الصبّاغ دوافع النظام الخاص في تصنيع السلاح؛ إذ لفت إلى أن الأسلحة المهربة عن طريق الصحراء كانت تتعرض للرمال مما يفقدها الصلاحية؛ لذا أنشأ النظام عددًا من الورش داخل فیلات استؤجرت في حلمیة الزيتون (شرقي القاهرة). 

وتابع: «أنشأ النظام الخاص مصانع على شكل ورش في فیلات مستأجرة في حلمیة الزیتون والمرج، تتولى تنظیف الأسلحة المجموعة من الصحراء الغربیة من الرمال وتزییتها وضبطها قبل الاستخدام في المعركة».

تصفية الخصوم
السلاح البدائي الذي صُنع على أعين قيادات النظام الخاص، لم يستخدم لمقاومة الاحتلال فقط -كما زعموا- بل في الآن ذاته جعلوه أداةً للتنكيل بالخصوم، حتى لو من داخل الجماعة، ففي مطلع الخمسينيات دأب المرشد الثاني حسن الهضيبي (1950-1973) على تحجيم سلطات أفراد الجهاز الخاص، الذي أسَّسه البنّا في الأربعينيات، وتكوين نظام سري جديد يضمن ولاء أفراده له، من بين رجال الهضيبي، كان المهندس سيد فايز (صاحب قرار اغتيال فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر عام 1948).

بحلول نوفمبر 1953، قدّم أحد أفراد النظام السري القديم، علبة حلوى بمناسبة مولد النبوي، إلى شقيقة فايز، موصيًا بألا يفتحها سوى المهندس، وحين عاد فايز من الخارج وفتح العلبة انفجرت وقتلته هو وشقيقته وبعض المارة؛ إذ كانت العلبة تحوي بداخلها متفجرات بدائية من صنع الإخوان، وذاك الحادث تصفه موسوعة الإخوان الإلكترونية «إخوان ويكي» بأنه من أحط الجرائم.

في بابٍ معنون بـ«البحث عن السلاح والمال»، بيّن سيد قطب، مُنَظّر الجماعة (1906-1966)، رؤيته التي تشكلت حين كان نزيلًا في السجن الحربي (سجن عسكري يتبع وزارة الدفاع) في الفترة بين 1954 و1964، حول تكوين تنظيم سري عسكري؛ إذ دأب على تدريب المجموعات المنضمة إليه على حمل السلاح؛ نافيًا استخدام القوة إلا فيما يتعلق بما سماه «رد الاعتداء» على التنظيم.

وإثر ذلك، صُنّع سلاح محلي في بعض الورش؛ استعدادًا للتدريب على حمله والتعامل معه، وقال قطب في وثيقة «لماذا أعدموني»، التي كتبها قبل تنفيذ حكم الإعدام (1966): «نظرًا لصعوبة الحصول على ما یلزم من السلاح حتى للتدریب، فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلیًّا، والتجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلًا، ولكنها في حاجة إلى التحسین، والتجارب مستمرة».
سيد قطب
سيد قطب
النظام الخاص وتنظيم «65»
ثمة جوانب مشتركة بين تجربة النظام الخاص، ونظام 65 الذي تزعمه قطب، فقد نهل مُنظّر الجماعة من نفس منهل المؤسس، ورغم الاختلاف الفكري الذي يزعمه الإخوان بين البنّا وقطب، فإن منهاج كليهما يحثُّ على تصنيع وحمل السلاح

بعد إلقاء القبض على عناصر تنظيم 65، وإعدام سيد قطب برفقة زميليه «محمد يوسف هواش، وعبدالفتاح إسماعيل»، لجأ الإخوان إلى تهدئة الأوضاع؛ خوفًا من الملاحقات الأمنية، وفي هذا الصدد، يقول سامح عيد، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية: إن أواخر ستينيات القرن الماضي كانت هناك تفاهمات بين الإخوان والرئيس الأسبق جمال عبدالناصر (1956-1970)، بواسطة من المملكة العربية السعودية؛ الأمر الذي أدى إلى البُعد عن تصنيع وحمل السلاح خلال هذه الحقبة

وأضاف لـ«المرجع» أن العام الذي توفي فيه عبدالناصر لم يكن في السجون المصرية سوى 80 إخوانيًّا؛ ما يؤكد حدوث توافق بين الجماعة والنظام، ولفت إلى أن فترة الثمانينيات التي شهدت انفراجة للإخوان بتنصيب الرئيس محمد أنور السادات (1970-1981)، الذي أخرج قياداتهم من السجون بعفو رئاسي، وسمح لهم بحرية التحرك.

وتحدث عيد عن العقود الأربعة التي انشغل فيها الإخوان بترتيب وضعهم في الشارع المصري عن الاهتمام بتصنيع السلاح؛ إذ أكد أن تصعيد المرشد الثالث عمر التلمساني (1973-1986) تم باتفاق بين الجماعة والسادات، الذي اشترط عدم تنصيب أي من رجال النظام الخاص، حتى فترة الحرب الأفغانية (1979-1989) وسفرهم إلى أفغانستان، لدور إغاثي ولوجستي فقط، مع توجيهات بألا يقاتلوا بناء على اتفاق أمريكي سعودي مصري.

أما تسعينيات القرن الماضي، فتعاملت الدولة مع الإخوان على أساس استراتيجية عرقلة وليس منعًا، فبحسب عيد، كان الأمن يحوال إبطاء تقدم الجماعة وليس مواجهتها، بل انشغل عن الإخوان بمواجهة الجماعة الإسلامية التي تورطت في عمليات إرهابية شهدتها مصر، ومع مطلع الألفية الثالثة وجدت الجماعة ضالتها في مقاعد بعض النقابات والبرلمان.
محمد مرسي
محمد مرسي
إحياء العمل المسلح
ويفسر الباحث أسباب إحياء العنف بعد ثورة 30 يونيو 2013، التي ترتب عليها عزل الرئيس المنتمي إلى الجماعة، محمد مرسي (2012-2013)، بتحالف الإخوان مع الجماعات الجهادية المسلحة، التي أدَّت لرفض الحلول السلمية، لاسيما أن الجماعة عملت على شحن عناصرها ومؤيديها، فمارس الشباب عمليات عنف بدائية ليست احترافية إذا ما قورنت بالعمليات النوعية لتنظيم داعش

وفي ربيع العام 2013، نشرت صحيفة «الحرية والعدالة» المنبثقة عن حزب يحمل ذات الاسم، ويمثل الذراع السياسية للجماعة، حلقة من مذكرات المرشد السابع للإخوان، محمد مهدي عاكف، بتاريخ 23 أبريل، تطرق فيها إلى معسكرات التدريب التي كان يشرف على أحدها.

مضى عاكف يروي: «كان للإخوان معسكرات في مناطق عدّة، منها تل بسطة والتل الكبير والقنطرة وبورسعيد، وكانت أعداد من أعضاء الجماعة يتوافدون على تلك المعسكرات من الجامعة؛ للتدريب على عمليات حرب العصابات كنسف المخازن والقطارات، بينما كانت مهمة أعضاء آخرين إمداد الجماعة بالسلاح»، والسلاح المشار إليه تحصل عليه الجماعة إما بصفقات وإما بالتصنيع.
الجناح العسكري للإخوان..
حسم ولواء الثورة
على منهاج النظام الخاص، سارت الخلايا الإرهابية المنبثقة عن جماعة الإخوان، التي أزيحت عن السلطة عبر ثورة 30 يونيو 2013: منها ما يُسمى «العقاب الثوري، حسم، لواء الثورة و...»؛ إذ سجّلت تحقيقات الأمن الوطني، مقتل أشخاص عدّة منتمين إلى الحركات التي ينفي الإخوان صلتهم بها، رغم دفاع الجماعة عن هؤلاء العناصر.

ما يؤكد أن تلك المجموعات ما هي إلا إفرازات للإخوان، اعتراف رضا فهمى، رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشورى الإخواني، الهارب إلى تركيا، خلال لقاء له على قناة «مكملين» (إحدى القنوات الإخوانية التى تُبَثّ من تركيا) في يوليو الماضي، أن كل الحركات الموجودة في مصر، وعلى رأسها حركة حسم، هي حركات تحرر وطني، في إشارة منه إلى أن ما تفعله من عمليات مسلحة ليس إرهابيًّا؛ لكونها حركة تواجه الدولة ونظامها السياسي، الذي أطاح بحكم الجماعة.

على مدار السنوات الخمس الماضية، داهمت قوات الشرطة أوكارًا تابعة لجماعة الإخوان في عدد من المحافظات، كان يستغلها الأفراد في تصنيع المتفجرات البدائية وبعض القنابل والأسلحة، وفي يوليو الماضي قُتل اثنان من حركة حسم مسؤولان عن تصنيع العبوات الناسفة بمحافظة الجيزة، إضافة إلى العثور على عبوات هيكلية حديدية كانت مُعدة لوضع مواد شديدة الانفجار بها، دوائر وأسلاك كهربائية، وبعض قطع الحديد التي تستخدم كشظايا ومواد كيميائية أخرى.

بهذا، فإن الإخوان على مدار 90 عامًا عمر الجماعة، أتقنت صناعة الموت منذ أن وجّه البنّا بتأسيس النظام الخاص في أربعينيات القرن الماضي، حتى مطلع الألفية الثالثة، وظهور جماعات سرية أخرى تحترف صناعة الأسلحة وتستخدمها في التنكيل برجال الشرطة والجيش.
"