«المصالحة».. حيلة الإخوان لحفظ الوجود من «البنا» إلى «بديع»
الثلاثاء 10/أبريل/2018 - 02:13 م
دعاء إمام
عمدت جماعة الإخوان منذ تأسيسها (1928) إلى المراوغة لحفظ وجودها، والإبقاء على هيكلها، مهما كلَّفها ذلك من تنازلات عن مبادئ وأسس قامت عليها أصلًا، والعام 1948 شاهد على ذلك؛ إذ وقعت فيه ما سُميَّ بأحداث «المحنة الأولى للجماعة»، حين سَعَى مؤسس الإخوان «حسن البنّا» (1906-1949) لتسوية الأمور بخطاب تخلى فيه عمن كان يلقبهم بـ«رهبان الليل، فرسان النهار».
وبعد 70 عامًا من «المحنة الأولى»، وفي عهد المرشد الثامن محمد بديع، تجددت الدعوات مرة أخرى؛ لإبرام مصالحة مع الدولة عبر بعض الوسطاء، للترويج لرغبة الجماعة التي لا تريد الإفصاح عنها، لكنها تصدرها عبر منصات إعلامية ووسطاء غير رسميين، منهم الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.
الخروج من المحنة الأولى
تقرر حل الجماعة بواسطة فهمي النقراشي باشا، رئيس الوزراء المصري عام 1948، عقب تورط أعضاء النظام الخاص (نظام سري عسكري تأسس عام 1940)، في اغتيال القاضي المصري أحمد الخازندار، بعدئذٍ سارع مؤسس الجماعة حسن البنّا إلى مقابلة رئيس الديوان الملكي إبراهيم عبدالهادي باشا؛ لطلب إذن بتمكينه من إذاعة بيان أعدّه البنّا لإلقائه على الإخوان، يناشدهم خلاله التزام الهدوء، وأن يتركوا له أمر التفاهم مع الحكومة؛ الأمر الذي رفضه النقراشي باشا، قائلًا: «إخلاد الإخوان إلى الهدوء والسكينة من شأن الحكومة، وليس من شأن حسن البنّا».
ووثّق مؤرخ الجماعة محمود عبدالحليم، سَعي البنّا للتصالح مع الدول -واقعة يغض الإخوان الطرف عنها- منذ أربعينيات القرن الماضي؛ إذ قال في الجزء الثاني من كتابه «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ»: إن «البنّا كان دائم الإلحاح على الحكومة في كل اجتماع على أن تتيح له فرصة الالتقاء بالمسؤولين من الإخوان، إما بالإفراج عنهم وإما السماح بزيارتهم في المعتقل؛ ليستعين بهم على تهدئة الحال، وكانت الحكومة دائمة الرفض، ثم وافقت فجأة، وأبلغوا البنّا قبل اغتياله (12 فبراير 1949) أنها ستسمح له بزيارتهم، وتسوية الأمور».
وأورد عبدالحليم أن «المرشد كان مستعدًّا إلى أن يتعاون مع الحكومة تعاونًا صادقًا، وأصرَّ على الدخول إلى أعضاء مكتب الإرشاد المعتقلين في السجون المصرية، لسؤالهم عن أماكن الأسلحة التي يملكها الإخوان».
ولفت إلى أن البنّا اضطر إلى كتابة بيانه الشهير «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»؛ للتبرؤ من قتلة «الخازندار»، وتهدئة الوضع مع الملك.
وساطة سعودية لتسوية الأزمة
في العام 1954 اشتد الصراع بين الإخوان وثورة 1952 التي أنهت النظام الملكي في مصر، ودأب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (1956-1970)، على إنهاء الصراع الذي أعلنته الجماعة على الثورة، بعد مطالبهم بتعيين عدد من القيادات في التشكيل الوزاري، وإلزام «عبدالناصر» بأخذ الرأي منهم في قراراته، فيما يشبه «المرجع الشرعي».
بعد رفض «عبدالناصر» تدَخّل الإخوان في إدارة شؤون الدولة، فأخذوا يروِّجون للثورة باعتبارها «انقلابًا عسكريًّا» -رغم مباركتهم لها في البداية- فاستدعى الرئيس أحد قيادات الرعيل الأول المدعو محمد فرغلي؛ للحدِّ من الخلافات القائمة بين أعضاء مجلس الثورة والإخوان، عن طريق وضع ميثاق يحدد علاقة كل طرف بالآخر.
وبحسب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي، في كتابه «تاريخنا القومي في سبع سنوات 1952-1959» الصادر عام 1989 عن دار المعارف، فإن الميثاق المذكور تكوّنَ من بندين: الأول؛ أن يقرّ الإخوان بشرعية الثورة في أن تحكم مصر لمدة خمسة أعوام ولا تسأل عما تفعلـه أثناءهـا، ویعد تفویــضًا شــعبیًّا مدتــه خمــسة أعــوام. والبنــد الثــاني: أن تطلــق قیــادة الثــورة یــد الإخــوان فــي تربیــة الــشباب علــى الإســلام، دون التطــرق إلــى الــسیاسة فــي المــدة نفــسها، علــى أن یجــري التقیيم والحساب بين الطرفين في نهاية المدة، فوقّع «فرغلي» على الوثيقة، وطلب منه «عبدالناصر» توقيع بقية أعضاء مكتب الإرشاد، لكنهم تهربوا من التوقيع.
من جانبه، يجزم سامح عيد، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والعضو المنشق عن جماعة الإخوان، بحدوث تفاهمات بين الإخوان وعبدالناصر في نهاية ستينيات القرن الماضي، بوساطة سعودية للإفراج عن قيادات الجماعة في السجون، وإلزام الإخوان بالبُعد عن العنف، والكفّ عن حمل السلاح، مضيفًا لـ«المرجع»، أنه بحلول عام 1970 لم يكن في السجون المصرية سوى نحو 80 فردًا إخوانيًّا؛ ما يعني خروج الآخرين بمواءمات.
صفقات الإخوان مع «السادات»
شهدت حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1970-1981)، اتصالات سرية بينه -قبل توليه السلطة- وبين الإخوان، بتكليف من جمال عبالناصر، إذ قال محمود جامع -صديق السادات- في كتابه «عرفت السادات»: إن الرئيس حاول تحقيق مصالحة تاريخية مع الإخوان، وأبلغه أنه أخبر عبدالناصر بما سيقوم به من اتصالات.
ومع العام الأول لتولي «السادات» رئاسة الجمهورية (1971)، استعان بالإخوان لمواجهة الحركة الطلابية الشيوعية المعارضة له، فأفرج عن المرشد الثاني حسن الهضيبي (1950-1973)، وعدد من قيادات ورموز بارزة في الجماعة؛ لمساعدته في تحجيم العناصر اليسارية، التي توغلت في الجامعات حينئذٍ.
كما جرت تفاهمات مع الجماعة بعدم تصعيد أحد من رجال النظام الخاص (نظام سري عسكري) لتولي منصب المرشد بعد وفاة الهضيبي، وبالفعل تم تنصيب عمرو التلمساني (1973-1986) المعروف باعتداله، الذي استطاع إقناع جيل الشباب بتطليق فكرة العنف، واستبدالها بفكرة تقويض المجتمع المدني عبر السيطرة الكاملة على مؤسساته، وفي مقدمتها النقابات والأحزاب والبرلمان.





