ad a b
ad ad ad

«أوكار الإخوان».. سراديب ومزارع ضمنت بقاء الجماعة

الإثنين 11/يونيو/2018 - 07:55 م
الاخوان
الاخوان
دعاء إمام
طباعة
في مطلع عشرينيات القرن الماضي، جعلت سيدة مُسنّة تُدعى خضرة شعيرة، من منزلها الريفي بدمنهور (شمال غرب دلتا مصر) سكنًا لطلاب مدرسة المعلمين، المغتربين عن ديارهم للدراسة في المدينة، وبينما تجلس في فناء دارها المشيد بالطين؛ إذ بقوة من رجال الشرطة تداهم المنزل للقبض على عددٍ من الصِّبية المختبئين بداخله، فتُنكر وجودهم، لكن أحدهم يخرج من الغرفة التي استأجرها ويكذّبها.


 البنّا
البنّا
بُهتت السيدة التي وقفت بجسدها الواهن تدافع عن طلبة في عمر السادسة عشرة، جعلوا من المكان وكرًا للاختباء من ملاحقات الأمن، وحين سُئلت عن الطلاب الذين كان يتزعمهم صبي اسمه حسن البنّا (مؤسس جماعة الإخوان فيما بعد)، أجابت: «خرجوا منذ الصباح ولم يعودوا و..»، قاطعها صوت البنّا، من الداخل يخبر الضباط أنه في البيت، فصمتت «شعيرةُ» واستأنفت ما كانت تفعل.

ولفت البنَّا (1906-1949) في سيرته الذاتية المعنونة بـ«مذكرات الدعوة والداعية»، إلى أن جواب «خضرة» لم يرق له؛ لأنها كذبت، فقال: «هذا الجواب غير الصادق لم يرقني، فخرجت إلى الضابط السائل وصارحته بالأمر، وكان موقف الحاجّة خضرة محرجًا للغاية».

«أوكار الإخوان»..
النظام الخاص
مرّ بضع سنوات، وأسس البنّا جماعة الإخوان (1928)، ومع العقدين اللذين تليا التأسيس، سار أعضاء الجماعة على المنهاج الذي أصّله، في العمل السري والاختباء منذ كان طالبًا بمدرسة المعلمين، السابق ذكرها؛ إذ اعتمد المؤسس على المعسكرات الداخلية لتربية أفراد الجماعة، وجنّد طلاب الجامعات لاستئجار مساكن وشقق مفروشة لإقامتهم، ومن ثم جعلها أوكارًا تحت تصرف القيادات.

وبحلول الأربعينيات أنشأ المرشد الأول ما عُرف بالنظام الخاص (نظام سري عسكري 1940)، كان يتخذ من الشقق المستأجرة مخابئ لأفراده وأماكن لتصنيع السلاح، ورد ذلك في كتاب «حقيقة النظام الخاص» للمؤلف محمود الصبّاغ (مؤرخ الجماعة وأحد قادة التنظيم)، ولفت إلى أن الشقق التي كان يستأجرها الإخوان المتطوعون للسفر والقتال في فلسطين نهاية الأربعينيات، كانت أوكارًا لهم، وبداخلها اشتبكوا مع قوات الشرطة المكلفة بالقبض عليهم، مستخدمين الأسلحة الرشاشة، والقنابل اليدوية التي صنّعوها في الورش.

«أوكار الإخوان»..
الإخوان يكذّبون الإخوان
في عام 1947، داهمت قوات الشرطة المصرية أوكار 50 فردًا من الإخوان، ووثقت الموسوعة الإلكترونية للجماعة «إخوان ويكي» رواية مناقضة لما ذكرها مؤرخ الجماعة، فوفقًا لـ«ويكي إخوان» صُنفت القضية المعروفة آنذاك بـ«قضية الأوكار» على أنها كانت ضمن الحرب النفسية التي كانت تمارسها الحكومة على الجماعة؛ لإبطاء تقدمها في مجال الدعوة.

وزعمت أن المطلوبين من الإخوان أُلقي القبض عليهم من منازلهم بأحياء عدة؛ ما يعني أنهم لم يقترفوا جريمة يُساقون على إثرها إلى السجون؛ إذ أوردت: «تم اتهام خمسين فردًا من جماعة الإخوان المسلمين -الخطرين في نظر الحكومة- في هذه القضية باتهامات مختلفة.. وقبضوا عليهم في منازلهم في كل من روض الفرج، شارع شبرا، شارع السندوبي، الجيزة.. وسموا هذه المنازل أوكارًا للإخوان المسلمين.. ومن هؤلاء الخمسين أفلت 3 منهم، وتمكنوا من الهرب إلى ليبيا، وهم (يوسف علي يوسف، عزالدين إبراهيم، ومحمد جلال سعدة)، أما محمود يونس الشربيني، فقبضوا عليه في الإسكندرية بعد اختفائه شهرًا بها، ولم يتمكن من الذهاب إلى ليبيا».

بينما يكذّب الإخواني محمود الصبّاغ، الراوية السابقة، ويعترف أن الإخوان اعتمدوا في محاربة الحكومة على الاختفاء في شقق مستأجرة، وموزعة في أنحاء الجمهورية، و«مجهزة بالسلاح»؛ إذ قال: «توالى اعتقال الإخوان في قضايا الأوكار، بالاستدلال على الشقق المتخذة مخابئ للإخوان المجاهدين، واستباحت الحكومة لنفسها أقسى صور التعذيب، لكنها ما كانت تقبض على وكر من الأوكار حتى يظهر لها وكر جديد لم تكن تعلم عنه شيئًا، مزودًا أعضاءه بالسلاح السريع والطلقات والبنادق».

وبرر في كتابه -المذكور سلفًا- مواجهة الإخوان لقوات الأمن والاشتباك معهم، بأن أعضاء الجماعة كانوا يدافعون عن دعوتهم المستهدفة بالفناء، وواجبهم محاربة الحكومة التي وصفها بالخائنة، مضيفًا أن الحكومة استغلت بيان البنّا «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين» عام 1948 في إلقاء القبض على الإخوان المختبئين في الأوكار.

محمد حبيب النائب
محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان
المزارع.. ملجأ جديد
فيما لفت محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان والمنشق عن الجماعة عام 2010، إلى أن الإخوان على مدار 40 عامًا منذ السبعينيات حتى 2011، لم يكن لديهم مجال للعنف، وكانوا حريصين على الابتعاد عن تلك المنطقة، لاعتبارات عدة، منها مواءمات مع النظام الحاكم وقتذاك.

وأضاف في تصريح له على موقع «الوطن» بتاريخ 28 يناير 2017: «لجأ النظام الخاص إلى فكرة المزارع في بداية الأربعينيات، واستخدمت لتخزين الأسلحة التي جمعها الإخوان للجهاد على أرض فلسطين لمواجهة الصهاينة، والجهاد على ضفاف القنال ضد المحتل الإنجليزي، إلا أن مجموعة من الإخوان خرجوا عن المسيرة المحددة، وكانت النتيجة تنظيم عمليات اغتيالات منها محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء، والقاضي أحمد الخازندار خلال عام 1984».

وخلال وجود الإخوان في البرلمان المصري منذ مطلع الألفية الثالثة (2000-2005-2011)، سعت الجماعة إلى تقديم تسهيلات للنواب؛ لشراء أراضٍ في الظهير الصحراوي لبعض المحافظات؛ لتكون وسيلة اقتصادية وجغرافية آمنة للجماعة، إضافة إلى تخصيص تلك الأراضي النائية بعيدًا في المحافظات؛ لإقامة عدد كبير من المعسكرات الشتوية والصيفية داخل تلك المزارع.

وفي يونيو المنصرم، كشفت الاعترافات، التي أدلى بها المتهمون من عناصر الجماعة أمام نيابة أمن الدولة العليا في قضية اللجان النوعية بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) -التي ضمت 152 متهمًا أحيلوا إلى القضاء العسكري؛ لارتكابهم 29 جريمة إرهابية- اتخاذهم مقرًّا تنظيميًّا بمزرعة دواجن بقرية الإعلام بمحافظة الفيوم؛ للاختباء بها في أعقاب تنفيذ عمليات اغتيال لعناصر أمنية، وإخفاء المتفجرات التي كانوا يصنّعونها.

سراديب البقاء
تفننت الجماعة في البحث عن سراديب أخرى تضمن البقاء، وتحافظ على سرية وجودها؛ إذ كشف مصدر لـ«المرجع»، أن الإخوان اتخذوا من شقق النقابات، والشقق داخل المناطق والقطاعات التابعة للجماعة، أوكارًا لعقد الاجتماعات والأنشطة الخاصة، مضيفًا أنه تم تحويل بعض من فصول المدارس الخاصة لمقرات بديلة تُعقد بها اجتماعات تنظيمية.

وبعد عزل الجماعة عن الحكم عبر ثورة 30 يونيو، ظهرت جماعات تتبع الإخوان، منها «العقاب الثوري، لواء الثورة، وحسم..»، وسارت على درب النظام الخاص في حمل السلاح، وانتهاج العنف، والاختباء في شقق سكنية بالظهير الصحراوي والمدن الجديدة.

وبحسب المصدر، استغلت الجماعات المنبثقة عن الإخوان، المزارع والمراكز التعليمية ومراكز الشباب والأندية بالأقاليم؛ للاختباء والتدرب على تصنيع السلاح وتخزينه، والتخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال واستهداف كمائن ومنشآت عامة.
"