قانون «القومية اليهودية».. بين الفصل العنصري واغتراب الأقلية العربية
الإثنين 23/يوليو/2018 - 05:00 م
الكنيست الإسرائيلي
أقر الكنيست الإسرائيلي، يوم الخميس الموافق 19 يوليو 2018، قانونًا جديدًا يُكرس الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي العربية، عُرِف باسم «قانون الدولة القومية اليهودية»، بأغلبية 62 صوتًا لصالح «القانون الأساسي»، ومعارضة 55 نائبًا وامتناع نائبين عن التصويت.
ويقضي القانون بأن إسرائيل دولة قومية لليهود، شاملة كل مناطقها الإدارية الـ11، ومؤكدًا أن القدس الموحدة عاصمة للدولة الإسرائيلية، ومشددًا على زيادة عدد المستوطنات اليهودية بوصفها قيمة في حدِّ ذاتها لتكوين هوية الدولة الناشئة، فضلًا عن منحه حق تقرير المصير لهم على حساب الأقلية العربية التي تجاوز عددها 17% من عدد السكان _(عرب 48)_، علاوةً على جعل اللغة الأساسية للدولة هي العبرية، على حساب اللغة العربية.
الأمر الذي علق عليه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قائلًا: «عاشت دولة إسرائيل.. فقد حفرنا لغتنا وعلمنا ونشيدنا على حجر القانون.. وغذينا حقيقة أن إسرائيل هي الدولة الأم للشعب اليهودي».
تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون ظل موضع نقاش منذ تقديمه، عام 2011، ومرَّ بعدد من التعديلات، حتى تم التوافق عليه بأغلبية، ليُعدُّ القانون الرابع عشر ضمن تلك التشريعات الأساسية؛ حيث يفتقد الكيان الصهيوني لدستور دائم، لذا فقد شرعت منذ نشأتها عددًا من القوانين الأساسية التي باتت تمتلك وضعية دستورية(1).
الموقف الدولي من القانون:
جاء الموقف الدولي معارضًا للقانون لتعارضه مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان على جميع الأصعدة، على النحو التالي:
1- الموقف الأممي:
أوضح فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن من حق الدول تحديد شخصيتها الدستورية، ولكن في سياق تمثيل المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية حقوق الأقليات، مؤكدًا حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر حل الدولتين بشكل سلمي تفاوضي، بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية، لإحلال السلام الدائم والعادل(2).
2- الموقف الإسلامي:
جاء الموقف الإسلامي متمثلًا في رفض الأزهر الشريف للقانون، معتبرًا ذلك خطوة في سياق العنصرية البغيضة التي تُمارسها إسرائيل، والتي بدأت بوعد بلفور، ثم أخذت منحىً مستمرًا توالى منذ قيامها في نهاية الخمسينيات، وصولًا إلى قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، باعتبارها عاصمة للكيان الإسرائيلي، مؤكدًا أن فلسطين ستبقى عربية(3).
3- الموقف الأوروبي:
أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء القانون لما له من تداعيات وانعكاسات سلبية على قضية السلام بين إسرائيل وفلسطين، وعليه فقد أوضحت المتحدثة باسم وزيرة الخارجية الأوروبية، فيديريكا موجيريني، أن الاتحاد يحترم سيادة إسرائيل، ولكن لابد عليها من احترام المبادئ الأساسية، خاصة المتعلقة بحقوق الأقليات، ورفضت التعليق على القانون، مؤكدةً أن حل الدولتين هو الهدف الذي يبحث عنه الاتحاد الأوروبي ويدافع عنه لتسوية القضية.
4- الموقف العربي:
من جانبها، أدانت الجامعة العربية القانون لما ينطوي عليه من إنكار لحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية، واعتبرته «امتدادًا للإرث الاستعماري، وترسيخًا للممارسات العنصرية، وذلك لضم الضفة الغربية ومواصلة الاستيطان»(4).
فيما أعربت القاهرة عن رفضها للقانون القاضي بتكريس مفهوم الاحتلال والفصل العنصري، وتقويض فرص تحقيق السلام والتسوية العادلة للقضية الفلسطينية، فضلًا عما ينطوي عليه من آثار سلبية على حق العودة للاجئين الفلسطينيين(5)، كما طالب البيان المجتمع الدولي بالحفاظ على الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، والعمل على استئناف المفاوضات لدفع عملية السلام على أساس حل الدولتين وفقًا لمقررات الشرعية الدولية ذات الصلة.
5- موقف المؤسسات اليهودية:
أعربت اللجنة اليهودية الأمريكية، التي تُمثل الشتات اليهودي، عن عدم موافقتها على القانون؛ لأنه يُعرض إسرائيل والالتزام المؤسسي التي قامت عليه بكونها دولة يهودية وديمقراطية للخطر، فيما أوضح جيريمي بن عامي، رئيس مجموعة «جيه ستريت» الموالية لـ«تل أبيب» في واشنطن، أن الهدف من القانون هو «إرسال رسالة إلى المجتمع العربي، والأقليات الأخرى في إسرائيل، مفادها أنهم لن يكونوا ولن يتساووا أبدًا مع المواطنين الإسرائيليين؛ حيث ترتكز العلاقة القوية بين إسرائيل واليهود في جميع أنحاء العالم على هذه القيم بأن إسرائيل هي دولة يهودية وديمقراطية على حدٍّ سواء، مشيرًا إلى مخاوف من أن القانون سيضعف ديمقراطية إسرائيل»(6).
دلالات القانون:
أسهم القانون القاضي باعتبار إسرائيل دولة قومية لليهود في ترسيخ عدد من المفاهيم الجديدة التي مثَّلت نقطة تحول هيكلية في تاريخ الصراع الدائر، على النحو التالي:
1- انكشاف حقيقة الكيان الصهيوني:
كرس القانون لمرحلة كاشفة للكيان الصهيوني، التي حاول إنكارها ليظهر نفسه في صورة كيان ديمقراطي ينعم بالمساواة واحترام الحقوق والحريات لجميع سكان دولة الاحتلال بدون النظر إلى عقيدة أو عرق أو جنس، إلا أن إقرار القانون مثل نقطة تحول نوعية في الصراع الدائر على الأراضي الفلسطينية، رغم أنها كانت جزءًا أساسيًّا من وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948، ليكسر التوازن الشكلي القائم.
2- تبديل هوية الصراع:
مَثَّل إقرار القانون حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات القائمة تجاه الفلسطينيين، عبر تبديل هوية الصراع من كونه صراعًا مسلحًا عسكريًّا بين سلطات الاحتلال والسكان الأصليين، إلى صراع ديني قائم على هيمنة الديانة اليهودية على حساب الديانات والمعتقدات الأخرى، وبالتالي جَسَّدَ إقرار القانون إنكارًا واضحًا للحقوق الأصلية والتاريخية والدينية للشعب الفلسطيني.
3- تكريس نظام «أبارتهايد»:
جاء قانون الدولة القومية ليُمكن الكيان الصهيوني من تحقيق أهدافه في إلغاء حق العودة للاجئين، وإنهاء عمل منظمة «الأونروا»، التي شهدت في الآونة الأخيرة العديد من الضغوط الخارجية لإنهاء عملها، وطمس أهدافها الرامية لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، علاوة على تقنين عمليات الفصل العنصري التي سيتم تكريسها بموجب القانون تجاه العرب والفلسطينيين؛ ما يعني استكمال عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي لبناء المستوطنات حول الأماكن المقدسة.
4- تطويق الهوية العربية:
يُعدُّ قانون الدولة القومية اليهودية، أو ما يُعرف بـ«القانون الأساسي» من أخطر القوانين التي جسدت تطويق الهوية العربية والفلسطينية، علاوةً على اللغة العربية، من خلال اعتماد اللغة العبرية لغة رسمية للكيان الصهيوني، كما يعزز من تراجع الإرث العربي مقابل التاريخ المزيف لدولة الاحتلال (7).
ختامًا؛ يُعدُّ قانون الدولة القومية، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي، بمثابة انطلاقة قانونية جديدة في تمكين الكيان الصهيوني بشكل عميق من احتلال الأراضي العربية والفلسطينية بدون قيود، علاوةً على تقنينه أوضاع الشتات اليهودي داخل الأراضي الإسرائيلية، بما يُعزز من طرد العرب واستمرار عمليات الاستيطان، فضلًا عن تنامي موجات الهجرة التي قد تراجعت في الآونة الأخيرة لإعادة التوازن الديموغرافي لصالح الاحتلال.
المراجع:
1- «الكنيست الإسرائيلي يصادق على قانون الدولة القومية اليهودية»، 1972018، هيئة الإذاعة البريطانية.
2- «ماذا قالت الأمم المتحدة عن قانون «الدولة القومية» في إسرائيل؟»، 2172018، CNN عربي.
3- «الأزهر: قانون «الدولة القومية اليهودية» عنصرية بغيضة»، 2072018، البيان.
4- «قانون الدولة القومية اليهودية»: الاتحاد الأوروبي يبدي «قلقه» والجامعة العربية تصفه بـ«العنصري»، 1972018، فرانس 24.
5- وزارة الخارجية جمهورية مصر العربية، متاح على الرابط
6- "Israel passes contentious Jewish nation-state law"، 1972018، NEW YORK POST.
7- «يُمهِّد لضمِّ الضفة ويجعل الصراع دينيًا، ويُظهر إسرائيل دولة عنصرية.. هذه أبرز نتائج «قانون القومية اليهودية» الذي أقرَّته تل أبيب»، 2172018، عربي بوست.





