الخيارات التركية في الأزمة السورية ومعضلة «إدلب» الكبرى
الخميس 19/يوليو/2018 - 11:14 ص
الأزمة السورية
أحمد سامي عبدالفتاح
تعد مدينة إدلب المعضلة الكبرى في الأزمة السورية والتحدي الأكبر للعلاقات التركية ــــ الروسية، لاسيما وأن أهداف الطرفين في سوريا متناقضة تمامًا، فبينما ترغب موسكو في إنهاء وجود الفصائل المسلحة في الشمال السوري لتزيل بذلك معضلة كبرى أمام النظام السوري، ترغب تركيا في الحفاظ على وجود الفصائل في الشمال، على أمل أن تتمكن من إحلالهم في مناطق الشمال المتاخمة لحدودها كافة والتي يسيطر عليها الأكراد في الوقت الحالي.
وفي الوقت ذاته، تدرك تركيا أن أي عملية عسكرية على «إدلب» ستؤدي إلى موجات نزوح داخلي علاوة على أخرى تتعلق بزيادة وتيرة اللجوء الى الأراضي التركية، ما يمثل ضغطا على الاقتصاد التركي وسوق العمل فيه، في وقت يجد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم نفسه، مطالبًا بتخفيض نسب معدلات البطالة، التي بلغت 10.3% في نوفمبر 2018، وفقًا للتقارير الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية.
كما تعي تركيا تمامًا أن وجودها في «إدلب»- من خلال نقاط المراقبة الخاصة بها- لا يمكن أن يستقر مع وجود قوات النظام السوري داخل المدينة وريفها، لأن أمرًّا كهذا- في حال حدوثه- سيفقد السياسات التركية في سوريا مصداقيتها، ما يضعها أمام خيارات صعبة، إما الانسحاب وتفادي المواجهة أو البقاء وخوض معركة.
بيد أن الخيار الثاني يُعد مرفوضًا تمامًا من قبل السلطات التركية التي تحاول قدر الإمكان الحفاظ على قواتها العسكرية في سوريا دون استنزاف، ما يفتح الباب لخيار ثالث يتضمن عملية تفاوضية بين كافة الأطراف، على أن يكون مخرجها الرئيسي إفراغ «إدلب» من المسلحين كافة، مع الاختلاف حول آلية تحقيق ذلك.
ويبقي اتفاق «منبج» الذي وُقّع بين تركيا والولايات المتحدة في 2018، والذى يقضي بسحب وحدات حماية الشعب الكردية من مدينة «منبج» الواقعة في شمال سوريا، والذي أفضى إلى سيطرة مشتركة من البلدين على المدينة، خيارا مطروحا لاستنساحه بين روسيا وتركيا في «إدلب»، دون السماح لقوات النظام السوري بالدخول إلى المدينة، على أن يخرج المسلحين من المدينة إلى المناطق الخاضعة لعملية درع لفرات أو غصن الزيتون، وذلك في حالة إصرار الفصائل المسلحة على عدم تسليم سلاحها كما تطالب روسيا.
ويرجح هذه الرؤية التعزيزات العسكرية التي ترسلها تركيا على حدودها في إشارة إلى استعدادها للتدخل عسكريا في حالة ما اقتضى الأمر، موازنة القوى في حالة ازدياد هجمات النظام السوري على المدينة، لتضغط نحو بدء مرحلة تفاوضية خاصة مع القوى الضامنة الأخري- روسيا وإيران.
سلاح الفصائل الشمالية
تظل إشكالية التعامل مع المسلحين الشماليين في حال مغادرتهم إدلب قائمة، اعتقادا من تركيا أن النظام السوري سوف يطالب بالمناطق الواقعة تحت سيطرة قواتها العسكرية بصفة مباشرة، وذلك ضمن أي عملية تسوية سياسية مستقبلية، ما يضع الفصائل المسلحة - في حالة توجهها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا- في أزمة حقيقية.
ويعمق هذا الأمر من الإدراك التركي بأن تأجيل ملف سلاح الفصائل الشمالية المسلحة لن يصبح ذات جدوى إذا لم يتم الاتفاق على خارطة طريق خاصة بمناطق الشمال.
تظل إشكالية التعامل مع المسلحين الشماليين في حال مغادرتهم إدلب قائمة، اعتقادا من تركيا أن النظام السوري سوف يطالب بالمناطق الواقعة تحت سيطرة قواتها العسكرية بصفة مباشرة، وذلك ضمن أي عملية تسوية سياسية مستقبلية، ما يضع الفصائل المسلحة - في حالة توجهها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا- في أزمة حقيقية.
ويعمق هذا الأمر من الإدراك التركي بأن تأجيل ملف سلاح الفصائل الشمالية المسلحة لن يصبح ذات جدوى إذا لم يتم الاتفاق على خارطة طريق خاصة بمناطق الشمال.
ومن المرجح أن يرتبط الموقف التركي الخاص بملف المسلحين، بالموقف الأمريكي، لأن تركيا لديها رغبة في طرد القوات الكردية من الخط الحدودي الموازي لها، ما يعني أن الابقاء على المسلحين أمرا ضروريا بالنسبة لها من أجل تصديرهم في مقدمة العمليات العسكرية الموجهة ضد الأكراد مستقبلا ولن تتم هذه العمليات دون موافقة الولايات المتحدة.
ورغم أن تركيا لديها ما يطلق عليه «الجيش الوطني السوري الموحد» في مناطق عملية غصن الزيتون، فإن ذلك لا يقلل من رغبتها في حشد أكبر عدد من المقاتلين في الشمال من أجل الدفاع عن مناطق نفوذها القريبة من حدودها الجنوبية والتي ربما تواجه تهديدات بأعمال عسكرية مثلما حدث مع «إدلب» الآن.
وأخيرًا، ربما تلجأ تركيا إلى مقايضة سلاح الفصائل المسلحة الموالية لها بسلاح الأكراد، في محاولة لخلق نقطة تفاوضية جديدة تصب في صالحها، خاصة وأنها تدرك جيدا أن الولايات المتحدة تصر على ابقاء الأكراد مسلحين من أجل ضمان دور فاعل لهم- وموالي لها- في مستقبل سوريا.





