بعد «الأستانة 9»... ثلاثة سيناريوهات تنتظر «تحرير الشام»
الإثنين 28/مايو/2018 - 07:55 م

سارة رشاد
حتى الآن لم يتحدد بالضبط المصير الذي ينتظر «هيئة تحرير الشام» الممثل القديم لتنظيم «القاعدة» بسوريا، فالكيان الإرهابي الذي يُصنف كأكبر الفصائل المسلحة في المشهد السوري، استقر مؤتمر (الأستانة 9) الذي عقد في 14 مايو الحالي، على حله، بعدما تعهدت تركيا المتدخلة في الشمال السوري، لروسيا بتفكيكه، بعدما أصرت موسكو على التدخل العسكري لإنهاء سيطرة «الهيئة» على مدينة إدلب (شمالي سوريا).

ولتجنب أنقرة الخيار العسكري في محافظة إدلب الذي سيترتب عليه تدفق المزيد من المدنيين باتجاه حدودها مع سوريا، وافقت تركيا على حل «تحرير الشام»، ومن ثم قطع أي طريق على أي عمل عسكري في الشمال السوري.
«الهيئة» من ناحيتها تلقت الاتفاق «التركي - الروسي» بالرفض، إذ قالت عبر مسؤول مكتبها السياسي، يوسف الهجر، في حوار مع موقع «الجزيرة نت» القطري، المقرب من الفصائل الإرهابية، «نفي ما تم تناقله مؤخرًا حول وجود جولات اندماجية أو جبهوية بين الهيئة مع أي من الفصائل السورية المقاتلة في هذه المرحلة، وأن الأمور التي تخص البنية التنظيمية لهيئة تحرير الشام غير خاضعة للتفاوض أو المساومة خارج البيت الداخلي للهيئة».
وتابع: إن دور روسيا في هذا القرار نبع من رغبتها في حماية النظام السوري، مشددًا -رغم ذلك- على استقرار العلاقات مع تركيا فـ«الروابط التاريخية المشتركة بين الشعبين المسلمين التركي والسوري لها امتداد عميق بعمق التاريخ نفسه».
في المقابل من ذلك، مازال مشايخ «تحرير الشام» لا يتورعون في صعود منابر مساجد إدلب؛ لمهاجمة تركيا ووصفها بالدولة العلمانية الكافرة، وهو نفس الرأي الشرعي القديم لـ«تحرير الشام» في تركيا قبل تحسن العلاقات معها بفعل المصالح السياسية، ويعكس ذلك الارتباك الفقهي الذي طال «تحرير الشام» منذ قررت التعاون مع أنقرة القريبة من مناطق نفوذ الهيئة في الشمال.
وتناول الإعلام السوري اتفاق تفكيك «تحرير الشام» بنشر تفاصيل تُفيد بأن الحديث عن تفكيك الهيئة ليس جديدًا، إذ شهدت أروقتها مناقشات منذ أغسطس الماضي بخصوص إمكانيات الحل، وماذا لو تم.

ونقل موقع «أورينت» (مقرب من المسلحين) عن قيادي وشرعي سابق في «تحرير الشام»، لم يذكر اسمه، أن زعيم الهيئة، أبومحمد الجولاني، عقد اجتماعًا أواخر أغسطس العام الماضي، مع أغلب قيادات تنظيمه، لطرح فكرة حلّ الهيئة والانصهار مع فصائل محددة، وأوضح القيادي أن طرح الفكرة آنذاك كان بفعل الضغوطات الدولية على الهيئة، مشيرًا إلى أن هذا الاجتماع كان سببًا في انشقاق ثلث العناصر لرفضهم الفكرة.
ولفت إلى تفاوضات مقامة بين الهيئة وتركيا للاستقرار على فصيل يستوعب «تحرير الشام» بعد حلها، مرجحًا أن يكون الفصيل المرشح هو «فيلق الشام» (المقرب لتركيا).
بدوره علق «فيلق الشام» عبر الشرعي العام له، عمر حذيفة، على التطورات، قائلًا في أحد اللقاءات الصحفية: «إن الفصائل السورية لن تكون رقمًا في المعادلة القادمة»، مرجحًا اتجاهها إلى الحل إذا ما طلب منها ذلك، ولفت إلى أن هذا التوجه هدفه هو توحيد الكيانات المسلحة السورية في جيش موحد برعاية تركية.
وتوقع أن يكون الحل هو الخيار الأقرب للفصائل، بما فيها «تحرير الشام»، باعتبارها لن تقوى على مواجهة المجتمع الدولي.
وفي المقابل رفضت الهيئة التعبير عن أي مرونة تجاه اتفاق التفكيك، موجهة رسائل ضمنية على لسان مسؤولها السياسي، يوسف الهجر، بأنها متمسكة بسلاحها وخيار الحرب، باعتباره الحماية الوحيدة لها.
وأمام هذه المعطيات، رجح مصدر سوري مطلع لـ«المرجع» أربعة سيناريوهات تنتظر «تحرير الشام» بعدما بدا قرار حلها وشيكًا، وأوضح المصدر، الذى طلب عدم ذكر اسمه، أن الخيار الأول هو أن تعلن «الهيئة» حل نفسها استجابة للضغوط التركية والروسية، مع اتجاهها لحيلة تضمن بقاءها، وهو اختلاق كيان جديد بمسمى آخر، بنفس هيكل وتشكيل «تحرير الشام».

وتابع: إن الخيار الثاني هو أن تتجه بالفعل إلى «فيلق الشام»، مع ضمان امتيازات لها تُساعد القيادات على إقناع القواعد، مشيرًا إلى أن الخيار الثالث هو ألا تتجه الهيئة إلى الحل من الأساس.
وبرر ذلك بتهديدات بدأ النظام السوري وروسيا توجيهها إلى الفصائل في إدلب، إذ يوزع النظام هذه الفترة منشورات على الفصائل بالمدينة متوعدهم إما الحرب وإما الاستسلام، كما نشرت قناة قاعدة حميميم العسكرية على «تليجرام» منشورًا قبل أسبوع تعهدت فيه بشن حرب على الفصائل إذا ما فشلت المساعي التركية في إقناع الهيئة بتفكيك نفسها.
ويُمثل التهديد الروسي والسوري للفصائل في الفترة الراهنة، إشارة إلى احتمالية فشل الدور التركي في تهيئة الأوضاع في الشمال السوري.
وانتقل المصدر إلى تداعيات قرار الحل إذا ما تم، مشيرًا إلى أن تنظيم «القاعدة» الحليف القديم لـ«تحرير الشام» -أعلنت الهيئة فك الارتباط به في 2017- سيكون المستفيد الأول، إذ سيعمل على ضمِّ المنشقين عن «تحرير الشام» اعتراضًا على قرار الحل، وأشار إلى أن القاعدة في هذا الوقت ستنتصر في مواجهاتها الفكرية مع «تحرير الشام» بزعامة الجولاني، بعدما رغب الأخير في الانفصال بفرعه عن تنظيم «القاعدة» الأم.
ويدعم هذه الرؤية انشقاق أحد أبرز القادة المتشددين عن «الهيئة»، ويُدعى، أبوعبيدة كنصفرة، السبت الماضي، ومبايعته لتنظيم حراس الدين، المعبر الجديد عن القاعدة في سوريا.

وتعليقًا على ذلك، استبعدت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حل «تحرير الشام» لمجرد الحل، مشيرة إلى أن الفصيل يُمثل أكبر الكيانات المسلحة في سوريا، وحله سيكون خسارة للأطراف الدولية المتداخلة في سوريا، على حدِّ وصفها.
وأوضحت لـ«المرجع» أن الأطراف، مثل أمريكا وتركيا، تسعى هذه الفترة لإعادة تسكين الكيانات المسلحة لصالحها، مستبعدة أن تتم التضحية بمثل «تحرير الشام».
وكان المنظّر القاعدي هاني السباعي، المقيم في لندن، قال في خطبة الجمعة قبل الماضية: إن أكبر الكيانات المسلحة في سوريا، ويقصد «تحرير الشام»، تتعرض لمحاولات تفكيك على يد تحالف أمريكي روسي تركي.
وتسيطر «تحرير الشام» على الشمال السوري؛ حيث إدلب، وتشهد المدينة تنافسًا على الإدارة أدت لاشتباكات بين الفصائل.