نافع بن الأزرق.. أشرس الخوارج ومؤسس أول جماعة إرهابية
أسسَت أزمة الخلافة لإرهاصات
تشكيل فرق عديدة تدعو للاحتراب السياسي والعقدي، قال أبو الحسن الأشعرى: «اختلف
الناس بعد نبيهم في أشياء كثيرة ضلل بعضهم بعضًا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقًا متباينة، أحزابًا مشتتين».
ظهر الخوارج عقب مقتل
عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين، والراصد خطاب الخوارج سيجد توصيفًا لانعكاسات
العنف والتكفير الذي أسس له الخوارج، الذين كانوا فرقة تعترض على سياسة عثمان ليشارك
عددٌ منهم في مقتل عثمان، وأيدوا علي بن أبي طالب في البداية وبايعوه، ليخرجوا عليه
بعد ذلك في معركة صفين، التي اندلعت بين أنصار علي بن أبي طالب من جانب، والمطالبين
بالقصاص لعثمان، بقيادة معاوية بن أبي سفيان من ناحية آخر، ورفع فيها جيش معاوية- مؤسس
الدولة الأموية لاحقًا- المصاحف على أسنة الرماح، طلبا للتحكيم بشرع الله وقالوا
"لا حكم إلا لله" ووقتها قال«علي» كلمة حق يراد بها باطل.
اللعب بنار «الحق والباطل»
أول المبادئ التي اعتمدها الخوارج مبدأ "لا حكم إلا لله "، ذلك
المبدأ هو الذي شرع لهم ممارسة العنف والتكفير باسم الدين، ولهذا قال «علي»:
"كلمة حق يراد بها باطل".
لم يتوقف الخوارج عند هذه الفترة والمشاركة في الحرب ضد الصحابة، بل سعوا
للتمكين كما وعدهم معاوية عند المشاركة في الحرب معه، وكانوا على أمل أن يشاركوا فى
مناصب الدولة الأموية ولكن لم يكن لهم نصيب فى الدولة، أو من المناصب، لذلك حاربوا
الدولة الأموية ومن بعدها العباسية.
أجمع الخوارج على تحريم القعود مع الكافرين أو المغتصبين لحقوق الله وهو
ما دعاهم لتكفير الخليفة أو الحاكم، والرعية لقبولهم بحكم الخليفة الكافر، والجهاد
ضدهم.
كما اعتبر الخوارج موتاهم باعوا أنفسهم لله وتحصلوا مقابل ذلك الجنة، وبالتالي
احتكار الحياة الدنيا والسعي للقتال في سبيل الله.
الأزرق.. أشرس الخوارج وأعنفهم
يُعد نافع بن الأزرق أشرس وأعنف الخوارج الذين ظهروا في النصف الثاني من
القرن الأول الهجري، وهو مؤسس فرقة من الخوارج تسمى الأزارقة نسبة له، بدأ بإعلان عبد
الله ابن الزبير الخروج على الأمويين، وانضم الخوارج للزبير في مكة، ليسألوه بعد ذلك
عن رأيه في مقتل عثمان، فتوجهوا إليه وقالوا: "فنحن لقتلة عثمان أولياء ومن ابن
عفان وأوليائه براء، فما تقول أنت يا ابن الزبير؟"، فيقول ابن الزبير" هو
خير أهل، وأنا أشهدكم ومن حضرني إني ولي لابن عفان وعدو لأعدائه".
لينفض من حوله الخوارج وأبرزهم نافع الذى تحدث بالنيابة عنهم، ويتوجه للبصرة
ليكون جماعته.
كان من أبرز أسباب نشوء تلك الفرقة التشدد الأموي ضدهم، خصوصًا أنهم ناصروا عبدالله بن الزبير عند الخروج عليهم، وبالتالي واجهتهم الدولة الأموية بشتى الطرق، لذلك أسس نافع فرقة الأزارقة، جعل نافع كل من خالفه في الرأي مشركًا، وبالتالي يحل ماله ودمه وعرضه، فأدى ذلك إلى خلاف بينهم وإلى تفرق الخوارج إلى فرق متفرقة ومنهم «الأزارقة».
نشأت هذه الفرقة في البصرة بعد أن اتخذت العنف مبدأً لانتشارها، فاستطاعوا
أن ينتشروا في مدينة الأهواز بعد الهجوم الذي شنوه عليها وعلى المدن التي بعدها من
بلدان فارس وكرمان، وكان ذلك في أيام عبد الله بن الزبير، وقتلوا عماله عليها، واتخذوا
الأهواز مقرًا لهم، واستطاعوا تقوية مركزهم عن طريق جباية الأموال، وساعدت الأحداث
التي وقعت في البصرة بعد وفاة يزيد بن معاوية الأزارقة على نشر نفوذهم وأفكارهم، أبرز
عوامل وجودهم هي نقص الثقافة، والفهم الخاطئ لأصول الدين، ووجدت دعوتهم بيئة خصبة
في المناطق النائية التي غاب عن أهلها العلم والوعي، مستغلين الشعارات الدينية البراقة
في خداع البسطاء، وكذلك المناطق التي عانت من السياسات الظالمة للحكام الذين توالوا
على الدولة الإسلامية ورأى أهلها فيهم المنقذ من هؤلاء الحكام.
الدولة وحربها على الخوارج
استمرت الدولة الأموية تحارب الأزارقة لفترة تقارب 20 عامًا، وذلك لأنهم
كانوا أكثر عددًا من أي فرقة، وكذلك تركزوا في المناطق الضعيفة والنائية التي من الصعب
على دولة الخلافة الاهتمام بها، وتستولي عليها.
ويقول عبد القاهر الجرجاني (أحد العلماء في الدولة العباسية): "لم
تكن للخوارج قط فرقة أكثر عددًا ولا أشد منهم (الأزارقة) شوكة".
ويتابع حديثه: "أنهم قاربوا 20 ألف وبالتالي كانوا أكبر من أي جيش يحاربهم،
ثم الأزارقة بعد اجتماعهم على البدع بايعوا نافع بن الأزرق وسموه أمير المؤمنين، وانضم
إليهم خوارج عمان واليمامة (اسم أقاليم من الجزيرة العربية إلى الجنوب) فصاروا أكثر
من عشرين ألفًا، واستولوا على الأهواز وما ورائها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها".
والأزارقة من أكثر الفرق التي تمارس الغلو، لأن نافع يرى أن العبد الحق
يرى بعين الحق في كل مسألة لذلك كفَّر كل من خالفه حتى ولو في رأي سياسي، يزداد تمسكهم
وتعصبهم لأفكار التكفيرية فهم يرفضون إعمال العقل والتمسك بقول نافع لتخلق بذلك حالة
تكفيريَّة دمويَّة استنادًا إلى نصوص يفسرونها حسب أهوائهم ليستبيحوا دماء المسلمين وغير
المسلمين ليشكلا رابطًا سياسيًّا للتكفير في تلك الفترة.
وفي عام 64ه، دخلوا البصرة في غياب الولي الذي توجه للشام بعد وفاة الخليفة
يزيد بن معاوية، وعندما تجمع أهلها وقاتلوهم وطردوهم، لجؤوا للأهواز، ليعيد نافع الكرة
بعد عام على البصرة، وتمكن وقتها أهل البصرة من قتل نافع وتشريد الأزارقة، ليقوم عبد
الله بن الماحوز التميمي بجمع الصفوف والهجوم على البصرة وشاركه عدد من غير العرب،
فانتصروا على أهلها وفتكوا بهم.
الخوارج.. إرهاب قديم
اعتنق الخوارج عددًا من معتقدات جعلتهم فرقة ذات شأن في تلك الفترة، والنهج الذي انتهجوه، كانوا يروا أن مخاليفهم من أمة الإسلام مشركون ما لم يسارعوا لاعتناق مذهبهم، ولا استباحوا دماءهم، ولا فرق لديهم بين أطفال أو نساء فجميعهم كفار لابد من محاربتهم، حتى أن نافع كان يبقر بيده بطون النساء، ويقتل الأطفال دون رحمة، قالوا إن أبا بكر وعمر عملوا بالسنة، أما عثمان بن عفان (ثالث الخلفاء الراشدين) كان صالحًا في بداية حكمه ليخالف بعد ذلك الشريعة وكفروه وبالتالى كانوا يرون أن دمه حلال، أما علي بن أبي طالب (رابع الخلفاء الراشدين)، فقاموا بنصرة عبد الرحمن بن ملجم في قتله، لأنهم كفَّروه وأحلوا دمه، وعارضوا كل من كان يناصر «علي»، ليتحول الأمر بعد ذلك بتكفير المسلمين فيما عداهم.
بداية النهاية
وتحولوا دين الخوارج لدين مختلف تمامًا عن الإسلام، لا يتزوجون من أي من القبائل الأخرى، أو على غير مذهبهم، وقال نافع "المسلمون من غيرنا كفرة كعبدة الأوثان لا يقبل منهم إلا اعتناق مبادئنا أو السيف"، أما بالنسبة لأحكام الشريعة فقبلوا منها ما ينفعهم ويقابل هواهم واستبعدوا ما كانوا لا يرونه صائبًا، خصوصًا أنهم كانوا منصتين لأقوال نافع وكانوا يلتزمون بما يقر به حتى أن كان خاطئا فهم لم يكونوا يعملون العقل فى تشريعاتهم.
لم تنته الأزارقة بموت نافع ولكنها استمرت لفترة طويلة، حتى بداية الدولة العباسية، لتنشب صراعات داخلية فيما بينهم كان فيها فناؤهم، حيث قاموا بحروب وصراعات قضت عليهم جميعا وقتها.







