تداعيات قمة حلف الناتو على الحرب الروسية ــ الأوكرانية
ألقت قمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» التي عُقدت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس يومي 11 و12 يوليو 2023، بمشاركة 31 دولة من الأعضاء إضافة للسويد والشركاء الخارجيين «اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا ونيوزيلندا»، بظلالها على الحرب الروسية ــ الأوكرانية، إذ وضعت القمة على جدول أعمالها سبل مواجهة تهديدات التعاون الصيني الإستراتيجي مع روسيا، ودعم أوكرانيا عسكريًّا وأمنيًّا.
إعادة الروح
قمة حلف الناتو الأخيرة أعادت الروح للحلف الذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبيل الحرب الروسية ــ الأوكرانية بأنه في حالة موت سريري فحدوده الحالية مع روسيا تضاعفت بانضمام فنلندا بعدما كانت لا تتجاوز 1200 كيلومترًا، وانضمام السويد يسمح بإحكام السيطرة على بحر البلطيق، وعزَّزت واشنطن وجودها في أوروبا، وبلغ الإنفاق العسكري للأعضاء معدلات غير مسبوقة، فيما بات سباق التسلح وتطوير الأنظمة الدفاعية على أشده.
تهدئة مخاوف دول الجبهة الشرقية للحلف
يؤكد الخبير الإستراتيجي جمال طه، أن قمة فيلنيوس حرصت على تهدئة مخاوف دول الجبهة الشرقية للحلف، جراء التهديدات التي يتعرضون لها من جانب روسيا، من خلال تحديث خطط الدفاع الإقليمي في القطب الشمالي، والبلطيق، والبحر الأسود، اعتمادًا على جيش متعدد الجنسيات بقوة 300 ألف جندي، وتطوير دور الحزب في صناعة السياسات الخارجية والدفاعية في المجال الأورو-أطلسي، وتعزيز الاستثمارات وبناء قواعد صناعات دفاعية متكاملة، ويفسر ذلك استدعاء واشنطن قوات الاحتياط لدعم تمركزها العسكري على الجبهة الشرقية للحلف.
وأضاف أن نتائج قمة الناتو الأخيرة تجاوزت الحرب الأوكرانية إلى وضع إستراتيجية للمواجهة الشاملة مع موسكو، حددت آليات الردع والدفاع في مواجهة التهديدات الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها الدول الأعضاء، وهذه المراجعة هي الأكبر منذ الحرب الباردة، وتشمل ثلاثة محاور جغرافية لمواجهة التهديدات الروسية والأعمال الإرهابية، كما تغطي خمسة أنواع من الاعتداءات: الجوية، والبرية، والبحرية، والسيبرانية والفضائية، كما لم تغفل تداعيات هشاشة الاستقرار في مناطق الساحل والشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أمن الجبهة الجنوبية للحلف «إيطاليا وإسبانيا»، وعلى تدفقات الهجرة عبر المتوسط، وراعت أيضًا المواجهة الإستراتيجية مع الصين بالدعوة لمواجهة التحديات المنهجية التي تشكلها، والدفاع عن القيم المشتركة، وعن نظام عالمي يقوم على القواعد، بما فيها حرية الملاحة البحرية.
خطة لدعم أوكرانيا
وأشار الخبير الإستراتيجي جمال طه، إلى أن بايدن كشف في ختام القمة عن اتفاق الدول السبع الكبرى بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، الولايات المتحدة، فرنسا، اليابان، على خطة لدعم أوكرانيا لأن أمن أوكرانيا جزءًا لا يتجزأ من أمن المنطقة الأورو أطلسية، ما يفرض الالتزام بإقامة أوكرانيا حرة ومستقلة وديمقراطية وذات سيادة داخل حدودها المعترف بها دوليًّا، وتمكينها من أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها وردع أي عدوان في المستقبل، وتم ترجمة هذه التعهدات بتشكيل مجلس أوكرانيا/الناتو، لكن تفعيل الضمانات لا يتم بالتزام جماعي، وإنما استنادًا لسلسلة من الاتفاقيات الثنائية بين أوكرانيا والدول السبع، يتم الانتهاء منها قبل قمة «ناتو» المقبلة بواشنطن خريف 2024.
وتشمل الضمانات توريد الأسلحة الحديثة، زيادة قابلية التشغيل البيني مع الحلف، دعم تطوير الصناعات العسكرية الأوكرانية وتدريب قواتها، تبادل المعلومات الاستخباراتية، التعاون في مجال الأمن السيبراني والاقتصاد بما في ذلك أمن الطاقة، وتلبية الاحتياجات العاجلة والإصلاحات المستمرة، اقتران الضمانات الأمنية بتعزيز الدعم المعلوماتي والاستخباراتي، استهدف احتواء القيادة الأوكرانية، وتجنب اتخاذ قرارات منفردة قد تقود لتصعيد غير محسوب مع موسكو.
وأكد الخبير الاستراتيجي، أن التعهدات المعلنة من دول الحلف بلغت دعم بـ 770 مليون يورو، تتضمن 40 عربة مدرعة و25 دبابة «ليوبارد-2» ومنظومتي صواريخ دفاع جوى «باتريوت»، كما تراجعت فرنسا عن موقفها التقليدي الخاص برفض تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، وقدمت صواريخ كروز «سكالب» مداها 250 كم، النرويج زادت دعمها لـ 220 مليون يورو، وبريطانيا زودتها بـ 70 مركبة قتالية ولوجستية، وذخائر لدبابات تشالنجر-2، وقد التحقتُ بهذه الضمانات عدة دول من خارج مجموعة السبع أبرزها النرويج بـ240 مليون دولار تتضمن عدد من أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، وألف طائرة بدون طيار.. وشركاء الحلف أيضًا وعدوا بالدعم "أستراليا 30 مركبة مدرعة، وكوريا الجنوبية أسلحة ومعدات جديدة".
وأشار إلى أن حلف «ناتو» يحاول إدخال بعض التغيير النوعي على التوازن العسكري في ساحة الحرب، قبل الانتقال لمائدة المفاوضات، بحيث لا تعكس التسوية السياسية الهزيمة المذلة لأوكرانيا والغرب، الذي دعمها بلا حدود، غير أن ذلك لا يمنع من أن أي خطأ في حسابات التصعيد، يمكن أن توسع من نطاق الحرب، وقد تحولها إلى حرب عالمية، يستحيل التنبؤ بنتائجها.





