ad a b
ad ad ad

مكاسب بولندا من الحرب الروسية الأوكرانية

الأحد 29/مايو/2022 - 11:48 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة
جنت بولندا الكثير من المكاسب التكتيكية والاستراتيجية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، في 24 فبراير 2022، وارتبطت بعض المكاسب بالداخل، والبعض الآخر على دور وارسو كقوة يمكن أن تُعيد الاتزان لدول حلف شمال الأطلسي «ناتو»، الذي يحد من تطلعات وطموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإقليمية، ومواجهة التهديدات الروسية في حال توسعها أو تمددها خارج حدود أوكرانيا.

الحرب الروسية الأوكرانية، أثبتت صحة موقف بولندا فمنذ عضويتها في حلف الناتو عام 1999، روجت لخطورة المشروع الروسي التوسعي، وما يمثله من تهديد على دول أوروبا الشرقية، بيد أن الكتلة الغربية كانت تنظر لهذا الطرح البولندي على أنه يحمل قدرًا من المبالغة، خاصة أن وارسو لم تكن من أنصار مبدأ احتواء موسكو عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، حيث كانت تنظر إلى أدوات القوة الصلبة باعتبارها الأنسب لردع روسيا، وهو ما أكده الرئيس البولندي السابق، ليخ كاتشينسكي، في عام 2008، إذ قال حينها: «اليوم جورجيا، وغدًا أوكرانيا، ثم دول البلطيق، وربما تأتي بولندا لاحقًا».

الأمر ذاته تطرق إليه باويز زروت، رئيس مستشار الرئيس البولندي، أندجي دودا قائلا: «إنه لأمر محزن للغاية أن الحرب والعدوان الروسي كانا ضروريين لأوروبا والعالم للاعتراف بأن بولندا كانت على حق»، على حد وصفه.

عزز موقع بولندا الجغرافي، مكانتها كبوابة للحضور الغربي في الحرب الحالية؛ وذلك بسبب حدودها المشتركة مع أوكرانيا والتي تصل لنحو 530 كيلو مترًا، بحيث أصبحت في موقع المدافع عن دول أوروبا الشرقية، علاوة على تحولها لدولة عبور للمعدات والأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وهذا ما اعتبرته بعض التقديرات أكبر عملية لنقل الأسلحة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، بحيث أصبحت بولندا موطئ قدم لدول الناتو؛ وذلك من خلال نمطين: الأول عبر تعزيز الحضور العسكري، والذي وصل إلى نحو تسعة آلاف جندي، بعدما نشرت الولايات المتحدة الأمريكية نحو خمسة آلاف جندي قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، في حين انسحب النمط الثاني لنشر عدد من المعدات العسكرية والمنظومات الدفاعية في بولندا.
مكاسب بولندا من الحرب
العمود الفقري للتحركات الغربية

الحرب الروسية الأوكرانية، أكدت أن بولندا لا يمكن الاستغناء عنها في حلف الناتو، فهي بمثابة العمود الفقري لمجمل التحركات الغربية في الحرب الدائرة، كما جعلت الحرب موقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يتغير من حلف وارسو، وأهميته، بعد أن حيث كان ينظر إليها كنموذج للأنظمة الشمولية الصاعدة في العالم، كما تأزم الموقف بين البلدين في نهاية العام الماضي عندما أقر البرلمان البولندي مشروع قانون موجه لشبكة تلفزيونية مملوكة للولايات المتحدة، ولكن الأمر اختلف 180 درجة، عقب اندلاع الحرب.

ولعل زيارة بايدن إلى بولندا في 25 مارس 2022 دليل على اقتناعه بالثقل الذي تمثله الأخيرة في الحرب الدائرة، حيث لم تكن تلك الزيارة الأولى لمسؤول أمريكي رفيع المستوى إلى بولندا، إذ سبقها عدد من الزيارات الأخرى لمسؤولين أمريكيين، ومنهم نائبة الرئيس الأمريكي، ورئيس وكالة المخابرات المركزية، ووزير الدفاع.
مكاسب بولندا من الحرب
نمط أكثر مرونة

ويعد موقف واشنطن مكسب ونجاح لبولندا كما أن موقفها من أزمة اللاجئين، ودورها في هذه الحرب؛ يدفع الدول الأوروبية إلى تبني نمط أكثر مرونة وفتح قنوات للتفاهم مع وارسو حول القضايا العالقة، ما منحها فرصة لترميم علاقاتها مع حلفائها الغربيين، بعدما تحولت من حليف غير مرغوب فيه إلى مرتكز أساسي وضامن لأمن حلفائها.

يذكر أن العلاقات بين بولندا وبين الاتحاد الأوروبي، كانت في غاية التوتر على خلفية اتهامات تتعلق بسيادة القانون في بولندا، وتهديد القضاء ونزع استقلاليته، علاوة على التضييق على حرية الصحافة والإعلام؛ ما دفع دول الاتحاد لتجميد نحو 36 مليار يورو كانت مخصصة لبولندا لمواجهة الأوبئة، علاوة على تصاعد الحشد الأوروبي لحجب المساعدات المالية المقدمة لوارسو.

ونجح النظام الحاكم في بولندا في توظيف الحرب الروسية الأوكرانية، لتهدئة الداخل بعد تزايد السخط الشعبي نتيجة الخسائر الاقتصادية جراء جائحة كورونا، والخلافات مع الاتحاد الأوروبي، وما نجم عنها من فرض مزيد من القيود التي حجّمت وقلّصت مساحة الحركة لبولندا، علاوة على التحديات الاقتصادية ومنها ارتفاع الأسعار وتراجع مستويات المعيشة، وغيرها من المشكلات التي تراجعت مؤخرًا أمام المخاوف التي أفضت إليها الحرب، والتي دفعت الرأي العام بما في ذلك المعارضة البولندية إلى توحيد الجبهة الداخلية بهدف مواجهة التهديدات الروسية.
"