مدعومة بوثائق نادرة.. دراسة تؤكد ارتباط أفغانستان بمصر منذ آلاف السنين!
الأربعاء 04/يناير/2023 - 03:35 م
إسلام محمد
في دراسة بعنوان "العلاقات المصرية الأفغانية (1922 ــ 1979)"، والتي نشرها مركز الخليج للدراسات الإيرانية، يستعرض الدكتور سعيد الصباغ، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عين شمس، مسيرة العلاقات التاريخية بين مصر وأفغانستان من زمن الفراعنة، حيث احتوت مقبرة الملك توت عنخ آمون، الذي حكم مصر في القرن 14 قبل الميلاد، على العديد من المصوغات الذهبية المطعمة بالأحجار الكريمة، من بادخشان شمال شرق أفغانستان.
ويذكر أنه من المواقف التي سجلها التاريخ، أنه عقب نكسة 5 يونيو 1967 توافد عدد كبير من الأفغان إلى السفارة المصرية في العاصمة "كابل"، طالبين من التطوع للقتال إلى جانب المصريين على الجبهة، وتبرع الرجال بالمال، والنساء بالحليّ، لمساندة المجهود الحربي لمصر.
علاقات قوية.. وإيجابية
ويسهم الكتاب الذي نشره مركز الخليج للدراسات الإيرانية، ضمن سلسلة "أوراق إيرانية"، مدعومًا بالوثائق النادرة، التي لم يسبق نشرها من قبل، في التأسيس لرؤية جديدة في العلاقات بين البلدين، مشددًا على المكانة المهمة التي تمتعت بها أفغانستان بالنسبة لمصر ومصالحها القومية؛ نظرًا لأنها واحدة من دول آسيا الوسطى، التي تعاظم ارتباطها بمنطقة الشرق الأوسط؛ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما ترتب عليه من سقوط التنافس القطبي، وتحول الولايات المتحدة إلى قطب أوحد يطرح مشروعاته للشرق الأوسط على الساحة، لتشمل المنطقة كلها، بما فيها أفغانستان، بالمفهوم الواسع للجغرافيا السياسية.
يقول الصباغ، إن مصر تمتلك رصيدًا إيجابيًّا كبيرًا لدى الشعب الأفغاني، حتى إنه يُنظر لها على أنها النموذج الذي ينبغي عليها الاحتذاء به، لا سيّما أنها لم تتورط في أي وقت من الأوقات في التسبب إراقة دماء الشعب الأفغاني، ولا الحرب الأهلية فيها، بل كانت دائمًا وسيط خير بين الفرقاء.
وتعود نشأة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى عام 1922م، عندما بادر الأمير حبيب الله أمير أفغانستان، بإرسال "خطاب تهنئة" إلى الملك فؤاد بمناسبة نيل مصر استقلالها، بتاريخ الخامس من سبتمبر عام 1922م، وإيفاده محمود طرزي إلى بلاط المملكة المصرية، بوصفه أول وزير مفوض لها لدى القاهرة، ومنذ ذلك الحين بدأت العلاقات المصرية الأفغانية.
وكانت القاهرة شاهدة على توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين، عام 1929م، كما كانت شاهدة أيضًا على تبني كابل عدد من المواقف الإيجابية، خلال هذه المرحلة، التي جسدت مدى اهتمامها بتحقيق مزيد من التقارب معها.
وفي 22 مارس 1945 باركت أفغانستان لمصر تأسيس الجامعة العربية بالقاهرة، وأيدت أفغانستان قرار مصر القاضي بإلغاء معاهدة 1936م، ثم اختصها الملك محمد ظاهر شاه بزيارة ودية عام 1950م، وهي جميعًا كانت تمثل في حد ذاتها معطيات مهمة لأن تولي مصر اهتمامها بأفغانستان، لاسيما فيما بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، ففي عام 1952 تم رفع درجة التمثيل السياسي بينهما إلى مستوى السفارة، وفي 30 أبريل عام 1955 قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بزيارة كابل، في زيارة تاريخية؛ فقد كانت تمثل المرة الأولى التي يقوم فيها زعيم عربي بزيارة أفغانستان في التاريخ.
وصرح عبد الناصر، عقب لقائه بالملك محمد ظاهر شاه ورئيس وزرائه محمد داود، بأنه رأى أن يقوم بالوساطة بين أفغانستان وباكستان للتخفيف من حدة التوتر الناشب بينهما، وكانت أفغانستان في مقدمة الدول التي أيدت حق مصر المشروع في تأميم قناة السويس؛ الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر، يوم 26 يوليو 1956م، فقد ذكر القائم بالأعمال المصري بالنيابة بالسفارة المصرية كابل عبد الوهاب خالد داود، ما يفيد ذلك في تقريره إلى الخارجية: "أجمعت كافة الدوائر الرسمية والأوساط الشعبية في أفغانستان على تأييد مصر في تأميمها لشركة القناة واستنكار ما لجأت إليه إنجلترا وفرنسا من أساليب الضغط والتهديد، فجاء في خطاب الملك محمد ظاهر شاه الذي ألقاه يوم 24 أغسطس بمناسبة عيد الاستقلال الأفغاني أن أفغانستان عبّرت عن تأييدها التام لإرادة الشعب المصري الحرة بتأميم شركة القناة، وعن أملها في أن تحترم الدول الكبرى حقوق الشعوب والمبادئ الدولية وميثاق الأمم المتحدة واعتبارات السلام الدولي.
الغزو السوفيتي
في يوم 27 ديسمبر 1979م، دخل الشيوعي "ببرك كارمل" العاصمة كابل في حماية القوات السوفيتية، التي بدأت بدورها غزوًا عسكريًّا عنيفًا لأفغانستان؛ أدخل البلاد في دوامة صراع لم تنته أبعاده منذ ذلك الحين حتى وقتنا الراهن.
وكانت مصر أول دولة في العالم العربي والإسلامي، تتحرك وتعلن موقفها الواضح فاستدعى الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية، باستدعاء السفير السوفيتي بالقاهرة، فلاديمير بوكولياكوف، وطلب منه إبلاغ حكومته بأن القاهرة تدين التدخل السوفييتي في أفغانستان، وترفض سياسة الهيمنة السوفيتية على مصالح الدول الصغيرة".
وأعلن الرئيس الراحل أنور السادات، في أكثر من مناسبة أنه سوف يقدم كل مساعدة ممكنة للمجاهدين الأفغان، قائلًا: "كل شيء في أيدينا.. أسلحة.. أموال.. كل شيء.. كل مساعدة ممكنة يجب أن نقدمها لهم. وأقولها لكي تسمعها موسكو، سوف نستمر في إرسال السلاح إلى ثوار أفغانستان حتى يدافعوا عن استقلالهم ويحرروا وطنهم".
واستمر الموقف المصري المؤيد والمساند للمجاهدين الأفغان، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك على جميع المستويات السياسية والمعنوية، كما قدمت مصر مساعدات إنسانية كبيرة للمهاجرين الأفغان في بيشاور بباكستان، وتكفلت بعلاج عدد من جرحى المجاهدين في مستشفيات الهلال الأحمر المصري في القاهرة وطنطا، وساندت القضية الأفغانية في المحافل الدولية، حتى انسحاب القوات الروسية من أفغانستان، في 15 مايو 1988.
مكانة الأزهر في أفغانستان
ويشير الصباغ إلى أن الأزهر الشريف يتمتع بمكانة موقرة في أفغانستان، بوصفه المؤسسة الدينية الشاملة التي يحظى خريجوها باحترام وتقدير كبيرين عند الشعب الأفغاني، وأصبحوا فيما بعد روادًا للحركة الإسلامية في المجتمع الأفغاني، مشيرًا إلى أن تعظيم المصالح المشتركة سياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا بين القاهرة وكابل، سوف يكون من العوامل المؤثرة على علاقات التقارب بين مصر وأفغانستان، ويعزز دور مصر في آسيا الوسطى على جميع المستويات.





