دلالات خفوت القاعدة في أفغانستان.. التفاهمات السياسية والعقيدة التنظيمية
إن خفوت نشاط تنظيم القاعدة في
أفغانستان خلال المرحلة الحالية على الرغم مما تشهده البلاد من فوضى أمنية نتيجة
الصراعات الداخلية والخارجية يطرح تساؤلات حول ماهية التفاهمات الدولية التي رافقت
عملية الانسحاب الأمريكي، على اعتبار أن هزيمة التنظيم والقضاء عليه كان السبب
الإعلامي الذي استخدمته واشنطن لحربها في كابول.
يبقى تنظيم القاعدة هو الأبرز بين جماعات الإسلام الحركي ذات البعد الدولي بالنسبة للإعلام الأمريكي، وذلك لما سببه من خسائر فادحة لواشنطن خلال تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام في 1998 إلى جانب أحداث 11 سبتمبر، كما أن المجتمع الأمريكي لا يزال يرى في تهديدات القاعدة خطرًا قائمًا لا يرتبط بنسب هجماتها وإنما بعقيدتها حول العدو القريب والبعيد وخطط السيطرة الدولية التي يشرف عليها زعماء التنظيم أمثال سيف العدل.
الدلالات التنظيمية لخفوت القاعدة
تؤدي حالة السيولة السياسية الحالية في أفغانستان إلى إبراز التراجع النسبي لتنظيم القاعدة، إذ كان المتوقع من البعض أن الخروج العسكري لواشنطن وحلفائها في الناتو من البلاد سيعطي فرصة أكبر للتنظيم من أجل الانتشار والتوسع وبالأخص بعد إصداره السابق حول نسب عملياته المتزايدة في البلاد عقب توقيع الاتفاقية بين واشنطن وطالبان في فبراير 2020.
وتتعدد الأسباب المحتملة لهذا التراجع القاعدي ولكن من الناحية التنظيمية الخاصة بظروف قادة الجماعة وأتباعها فأن الأنباء غير المؤكدة عن مرض الزعيم الحالي أيمن الظواهري أو وفاته يمكن أن تسهم في ضبابية المشهد بالنسبة للتابعين وبالأخص الذئاب المنفردة ما يؤثر على معدل الهجمات.
كما أن طريقة الإدارة الحالية تحت قيادة الظواهري ومساعديه من المعسكر المصري قد يكون لها توجه خاص حيال الأمر، ففريق الظواهري إذا ما كان لا يزال متحكمًا يميل إلى تنفيذ عمليات صغيرة متفرقة من آن لآخر ولا يميل إلى الهجمات الضخمة المؤثرة بقوة نظرًا لما حدث للهيكل التنظيمي للقاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلى جانب خبراتهم في العمل مع الجماعات الإرهابية التي نشطت في مصر خلال التسعينيات وما رأوه من انتهاء ساحق وسريع لاعتمادهم الهجمات الكبرى والعنيفة.
ويعضد هذا الاتجاه الجاسوس البريطاني الذي جندته الاستخبارات بداخل تنظيم القاعدة لعدة سنوات، إذ قال أيمن دين في إحدى مقابلاته إن الظواهري كان يرفض الهجمات الكبرى التي من الممكن أن تستفز الإدارة الأمريكية خوفًا من رد فعلها.
ولكن تبقى هذه التكهنات خاصة بمصالح واشنطن أما العمليات الداخلية في أفغانستان ذاتها فماذا عنها؟، ويجيب عن هذا التساؤل الباحث في شؤون الحركات المتطرفة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيري في تصريح سابق لـ«المرجع» قائلا: إن التنظيم تراجع كثيرًا لصالح داعش الذي استطاع التفوق عليه في معقله الأساسي.
الدلالات الدولية لتراجع القاعدة
بالنظر إلى الارتباطية الراسخة بين المصالح السياسية وجماعات الإرهاب فأن ضعف القاعدة الحالي ربما يكون مارًا عبر إحدى المواءمات السياسية للدول الكبرى التي تسعى لعدم وصف خروجها من كابول بالفشل، ووضع الأمور في نصابها، حيث نسب التطرف المسموح بها لمصالح خاصة.
ويتوقف ذلك على حقيقة الأهداف من الانسحاب والاقتحام، فواشنطن مثلًا تهتم بمصالحها فقط وليس بإنهاء الصراعات العنيفة في أفغانستان ومن ثم فاتفاقيتها مع طالبان تنص على عدم استهداف مصالحها بغض النظر عن وضع الإرهاب داخليًّا، كما أنها لم تستطع رغم سنوات وجودها في البلاد من القضاء على القاعدة.
ومن جهتها شددت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة نورهان الشيخ في تصريح لـ« المرجع» على أن واشنطن لا تنوي بشكل حقيقي القضاء على القاعدة أو أي تنظيم إرهابي بالمنطقة بل على العكس فهي تتربح من حالة الفوضى التي تركتها في أفغانستان لتزعج الصين وروسيا وإيران وتهدد أمنهم وتحقق مصالحها.
المزيد.. الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. تحديات تواجه الدول الآسيوية الكبرى





