كيف سيستفيد هؤلاء من إلغاء المفاوضات الأمريكية مع «طالبان»؟
تتعدد الأطراف السياسية الداخلية
والخارجية حول القضية الأفغانية، ما يؤثر بالضرورة على حاضرها ومستقبلها ونمط الحكم داخلها، وبالأخص مع انتشار المجموعات المتطرفة وبعض العوامل الأخرى المضاعفة لصعوبة
الوضع هناك، مثل وعورة السطح وضعف المجتمع الحضري مقابل سيطرة القبلية وغيرها من
العوامل.
ووسط كل هذه المتغيرات المتشابكة فإن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقف المفاوضات بين بلاده وبين حركة «طالبان» حول السلام في افغانستان وإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، سيخلف بالتأكيد أطرافًا مستفيدة وأخرى خاسرة، ولكن عن المستفيدة فإن البحث حولها يتوجب وجود بعض التقسيمات للمعادلات المؤثرة في البلاد حتى يتضح مدى استفادتها بشكل حقيقي من بقاء الوضع كما هو عليه، أو بالأحرى اشتعال الاقتتال بين الطرفين الرئيسين في البلاد «طالبان» و«الولايات المتحدة».
أطراف داخلية
تتنوع المتغيرات الداخلية بالبلد الأسيوي، وبالتالي فإنها ستتأثر من تأزم سريان مسار المفاوضات، وفيما يلي أبرز الأطراف التي ربما تكون مستفيدة ولو بشكل نسبي من ذلك:
أولًا: الحكومة الأفغانية: فطالما تلقت الحكومة برئاسة أشرف غني الكثير من الدعم الأمريكي، حتى إن البعض يصفها بذراع واشنطن في البلاد بمن فيهم طالبان، وفي 8 سبتمبر 2019 أي بعد ساعات من قرار الرئيس الأمريكي أوضح المكتب الرسمي لـ«غنى» أن السلام المنشود في المنطقة لا يمكن تحقيقه في ظل الهجمات المستعرة لطالبان، كما أكد بيان الرئاسة أن إلغاء المفاوضات خطوة ضرورية لعدم التزام «طالبان» بوقف إطلاق النار، لأن ذلك هو الحجر الأساسي لإحداث سلام بالمنطقة.(1)
ويبدو البيان وكأنه تأكيد على رؤية الحكومة المعادية لـ«طالبان»، فاستكمالًا على ذلك ذكر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الأفغانية صديق صديقي أن الحركة المتطرفة تقتل الشعب الأفغاني بناء على توجيهات تتلقاها من الدوحة، في إشارة لعمالة الحركة وعدم ولائها للداخل الأفغاني. (2)
تسيد المشهد
وفي حديث مع «المرجع» أشار حسن أبو طالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الى أن المفاوضات الأمريكية التي تم عقدها في السابق مع "طالبان" كانت بمثابة تخلي واضح عن الحكومة الأفغانية، كما أنها كانت ستحدث حربًا أهلية في البلاد لإنها ربما كانت تطلق يد الجماعة المتطرفة ضد الحكومة للانتقام منهم على ما فعلوه من هجمات ضد عناصر الحركة، ومن المحتمل، من وجهة نظره، أن تسيد طالبان للمشهد الأفغاني خلال المفاوضات كان سيحدث إطاحة بالحكومة.
فيما وصف تقرير لصحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية في 15 سبتمبر 2019 إغفال الحلفاء المخلصين لواشنطن في أفغانستان وفشل وسائل الإعلام في مناقشة الأزمة، وذلك في إشارة للحكومة الأفغانية بصفتها حليفًا إلى جانب قوات حلف الناتو وغيرها من الدول التي دعمت الحرب هناك، والتي ترى الصحيفة أن انسحاب القوات الأمريكية وحدها وعقد اتفاق أحادي القطب فقط يعد أيضًا تخليًا عن هذه الأطراف وتوريطًا لها وسوء إدارة سياسية.(3)
ويعني هذا أن تعطل المفاوضات بين الجانب الأمريكي وحركة "طالبان" يمثل إنعاشًا جديدًا لدور الحكومة في البلاد، ويعطي معني للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 2019، وفي ذات السياق صرح صديق صديقي بأن "طالبان" بعد توقف المفاوضات تواجه فشلًا سياسيًّا.
ثانيًا: النساء والمجتمع المدني: تصف التقارير والإحصائيات والوقائع «المرأة» بالخاسر الأكبر من وجود حركة "طالبان"، حتى أن الإعلام الأمريكي دأب خلال فترة المفاوضات على مناقشة هذا الأمر، وفي يوليو 2019 قام وفد من مسؤولي هيئة الأمم المتحدة بزيارة أفغانستان لدعم دور المرأة في عملية السلام بالمنطقة، فطبقًا للبيان الرسمي عن الهيئة فإن السلام لن يكون ممكنًا دون وجود المرأة كشريك في المجتمع.(4)
ومن الجدير بالذكر، أن فترة إعتلاء «طالبان» لحكم البلاد كان بمثابة نقمة على المرأة وحريتها إذ منعت الحركة الفتيات من استكمال تعليمهن وفرضت عليهن لباسًا موحدًا وغيرها من المظاهر المهينة لكرامة المرأة، وعليه فقد تنفس نساء أفغانستان الصعداء بمجرد الإعلان عن توقف المفاوضات التي كانت تمثل لهم مشكلة مستقبلية ستحد من حقوقهن.(5)
ثالثًا: التنظيمات الإرهابية: والتى تنتشر في البلاد وأهمها «القاعدة» و«داعش» واللذان ترتبط بعض البنود بوجودهما كما تتعلق المصالح الإقليمية بهما أيضًا، فبالنسبة لتنظيم القاعدة فتقارير الاستخبارات الأمريكية كانت متأكدة أن «طالبان» تدعم تنظيم القاعدة، وأنها من ساعدته لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر، وأن هذا الأمر بالأساس كان سببًا للحرب وشرطًا للمفاوضات.
واشترطت الولايات المتحدة توقف الحركة عن دعم «القاعدة» والحيلولة دون تحول أفغانستان لمعسكر إرهابي كبير يهدد أمن واشنطن، وهو ما ناقشته الأبحاث عدة مرات ولكن مع تعطل المفاوضات، هل سيتنفس أيضًا قيادات "القاعدة" الصعداء؟ وبالأخص بعد الضربة الأمريكية بقتل حمزة بن لادن بالرغم من تعدد أسباب هذا الأمر بشكل خاص.
وتعليقًا على هذه النقطة ناقش «المرجع» الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والمختصة في الشأن الآسيوي، والتي قالت إن عناصر تنظيم القاعدة مرتبطون بموازين القوى فأينما تكون السيطرة التنظيمية ستتشبث العناصر، كما يتعلق الأمر بالتفاهمات الدولية ومدى رؤيتها لانتهاء لعبة المصالح المتعلقة بالتنظيم، لافتة إلى احتمالية وجود تفضيلات لدى إدارات الدول العظمى نحو قيادات بعينها داخل "القاعدة"، وسيتوقف مستقبل التعاون على العروض المقدمة من الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الأخرى بشأن التفاوض أو أمنيات عودته لدى الأطراف المختلفة.
وبالنسبة لتنظيم «داعش» فمن المعروف أنه استطاع تأسيس فرع قوي بالداخل الأفغاني، كما أنه يسعى لمنافسة طالبان والقاعدة أيضًا من أجل نفوذ أقوى وانتشار أوسع على الأرض، كما أن بعض الأطراف الإقليمية ترى فيه تهديدًا كبيرًا لأمنها مثل طهران وبكين وغيرهما.
وكانت التقارير تشير إلى تضييق ربما سيحدث على «داعش» إذا ما توصلت "طالبان" بالفعل لاتفاق مع واشنطن ولكن بعد تأزم الموقف هل ستتزايد هجمات «داعش» داخل البلاد وعلى عناصر الحركة والقبائل المعارضة لها؟، وهل ستستفيد فعليًا من الحرب الأمريكية التي ستشتعل أكثر ضد «طالبان» وانشغال الطرفين بمحاربة بعضهما البعض؟، أم أن الحرب على الإرهاب هناك ستكون شاملة وهو ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بشكل أوضح وأكثر توثيقًا.
وتدفع صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بأن هذه الحرب المستعرة ستجعل من «داعش» الملاذ الأكثر أمانًا بالنسبة للعناصر المتطرفة التي ستتزايد أعداد قدومها من أراضي المعارك مثل سوريا والعراق إلى أفغانستان، ومن شأن ذلك أن يؤثر على اتساع نفوذ التنظيم في البلاد وتدعيم ولاية خراسان.(6)
هناك أيضًا الأطراف الخارجية، فمن الواضح أن الأزمة الأفغانية ترتبط بجهات إقليمية قوية تنشغل بـأوضاع البلاد للمصالح الاقتصادية، كما أن أغلبها يشترك في العداء للولايات المتحدة وتربطها مصالح خاصة بـ«طالبان» وغيرها من التفاهمات.
أطراف خارجية
هناك أيضًا الأطراف الخارجية، فمن الواضح أن الأزمة الأفغانية ترتبط بجهات إقليمية قوية تنشغل بـأوضاع البلاد للمصالح الاقتصادية، كما أن أغلبها يشترك في العداء للولايات المتحدة وتربطها مصالح خاصة بـ«طالبان» وغيرها من التفاهمات.
أولاً: إيـــران
يشكل الوضع الأفغاني ملعبًا كبيرًا لتدريب طموحات نظام الملالي نحو العالم، فلطالما دعمت طهران حركة طالبان إلى جانب دورها في دعم قيادات القاعدة واستضافة تشكيلات من متدربيه، ولكن يبقى «داعش» بإيدلوجيته المتطرفة خطرًا على النظام الشيعي المتطرف وعليه تعول طهران على طالبان في هزيمة «داعش» وتقويض خطورته في المنطقة.
وهناك من الدراسات ما كان يشير إلى الخسائر المحتملة لطهران جراء الاستمالة الأمريكية لطالبان بعد عقود من التعاون بين الطرفين، ولكن إزاء الوضع الحالي ذكرت المحللة السياسية لشبكة «CNN» كامليا انتخابي أن دعم طهران للسلام يشوبه الكثير من القلق حول النفوذ الأمريكي، فهي لا تريد تسوية تسيطر عليها واشنطن، كما أن الفوضى السياسية والاجتماعية بالبلاد تعد متنفسًا لرغبات إيران نحو المد الشيعي في المنطقة وبالأخص لدى القبائل التي تعتنق هذا التيار؛ إذ تمكنها من بناء مراكز ومساجد شيعية تضمن الولاء لها، إلى جانب التعاون الإجرامي مع طالبان بشأن تجارة المخدرات التي يُعتمد عليها في تمويل الميليشيات مثل حزب الله وغيرها ودور ذلك في تحقيق أهداف طهران.(7)
ثانياً: الصين
ترتبط بكين بعلاقات قوية مع «طالبان» كما اعترفت بها كطرف سياسي رسمي في أفغانستان، وكانت لهما لقاءات ومباحثات مشتركة قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، ونتيجة للمصالح الصينية بالمنطقة فإنها كانت تأمل في إحداث سلام هناك، ولكن أيضًا دون سيطرة أمريكية، فالصين ترغب في تهدئة الأوضاع الإرهابية بالمنطقة لحماية مصالحها، كما أنها تريد تأمين مشروعها الضخم «الحزام والطريق»، وإحداث مناعة ضد تحالف جغرافي يضم طائفة الإيجور ويهدد مصالحها.
وعليه تدفع صحيفة «آسيان ريفيو» بأن قطع المفاوضات يفتح بابًا أوسع لمبادرات بكين نحو إسلام آباد بشأن تسريع وتيرة العمل على مشروع الحزام والطريق الذي ادعت الصحيفة أن سيطرة واشنطن على الأضاع خلال المفاوضات أدى إلى تعطيل دور باكستان في المشروع عبر الضغط السياسي والمالي عليها.(8)
من جهتها أكدت حركة طالبان عبر المتحدث الرسمي سهيل شاهين أنها تتطلع لتعاون إقليمي وأنها بصدد إعداد زيارات للصين ودول آسيا الوسطى لتقييم الأوضاع المشتركة عقب توقف المفاوضات، مثلما حدث مع روسيا منذ عدة أيام.
ثالثًا: روسيا
كانت موسكو من الدول التي طلبت الاشتراك كوسيط في مفاوضات واشنطن وطالبان، ولكن دونالد ترامب رفض هذا الأمر، كما أنها كانت الوجهة الدولية الأولى لقيادات الحركة بعد فشل المفاوضات.
وطبقًا لدراسة قدمتها مجلة الدراسات الإيرانية فإن موسكو تجد في الاضطراب الأفغاني ملعبًا لها من أجل التدخل لتقويض النفوذ الغربي وإعادة تشكيل الداخل بما يخدم مصالحها، كما أن هذه المتغيرات تشكل التعاون الروسي الإيراني في كابول.(9)
رابعًا: الهند
برزت الهند أيضًا كأحد المستفيدين من انهيار المفاوضات، فطبقًا لصحيفة «لايف منت» فإن طالبان والقاعدة والعلاقات بينهما كانت توفر بدورها دعمًا كبيرًا للمجموعات الإرهابية في كشمير، وفي هذه الحالة فإن قرار الرئيس ترامب سيحمي تدهور الأوضاع الأمنية بالمنطقة.(10)
وعلى الرغم مما سبق، فإن باب المفاوضات لم يغلق بشكل كبير ولكن يبدو الوضع صعبًا ومزدحمًا بالترابطات الإقليمية والاقتصادية والسياسية فضلًا عن وجود تيارات سياسية داخلية رافضة للتفاوض أيضًا.
المصادر:
1. https://www.albawabhnews.com/3720759
4. https://news.un.org/en/story/2019/07/1042961
5. https://dailytimes.com.pk/466343/there-is-no-need-to-cry-over-no-camp-david-afghan-peace-deal/
6. https://www.ft.com/content/ae7cd2c2-ce26-11e9-99a4-b5ded7a7fe3f
7. https://arabic.cnn.com/world/2017/08/22/camelia-entekhabi-fard-opinion-afghan





