بعد شهور من توقيع الاتفاق التاريخي
بين حركة طالبان وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية لانسحاب القوات العسكرية
للأخيرة من الأراضي الأفغانية مقابل خفض العنف في البلاد، أصدر مجلس الأمن التابع
لهيئة الأمم المتحدة تقريرا صادما يؤكد استمرارية العلاقة بين الحركة وتنظيم
القاعدة.
إذ أشار البيان الصادر مطلع يونيو 2020
إلى أن حركة طالبان خدعت الولايات المتحدة الأمريكية حين اتفقت معها على تعهد بقطع
العلاقات مع المجموعات الإرهابية الأخرى ومنع تحول البلاد لقاعدة تدريب للمسلحين
تستخدم لمهاجمة مصالح واشنطن، وذلك لأن طالبان كانت تنسق مع القاعدة طوال مدة
المفاوضات مع الجانب الأمريكي، أي أن البنود التي وافقت عليها واشنطن لم تكن بمعزل
عن قيادات القاعدة بل تمت بالتشاور فيما
بينهما، كما لفت التقرير إلى صعوبة فك الترابط بين التنظيمين فعلاقتهما راسخة
تأطرها الكثير من العوامل منها التشابه الإيدلوجي وتاريخ الصراع المتوافق
والتشابكات العائلية والقبلية.
الترابط بين طالبان والقاعدة
لم يكن البند المصاغ في الاتفاقية المبرمة بين الحركة وواشنطن في 29 فبراير 2020 حول علاقة طالبان بالقاعدة بسهل التقبل من جانب الباحثين والساسة بل أنه نقطة جدال دائرة حتى قبل التوقيع، إذ تأمل واشنطن أن تلتزم طالبان بقطع علاقاتها بالقاعدة لتحقيق ما تطمح إليه وهو خروج قوات الولايات المتحدة من البلاد ليخلو لها عرش الحكم.
ولكن الترابط بين التنظيمين ليس بالهين فهو تاريخي، فمنذ بداية تأسس القاعدة كانت الأراضي الأفغانية هي الحاضنة الجغرافية لها وكانت طالبان بمثابة الراعي الأمني لها بعد إعلان أسامة بن لادن ولاءه للملا عمر قائد الحركة آنذاك ومن بعده أيمن الظواهري الذي جدد التزامه بالعلاقة مع الحركة، بيد أن هناك توافقا إيدلوجيا نوعيا حول هدفهم مع تغير الجغرافية الحركية فطالبان تهدف لإقامة دولتها على أراضي أفغانستان فقط بشكل محلي مع التعهد بعدم نقل تجربتها إلى جغرافيات أخرى أما القاعدة فتهدف إلى بناء إمبراطورية عالمية.
ومن الشواهد على استمرار العلاقة هو بيان التهنئة الذي صدر من القاعدة لطالبان فور توقيعها للاتفاق مع واشنطن، إذ ذكرت القاعدة أنها تثمن الدور والنتيجة الناجحة التي وصلت إليها طالبان وإتمامها التوافق حول خروج القوات العسكرية الأمريكية من البلاد.
هل خدعت واشنطن؟
بالنظر إلى الجهة الأمريكية سيعتقد البعض أنها خسرت لتوقيعها على هذا الاتفاق الذي يسمح لقواتها بالخروج بعد سنوات من الحرب على جماعات لم تنتهِ بل أبرمت هي التعاهدات، ولكن بالعودة إلى سياسة الإداراة الأمريكية الحالية سنجد أنها وصلت إلى ما صاغته أجندتها فقط للحفاظ على اقتصادها بغض النظر عما قدمته من مبررات للحرب.
فمنذ الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب وهو توعد بإنهاء أو تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الدول الخارجية وتقليل خسائر دولته المادية والبشرية، فالحرب في أفغانستان أرهقت الخزينة الأمريكية فطبقًا لتقرير نشرته بي بي سي البريطانية في أغسطس 2019 أنفقت واشنطن على الحرب منذ 2001 حتى مارس 2019 حوالي 760 مليار دولار.
براجماتية الواقع
وإزاء هذه الإشكالية تقول أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمتخصصة في الشأن الآسيوي، نورهان الشيخ في تصريح سابق للمرجع إن تنظيم القاعدة لم تنته وظائفه التي وضع من أجلها في المنطقة لتقرر واشنطن إنهاء وجوده أو تقطع طالبان علاقتها معه، فمن وجهة نظر الباحثة أن الخروج الأمريكي لم يكن وحده مرتبطًا بالعامل الاقتصادي بل أن تواجدها منذ البداية كان مرتبط بإنعاش خزائنها العسكربية من بيع السلاح والمتفجرات في المناطق المشتعلة بالصراعات، أي أن الأمر برمته مصالح مادية فقط فلو كانت واشنطن بكل ما تملك من قوة عسكرية واستخباراتية تريد تدمير القاعدة وطالبان لكانت فعلتها.
مؤكدة أن علاقة طالبان والقاعدة من حيث الانفصال أو الترابط تحكمها معايير القوى العسكرية والقيادية لوضع إطار للعناصر الدنيا في التنظيمين وسواء سيبقون في حركاتهم أو العكس، كما أن العلاقة تحكمها قوى دولية كثيرة فاعلة في المنطقة ولديها الكثير من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الكثير مثل إيران والصين.