«ولاية وسط أفريقيا» تدخل خريطة التنافس الدولي بتمهيد داعشي
تمكن تنظيم داعش من مد نفوذه إلى وسط القارة الأفريقية، مؤسِسًا عبثًا لولاية متطرفة تستغل الاضطرابات السياسية والأمنية بالمنطقة لنشر الإرهابيين، واستمالة مضطربي الهوية الفكرية إلى صفوفها ضمن أجندة مجهزة لتبديد ثروات الشعوب، إذ تجتمع بعض العوامل المؤثرة في وسط أفريقيا لجعل المنطقة كرة نار جديدة بالانضمام إلى مناطق أخرى في القارة كالساحل والصحراء ومنطقة القرن الأفريقي.
وبالتالي فإن تدخل الولايات المتحدة في هذا الملف، يفرض تساؤلات حول التأثير المحتمل على انتشار الإرهاب والعنف بناء على تجارب سابقة شهدت دورًا لواشنطن ربما أجج الصراع ولم يخمده.
الخميس 11 مارس 2021، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إدراج العناصر التابعة لتنظيم «داعش» في المنطقة على لائحة الإرهاب، وهم جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة التي يقودها «سيكا موسى بالوكو» في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب إدراج المدعو أبو ياسر حسن زعيم حركة الشباب الموالية لـ«داعش» في موزمبيق، والتي تسببت في الكثير من الهجمات خلال السنوات الماضية.
ويتسم فرع «داعش بوسط أفريقيا» بالحداثة النسبية، فخلال إحدى الإصدارات التي نشرها التنظيم لمؤسسه الراحل «أبو بكر البغدادي» في أبريل 2019 ظهر ملف بيد «البغدادي» بمسمى «ولاية وسط أفريقيا» في إعلان عن تأسس الفرع بشكل عام، فيما أعلنت حركة الشباب بموزمبيق تبعيتها لداعش قبل ذلك من خلال فيديو بثته الأذرع الإعلامية على موقع تليجرام في يونيو 2018.
الصراعات الإرهابية والدور الأمريكي
ينظر البعض إلى القرار الأمريكي بالتدخل في ملف الإرهاب بوسط أفريقيا على أنه تصعيد دولي قد يفكك الإشكالية ويمهد للسيطرة عليها، ولكن بالعودة إلى مسلسل التدخلات الأمريكية في بقاع الإرهاب بالعالم لم تنتهِ أيًا منهم حتى الآن ومنها من ازداد تعقدًا، مثل أزمة أفغانستان التي استفحلت إلى أن وصلت إلى حد تسليم السلطة لذات الجماعة الإرهابية التي جاءت واشنطن لمحاربتها منذ البداية، وهو المستقبل المنتظر للمحاصصة السياسية التي تسعى لها الإدارة الأمريكية مع الحكم في كابول والمقسم بين الحكومة وحركة «طالبان» والقبائل وغيرهم من الفاعلين بالملف.
بمعنى أن الجيش الأمريكي بما يملكه من تمويل وعتاد عسكري لم يستطع القضاء على تنظيم «القاعدة» أو حركة «طالبان» بل سيسلمها السلطة وفقًا لشروط تضمن بقاء مصالحه بالمنطقة.
المزيد..«مناجم أفريقيا الوسطى».. هدف الإرهاب الممهد بالطائفية والصراع السياسي (كروس ميديا)
كما أن تجربة الولايات المتحدة في العراق لم تنهِ الإرهاب بل تسببت في استفحال النزاع الطائفي بين المواطنين، وبالتالي فإن تدخل الإدارة الأمريكية لا يُحتمل أن يعول كليًّا كحل للأزمة بل يفرض وبشدة دراسة الوضع التنافسي الدولي الذي جلب واشنطن إلى المنطقة.
خريطة المصالح والمنافسة الدولية
وتتبع مركزية الهجمات التي شنتها الجماعتان المدرجتان على لائحة الإرهاب الأمريكية وكذلك توقيتاتها، تنذر بتنافس دولي محموم يشبه ذات التنافس الذي يسبق توطن الصراعات في كل المناطق التي مرت بهذه التجارب.
ففي مارس 2018، التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بالرئيس الموزمبيقى فيليب نيوسي، لتوقيع عقود التعاون بين البلدين في استثمارات الغاز بعد دراسات على المنطقة من قبل الشركة الروسية «روسنفت»، أكدت وجود احتياطات كبرى من خام الغاز بشمال البلاد وتحديدًا بمقاطعة «كابو ديلجاو» وهي ذات المنطقة التي يتوطن بها «داعش» الذي أعلن استمالة الجماعة المتمردة في البلاد لصالحه بعد ثلاثة شهور فقط من توقيع هذا الاتفاق بين الرئيسين.
وتذكر صحيفة «التايمز» البريطانية أن مشروع الغاز في موزمبيق هو الأكبر في المنطقة باستثمارت ضخمة تصل إلى 60 مليار دولار، ولكن العمليات العنيفة بالمنطقة تعيق استمرار العمل بأمان، وبالتالي ترسل موسكو شركاتها الخاصة لحفظ الأمن بالمواقع المهددة، إذ يتعمد «داعش» مهاجمة الشاحنات وكذلك المواطنين الروس العاملين بالمواقع قتل اثنان منهم في أكتوبر 2019.
وبالتالي فإن تواجد «داعش» في شمال موزمبيق، حيث الغاز والثروة الساحلية والمدن السياحية يعني تطويقًا إرهابيًّا لأهم المناطق في البلاد التي تجذب بمعادنها التنافس الدولي المعروف حول المناطق الساخنة.
ولكن هل سيبقى التدخل الأمريكي مقصورًا على إدراج على اللوائح الإرهابية أم سيتضمن إرسال قوات عسكرية ضمن بعثات خارجية؟، وهو ما يبحثه الرئيس الموزمبيقي منذ الأشهر القليلة الماضية، والتي صرح فيها بعدم قدرة قواته وحدها على تقويض التنظيم الإرهابي.
وتعرف جمهورية الكونغو بثرواتها المعدنية التي تبقى كعامل جذب للجماعات الإرهابية التي تستخدم هذه الثروات في عمليات التمويل والرعاية الدولية التي تحظى بها لاستكمال عملياتها دوليًّا، إذ تحتضن الكونغو الديمقراطية حوالي 60% من احتياطي العالم من خام الكوبالت المستخدم في صناعة الهواتف المحمولة، فضلا عن احتياطي ضخم من ثروة الماس دوليًّا، ما يجعلها محطة مهمة للطامعين في ثروات الشعوب من الجماعات الإرهابية.





