يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

مستقبل الصراع بين «داعش» و«طالبان» في أفغانستان

الخميس 12/يوليو/2018 - 11:13 ص
داعش
داعش
حامد المسلمي
طباعة
أدَّت الضربات التي تلقاها تنظيم «داعش» في معاقله بالعراق وسوريا، وفقدان أغلب الأراضي التي كانت تحت نطاق سيطرته، إلى البحث عن ملاذ جديد لعناصره، وكانت أفغانستان والصومال وليبيا على رأس الدول المرشحة لاستضافة عناصر التنظيم؛ لأنها دول تتسم بتصاعد التيارات الدينية فيها؛ فضلًا عن الغياب الكامل لمفهوم سيادة الدولة لديها، ومن ثم يمكن أن تُصبح بيئة خصبة لنمو التنظيم، واستعادة قوته. 
وبالفعل أعلن «داعش» وجوده بأفغانستان في 2015، وشهدتْ هذه الفترة تنافسًا سياسيًّا وجهاديًّا بين حركة طالبان، وتنظيم داعش؛ للهيمنة على ساحة الجهاد في أفغانستان، التي وصلتْ حدَّ الاقتتال بين عناصر التنظيمين هناك. 
أيضًا أدَّى ظهور «داعش» والتنافس مع «طالبان» -في أفغانستان- على النفوذ، وريادة التنظيمات هناك، إلى إعادة نشر الولايات المتحدة لآلاف عدَّة من قواتها، إضافة إلى كتائب لتدريب الجيش الأفغاني على التعامل مع التحديات الجديدة. 
وفي هذا الإطار تتلخَّص إشكالية بحث مدى تأثير التنافس بين «داعش» و«طالبان» على مستقبل الاثنين، ووجودهما في أفغانستان، وأثر هذا التنافس على الاستقرار هناك، وتُحاول الدراسة الإجابة عن هذه الإشكالية عبر محاور عدة؛ كالآتي: 
مستقبل الصراع بين
أولًا: خلفية تاريخية: 

تعود جذور نشأة حركة طالبان وتنظيم القاعدة* -في الأساس- إلى الظاهرة الأفغانية، وتبلورها بعد عام 1978، عندما تدخَّلت القوات السوفيتية؛ لدعم الحكومة الجديدة بأفغانستان في مواجهة الفصائل المُتطرِّفة (المجاهدون الأفغان)، في الوقت الذي كانت الحرب الباردة مشتعلة بين القطبين الأمريكي والسوفييتي؛ فقامتِ الولايات المتحدة بمساندة المجاهدين الأفغان؛ بغرض استنزاف الاتحاد السوفييتي، وتعاونتْ مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية؛ لتجنيد المتطوعين للجهاد في أفغانستان، وتقديم الدعم العسكري، واللوجستي، والسياسي لهم، وانضمَّ العديد من المسلمين حول العالم إلى هؤلاء المجاهدين، خاصة من الدول العربية والإفريقية؛ لتتبلور في ذلك ظاهرة «الأفغان العرب». 
أيضًا أدَّى خروج السوفييت -في 1989- من أفغانستان، وسقوط الحكومة المدعومة منهم عام 1992، إلى تحول الساحة الأفغانية إلى حرب أهلية، برزت معها حركة طالبان -التي ينتمي أغلب عناصرها لقبائل «البشتون»، التي تُشكِّل الأغلبية في أفغانستان، وتُسيطر على الحكم فيها تاريخيًّا- كإحدى الحركات والفصائل المسلحة، التي قدَّمت نفسها كحركة إسلامية، تسعى لتحرير البلاد من المُستعمِر السوفييتي، كما تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان على الحكومة والشعب وفْقَ رؤيتهم، والتي استطاعت بسط سيطرتها على البلاد، والاستيلاء على الحكم فيها منذ 1996، حتى سقوطها إبَّان الغزو الأمريكي لأفغانستان في أواخر 2001. 
وبدأ تنظيم «داعش» كجزء من تنظيم القاعدة العالمي، عبْرَ الأردني «أبي مصعب الزرقاوي»، الذي يعود إليه تأسيس النواة الأولى للتنظيم، الذي حمل مُسمَّيات عدة أخرى؛ ما يكشف العلاقة القديمة بين داعش وأفغانستان بشكل عام. 

ويمكن الكشف عن الجذور الأولى لبداية العلاقة التي تربط تنظيم داعش -الذي لم يكن يحمل هذا المُسمَّى آنذاك- بالقاعدة، التي مرَّت بثلاث مراحل، تتمايز عن بعضها البعض، والتي انعكست على العلاقة الرابطة للتنظيمين: 




أ- التضامن والتأييد والتداخل (1989-2003): 


بدأ «الزرقاوي» مسيرته الجهادية بهدف القتال ضد الاحتلال السوفييتي، وفي هذه الفترة تشبَّع بأفكار تنظيم القاعدة، ومع عودة الزرقاوي إلى الأردن من أفغانستان عام 1993، عمل على تأسيس تنظيم جهادي عُرِف باسم «بيعة الإمام» أو «جماعة التوحيد والجهاد»؛ ما أدَّى إلى سجن العديد من قيادات التنظيم في السجون الأردنية، ثم خرجوا بعفو ملكي في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وفضَّل الزرقاوي الرجوع إلى أفغانستان، وأنشأ معسكرًا تدريبيًّا هناك، كما تمكَّن من إنشاء شبكة جهادية عالمية مستقلة، تستند إلى دعم من تنظيم القاعدة، وتتخذ من العراق مركزًا لها في حربها ضد القوات الأمريكية، التي كانت تتهيأ لدخول العراق عام 2003. 

ب- ‌الاندماج التنظيمي (2004-2010): 

في هذه المرحلة استطاع تنظيم «جماعة الجهاد والتوحيد»، بقيادة «الزرقاوي» -من خلال تحالفاته مع كثير من التنظيمات الإسلامية والعشائر السُّنية- أن يبسط نفوذه على مناطق مختلفة من الأراضي العراقية، وأن يُجسِّد حضورًا لافتًا بين التنظيمات الإسلاميَّة التي تُحارب القوات الأمريكية في العراق، هذا الحضور القوي للتنظيم مهَّد لمرحلة من التنسيق والتعاون مع تنظيم القاعدة؛ بهدف استقطاب الجهاديين الإسلاميين إلى العراق؛ من أجل محاربة القوات الأمريكية وحلفائها في العراق. 
ومع تطور التنسيق بين التنظيمين، أعلن الزرقاوي انضمامه وولاءه لتنظيم القاعدة في أكتوبر 2004، وبات تنظيمه يُعرَف بـ«قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين». 
ورغم وجود بعض الخلافات الاستراتيجية غير الظاهرة بين التنظيمين حول أولويات الصراع، خاصة فيما يتعلق بهجمات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» ضد «الشيعة» (اسم يُطلَق على ثاني أكبر طائفة من المسلمين)؛ لكن ضرورة ملء الفراغ السياسي في العراق، ومقاومة القوات الأمريكية به، أخمد تفجُّر أزمة فعلية بين التنظيمين، في سعي مشترك للإبقاء على وحدة الجبهة الإسلامية المُقاوِمة، كما شهدتْ هذه المرحلة بداية تفوُّق الفرع العراقي للقاعدة على الفرع المركزي العالمي، من خلال النجاحات التي حققها تنظيم «الدولة الإسلاميَّة في العراق»؛ حيث هيمن على الساحة الجهادية في العراق، في الفترة 2003-2006، وأعلن إقامة «الدولة الإسلامية في العراق» عام 2006. 

ج- الانقسام والتنافس (2011-الآن): 

استطاع التنظيمان إعادة تعبئة قواهما، تزامنًا مع خروج القوات الأمريكية من العراق عام 2011، لتدْخل العلاقة بين التنظيمين -منذ ذلك الحين- مرحلة جديدة من التنافس والانقسام؛ ففي هذه الفترة حقق تنظيم «الدولة الإسلاميَّة في العراق» -بقيادة «أبي بكر البغدادي»- صعودًا ملحوظًا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى الساحة العراقيَّة والسوريَّة بشكل خاص؛ حيث انعكست أحداث ما عُرِف بـ«الربيع العربي» على المنطقة بِرُمَّتِها، واستغلالهما حالة الضعف السياسي والعسكري التي يعيشها النظامان العراقي والسوري بشكل خاص؛ ما أسهم في توسيع مناطق سيطرة تنظيم داعش على الإقليمين العراقي والسوري. 
وفي ظل هذا التوسع أعلن «أبوبكر البغدادي»، عام 2013 إقامة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، التي عُرِفَت وقتها -إعلاميًّا وأمنيًّا- باسم «تنظيم داعش»، ومع إعلان «البغدادي» إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام، رفض تنظيم «جبهة النصرة» في سوريا، الانضواء تحت مظلة تنظيم «داعش»، وأعلن استمرار بيعته لتنظيم «القاعدة»؛ ما أشعل فتيل المنافسة بين التنظيمين على قيادة الحركة الجهادية في سوريا؛ ليتطور الأمر باتجاه شقاق أيديولوجي وتنظيمي، سرعان ما تطور إلى اتهامات متبادلة، تصاعدت بدورها حتى وصلت إلى درجة الصدام العسكري المباشر في بعض الأحيان. 
وعلى سبيل المثال في مطلع 2014 اندلع القتال بين التنظيمين في سوريا، وسقط فيه العديد من القتلى من الجانبين، وعلى إثره أنهى «الظواهري» رسميًّا علاقات تنظيم «القاعدة» بتنظيم «الدولة الإسلاميَّة»، التي أعادت تسمية نفسها بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وباتت تُعرف من وقتها -إعلاميًّا وأمنيًّا- باسم «داعش». 

ثانيًا: ظهور «داعش» في أفغانستان: 

أدَّت الحرب على الإرهاب -خاصةً ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، وتوجيه ضربات متعددة للتنظيم؛ عن طريق كل من التحالف الدولي بقيادة أمريكا، أو الضربات الروسية للتنظيم في سوريا، واستعادة الجيشين السوري والعراقي لقوتيهما، إضافة إلى القوات الكرديَّة أيضًا- إلى تحجيم تنظيم «داعش» والقضاء على العديد من معاقله، وبدأ التنظيم في البحث عن وطن بديل، وكانت هناك دول مرشحة لأن تكون معقلًا جديدًا للتنظيم، خاصةً تلك الدول المُمزَّقة؛ نتيجة التدخلات الدولية والفصائل الإسلاميَّة، والتي تُعاني من أزمة أمنية واضحة، كالصومال، وأفغانستان، وليبيا. 
وفي 26 يناير 2015 أعلن «أبومحمد العدناني»، المتحدث باسم تنظيم «داعش»، قيام ولاية خراسان (فرع تابع لتنظيم داعش، يتخذ من باكستان وأفغانستان محل نشاطه)؛ حيث تشكَّل فرع التنظيم من مجموعات مقاتلة، منها مجموعة منفصلة عن حركة طالبان، وأخرى من حركة أوزبكستان الإسلامية، وضمَّت مقاتلين من آسيا الوسطى، والقوقاز، وإقليم الإيجور، وقد صُنِّفَتْ «ولاية خراسان» منظمة إرهابية من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2016. 

ثالثًا: أسباب التنافس: 

تعود النشأة الأولى لتنظيم «داعش» على يد قادة أمثال «أبي مصعب الزرقاوي»، وآخرين من الذين ارتبطوا بالجهاد في أفغانستان، ومع عودتهم لبلدانهم سعوا لتكوين جماعات جهادية. 

عاد «الزرقاوي» إلى الأردن، واعتُقِل عام 1990 بعد العثور على أسلحة ومتفجرات في منزله، وقضى ست سنوات في السجون الأردنية، ثم أُفرِج عنه، وبعدها سافر إلى أفغانستان، وأنشأ هناك مركز تدريب في مقاطعة «هيرات»؛ لتدريب المقاتلين من الأردنيين والفلسطينيين، واجتذب هذا المركز العديد من المتطرفين من جنسيات مختلفة، ثم انطلق «الزرقاوي» إلى العراق عبر إيران؛ بهدف مقاتلة الأمريكان، الذين كانوا يتأهبون لغزو العراق. 
وهذا يعني أن العديد من عناصر «داعش» يعرفون أفغانستان جيدًا، سواء تدربوا فيها، أو شاركوا في قتال القوات السوفيتية هناك، أو انخرطوا في الحرب الأهلية، مطلع تسعينيات القرن الماضي، قبل ذهابهم إلى العراق. 
وهناك أوجه تشابه عدة بين تنظيم «داعش» وحركة «طالبان»، تمثَّلت في محاولة كل منهما إقامة خلافة إسلامية، كما يشتركان في الفهم الأصولي المتطرف للدين، ولدى كل منهما سجل حافل من المجازر، والجرائم، والممارسات البربرية. 
يجمع فيها كل البلدان الإسلاميَّة، ويحكم العالم بأسره فيما بعد، وكذلك تستمد حركة طالبان جزءًا من شرعيتها من النزعة القوميَّة و«البشتونية»، في حين لا يستند «داعش» إلا على مفهومه للشريعة الإسلاميَّة. 
2- طبيعة تكوين تنظيم «ولاية خراسان» التابع لـ«داعش» في الأساس، التي تشكَّلت عَبْرَ انشقاق مجموعة من طالبان، وانضم لها بعض العناصر المقاتلة الأخرى من أوزباكستان، وباكستان، والقوقاز، وغيرهم، وذلك يُشير إلى خلاف داخلي بين عناصر «طالبان» تحوَّل إلى خلاف بين الحركة وتنظيم داعش الوليد هناك؛ أي أنه صراع بين أجنحة سياسيَّة اتخذ أبعادًا أخرى فقهية، ووطنية، واستراتيجية بين الكيانين. 
3- نتيجة الانقسامات داخل «طالبان»؛ توجَّهت أعداد كبيرة إلى «داعش»، معتقدين أن الانقسامات نتيجة الصراع على السلطة؛ ما يُشكك في نهج الحركة الفكري، وأسهم في ذلك اتهام «داعش» لـ«طالبان» بـــ«التسيُّب» في الدين، وإهدار الشريعة، وتقديم المصالح السياسية على الثوابت الشرعية، واتُّهم الملا محمد عمر -زعيم طالبان الأسبق (تضاربت المعلومات حول وفاته)- بتبني مفاهيم مُشوَّهة عن الإسلام؛ بسبب وضعه القانون القبلي فوق الشريعة، وقبول الاعتراف بالحدود الدولية (نُشِر في مجلة «دابق» الناطقة التابعة لـ«داعش» عدد ديسمبر 2014)؛ ما مهَّد الطريق لمزيد من الانشقاقات في «طالبان»، والمنضمين لـ«داعش». 
4- إن طالبان هي صاحبة النفوذ التقليدي في أفغانستان، وقبائل البشتون هي الحاكمة لأفغانستان تاريخيًّا؛ لذلك تشعر «طالبان» بأن «داعش» جاء ليزاحمها في وطنها، وينازعها السيادة، ويضم أفغانستان قسرًا إلى دولة الخلافة التي يحلم بها «داعش». 
مستقبل الصراع بين
رابعًا: مظاهر التنافس: 

اتَّخذ التنافُس بين حركة طالبان وتنظيم داعش، ثلاثة مسارات مختلفة، جميعها تهدف للسيطرة على أكبر رقعة من البلاد، واستقطاب أكبر عدد من المتطرفين. 

المسار الأول: استقطاب الأتباع: 

حاول كلا التنظيمين استقطاب العديد من المقاتلين؛ من خلال مهاجمة الآخر عبر التصريحات المختلفة؛ فكما أوردنا أن «داعش» هاجم «طالبان» عَبْرَ مجلة «دابق»؛ فقد صرَّح –أيضًا- الملا منصور (زعيم طالبان سابقًا بعد وفاة الملا محمد عمر) في بيان صادر عن حركة طالبان في 16 يونيو 2015، جاء فيه: أنه لن يُسمح لـ«داعش» بالتمدد، والسيطرة على أفغانستان، وذلك في أعقاب اشتباكات، في شرق أفغانستان بين مقاتلين من طالبان ومسلحين، يقولون إنهم ينتمون إلى تنظيم داعش في أفغانستان، كما حثَّ «منصور» تنظيم داعش في أفغانستان على الاشتراك مع الحركة تحت راية واحدة للجهاد ضد الأمريكيين، مؤكدًا في بيانه أن «طالبان» لن تسمح بأي أنشطة جهادية في أفغانستان، تحت أي راية غير رايتها. 
أيضًا سعى تنظيم «داعش» لاستقطاب العديد من العناصر، عبر أساليب دعوية جديدة وغير تقليدية؛ حيث أنشأ إذاعات محلية، مثل: «إذاعة الخلافة» التي تُبث باللغات العربية والبشتونية والفارسية، قبل أن يدمرها الطيران الأمريكي في هجمات في يوليو 2016، كما بث التنظيم ترددات إذاعية جديدة من شرق أفغانستان وباكستان والمنطقة الحدودية بينهما، وبث عبرها تسجيلات مرئية ودروسًا فكرية باللغات المحلية؛ ما جعله يستقطب العديد من الشباب في تلك المناطق، فضلًا عن استخدام «داعش» لوسائل التواصل الاجتماعي لاجتذاب مقاتلين جدد، كما عمل على التشكيك في عقيدة حركة طالبان. 

المسار الثاني: صراع الهيمنة على الأرض 

حاول «داعش» التوسع الجغرافي والسيطرة على العديد من المناطق القبلية المهمة، سواء في باكستان أو أفغانستان، على حساب حركة طالبان ومناطق نفوذها التاريخية؛ ما أدى إلى مقاومة عنيفة من حركة طالبان؛ حيث تطور التنافس والصراع بينهما إلى اشتباك مسلح، سقط فيه العديد من القتلى من الجانبين. 

المسار الثالث: التنافس في التوحش لإثبات الوجود والقوة: 

حاول «داعش» و«طالبان» التنافس لإثبات الوجود والقوة، عن طريق مزيد من التوحش والعمليات الإرهابية المُوجهة ضد المدنيين والعسكريين ورجال الشرطة والجيش الأفغاني، إضافة إلى القوات الأمريكية. 
ووصل بهما الأمر في التسابق نحو إظهار التوحش، إلى ارتكاب كل تنظيم أكثر من عملية إرهابية في اليوم نفسه؛ وذلك لإثبات أنه الأقوى والأقدر على تنفيذ العديد من العمليات النوعية في وقت واحد. 

وتعود أسباب التنافس بين «داعش» و«طالبان» إلى العديد من الأسباب، منها: 

1- الخلاف الأيديولوجي والفكري بين «داعش» و«طالبان»، الذي أسهم في تكوين حركة طالبان لرافدين فكريين أساسيين، أحدهما قبلي وقومي، والآخر ديني، وقد اندمج الرافدان؛ ليُشكِّلا هوية مميزة لحركة طالبان، تختلف بها عن أي حركة إسلامية أخرى؛ لذلك تسعى حركة طالبان إلى إقامة إمارة إسلاميَّة في أفغانستان، بينما لا يعترف تنظيم داعش بالنزعة القومية أو الوطنية، ويسعى إلى إقامة خلافة عالمية مُوحدة.
2- طبيعة تكوين تنظيم «ولاية خراسان» التابع لـ«داعش» في الأساس، التي تشكَّلت عَبْرَ انشقاق مجموعة من طالبان، وانضم لها بعض العناصر المقاتلة الأخرى من أوزباكستان، وباكستان، والقوقاز، وغيرهم، وذلك يُشير إلى خلاف داخلي بين عناصر «طالبان» تحوَّل إلى خلاف بين الحركة وتنظيم داعش الوليد هناك؛ أي أنه صراع بين أجنحة سياسيَّة اتخذ أبعادًا أخرى فقهية، ووطنية، واستراتيجية بين الكيانين. 
3- نتيجة الانقسامات داخل «طالبان»؛ توجَّهت أعداد كبيرة إلى «داعش»، معتقدين أن الانقسامات نتيجة الصراع على السلطة؛ ما يُشكك في نهج الحركة الفكري، وأسهم في ذلك اتهام «داعش» لـ«طالبان» بـــ«التسيُّب» في الدين، وإهدار الشريعة، وتقديم المصالح السياسية على الثوابت الشرعية، واتُّهم الملا محمد عمر -زعيم طالبان الأسبق (تضاربت المعلومات حول وفاته)- بتبني مفاهيم مُشوَّهة عن الإسلام؛ بسبب وضعه القانون القبلي فوق الشريعة، وقبول الاعتراف بالحدود الدولية (نُشِر في مجلة «دابق» الناطقة التابعة لـ«داعش» عدد ديسمبر 2014)؛ ما مهَّد الطريق لمزيد من الانشقاقات في «طالبان»، والمنضمين لـ«داعش». 
4- إن طالبان هي صاحبة النفوذ التقليدي في أفغانستان، وقبائل البشتون هي الحاكمة لأفغانستان تاريخيًّا؛ لذلك تشعر «طالبان» بأن «داعش» جاء ليزاحمها في وطنها، وينازعها السيادة، ويضم أفغانستان قسرًا إلى دولة الخلافة التي يحلم بها «داعش». 
رابعًا: مظاهر التنافس: 
اتَّخذ التنافُس بين حركة طالبان وتنظيم داعش، ثلاثة مسارات مختلفة، جميعها تهدف للسيطرة على أكبر رقعة من البلاد، واستقطاب أكبر عدد من المتطرفين. 
مستقبل الصراع بين
خامسًا- تداعيات الصراع 

الصراع بين تنظيم «داعش» وحركة «طالبان» سوف يؤدي إلى إضعاف موقف طالبان التفاوضي مع الحكومة الأفغانية (أعلنت السلطات الأفغانية نجاح الجولة الثالثة منها مطلع العام الجاري، في اسطنبول، فيما نفت الحركة مشاركتها في المفاوضات أصلًا)؛ لأن هذا الصراع سيؤدي إلى إضعاف قدرة الحركة على المناورة والتفاوض مع حكومة كابل، خاصة أن «داعش» أصبحت تهدد «طالبان» من الداخل عن طريق انضمام عدد من قياداتها وأعضائها إلى التنظيم. 
كما أنّ هذا الصراع يشتت «طالبان»، ويجعلها تحارب في أكثر من جبهة، سواء جبهة الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية، أو جبهة «داعش»، وهو ما يزيد الضغوط المالية والبشرية على التنظيم، والذي يحاول الصمود والاستمرار في أفغانستان للعودة إلى الحكم منذ سقوطه في 2001. 
ويمكن أن يؤدي الصراع والتنافس بين التنظيم والحركة إلى إضعاف الاثنين؛ ما يصب في صالح الحكومة الأفغانيَّة، واستقرار البلاد. 
أدى التنافس بين «داعش» و«طالبان» إلى تقارب بين «طالبان» والنظام الإيراني في الآونة الأخيرة، وذلك لموقفهما المشترك من «داعش» أو القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان، وهذا التقارب ربما يكون مفيدًا للتقارب بين السُّنة والشيعة، مستقبلًا في هذه المنطقة؛ ما يحد من الصراعات المذهبية، خاصة لثقل قبائل البشتون في هذه المنطقة، التي تنتمي إليها حركة طالبان. 
وجاء مقتل الملا محمد منصور، زعيم طالبان السابق أثناء عودته من إيران في مايو 2016 جراء غارة أمريكية استهدفته؛ ليشير إلى هذا التقارب الواقع بين طالبان وإيران. 
وهناك بعض الآراء التي تُشير إلى أن التوسع الداعشي في أفغانستان، موجه بالأخص إلى معقل تنظيم القاعدة، واستكمال لمسلسل التنافس بين التنظيمين في سوريا والعراق والصومال ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية؛ بهدف ريادة التنظيمات الجهادية في العالم. 
وهذا الرأي يحتمل الكثير من الصحة، ولكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن تنظيم القاعدة نفسه أعلن البيعة لحركة طالبان منذ وصولها للحكم وحتى الآن، وجدد «أيمن الظواهري» (زعيم تنظيم القاعدة خلفًا لأسامة بن لادن) البيعة والولاء للملا «منصور»، عقب اختياره زعيمًا جديدًا لحركة طالبان بعد وفاة الملا عمر، كما جدد البيعة مرة أخرى للملا «هبة الله أخوند زاده»، الزعيم الحالي لحركة طالبان. 
كذلك يخلط هذا الرأي بين «طالبان» و«القاعدة» ويتجاهل بعض الحقائق منها؛ أن الحكومتين الأفغانية والأمريكية تسعيان للتفاوض والتسوية السياسية مع حركة طالبان، بينما لا يفعلون الشيء نفسه مع تنظيم القاعدة، المطلوب أمنيًّا، كما أن هناك بعض الشقاقات بين «القاعدة» و«طالبان»، فيما يخص رؤيتهما للجهاد، فـ«القاعدة» تحارب مصالح الأمريكان أينما وجدت، بينما «طالبان» تحارب القوات الأفغانية الحكومية، والقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان، وتسعى فقط للوصول إلى الحكم وإقامة الخلافة في أفغانستان فقط. 
وهذا يعني أن التنافس بين «داعش» و«طالبان»، إنما يُشبه التنافس بين تنظيم عالمي وحركة إقليمية ووطنية، فالأول يسعى للهيمنة على العالم، بينما الآخر يسعى إلى الهيمنة على إقليمها والحكم فيها، وهذا لا يعني أن «طالبان» حركة وطنية معتدلة، إنما هي حركة أصولية متطرفة تريد تطبيق الشريعة الإسلاميَّة، وفق مفاهيم مغلوطة ومتشددة، فهي تزدري المرأة وتحارب الفن، والحضارة، وحرية الاعتقاد، وتجبر الشعب على الحياة كما تراها هي وإلا نكلت بأفراده. 
وترتب على ظهور «داعش» في أفغانستان نشر الولايات المتحدة قوات إضافية أواخر عام 2017، وقيامها بإرسال كتيبة من القوات الخاصة لتدريب الجيش الأفغاني؛ لمواجهة كل من تنظيم داعش وحركة طالبان، كما نفذت العديد من الضربات الجوية، التي استهدفت معاقل «داعش» و«طالبان» في أفغانستان، أهمها إلقاء الولايات المتحدة أكبر قنبلة «غير نووية» عُرفت باسم «أم القنابل» على معقل تنظيم داعش في أفغانستان يوم 13 أبريل 2013؛ ما أدى لتدمير قاعدة للتنظيم ومخابئ للأسلحة ومقتل 36 داعشيًّا. 

خاتمة 

نخلص من التنافس بين حركة «طالبان»، وفرع تنظيم «داعش» في أفغانستان إلى العديد من النتائج منها: 

1- وجود تقارب إيراني مع حركة طالبان. 
2- تجدد جولات التفاوض بين الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية. 
3- ضعف في قدرات حركة طالبان، التي تعرضت لبعض انشقاقات أعضائها ممن انضموا إلى تنظيم داعش. 
4- وجود مزيد من الضحايا المدنيين والشرطة والجيش الأفغاني، نتيجة التسابق حول التوحش وفرض السيطرة على الأرض. 
5- احتمالات العودة الأمريكية بقوات أكثر إلى أفغانستان بشكل دائم. 

وبهذا يمكن استعراض سيناريوهين محتملين لمستقبل الأوضاع في أفغانستان: 

الأول: يفترض تحالفًا تكتيكيًّا بين «داعش» و«طالبان» في أفغانستان، لمواجهة القوات الحكوميَّة والقوات الأمريكيَّة، ويمكن أن يتحقق في حالة اشتداد الضربات الحكومية الأفغانية والأمريكية لمعاقل تنظيم داعش وحركة طالبان، أي أن تحقيق هذا السيناريو مرتبط بضعف حقيقي للحركة والتنظيم، وعدم قدرتهما على المواجهة المنفردة. 
وهذا السيناريو يستشهد بتحالف بين فروع فرقاء الأمس (داعش والقاعدة)؛ حيث أعلن «تنظيم الدولة في الصحراء» بقيادة «عدنان أبي وليد الصحراوي» (تابع لداعش) في ١٤ يناير 2018 تشكيل ما سمَّاه تحالفًا جهاديًّا، ضد القوة العسكرية المشتركة، التي تشكلت من خمس دول في منطقة الساحل الأفريقي، هي: «مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وتشاد»، وتدعمها فرنسا، ودول غربية أخرى، وذكر المتحدث الإعلامي باسم «تنظيم الدولة في الصحراء» أن التنظيم سيقوم بكل ما بوسعه؛ لمنع تمركز قوة دول الساحل الخمس، وأنه قرر التحالف مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لتنظيم القاعدة، مبررًا هذه الخطوة بما سمَّاه «التعاون لمكافحة الكفار». 
الثاني: تبدأ جولة حقيقية من المفاوضات بين الحكومة الأفغانية القائمة، وحركة طالبان، وفق المعطيات الحالية، التي تتضح من الخلافات الأيديولوجية والأهداف بين «داعش» و«طالبان»، وعقب الصراع الذي نشأ بينهما في أفغانستان؛ حيث لا تقوم طالبان فقط على أيديولوجية دينية، وإنما لها منطلقات قبلية ووطنية، مع الأخذ في الاعتبار مساعي الحكومة الأفغانية والأمريكية للتفاوض معها، وهو السيناريو الذي نرجحه؛ حيث يمكن للحركة قبول مبادرة الرئيس الأفغاني «أشرف غني»، الذي أعلن عنها في الخامس من مارس 2018، لتسوية الأوضاع بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وإنهاء حالة الصراع والحرب المستمرة، منذ ما يزيد على 16 عامًا.
"