رموز الصوفية.. دلالات لكشف غموض الزاهدين
السبت 09/يونيو/2018 - 02:02 م
سارة رشاد
للمتصوفة عالم موازٍ من رموز
ولغة واجتهادات، الوقوف أمامه بالمنطق ربما لن يكون مجديًا، فهذا عالم اللامنطق،
يسعى للانهائي، ويتغاضى دائمًا عن الثبات، إنه عالم يبحث عن الكشف والإلهام بعيدًا
عن المكبِّلات، فيستعين باللون، الطفل، المرأة، وحتى الجماد والحيوان.
نجد أن اللون تحديدًا له
خصوصية في عالم الصوفية؛ إذ يُشار للمنهج الصوفي دائمًا باللون الأخضر، والأخضر
بشكل عام هو لون يشير للإسلام، فتُكسى قبة المسجد النبوي بالمملكة العربية
السعودية مثلًا باللون الأخضر، ووعد الله عباده المخلصين بـ«ثياب خضراء من سندس
وإستبرق»، ربما لهذا السبب تتزين رؤوس المتصوفة أحيانًا بالشيلان الخضراء، أما
راياتهم وقباب أضرحتهم فأغلبها لا تبتعد عن الاخضرار أيضًا.
ويبرر المتصوفة ارتباطهم باللون الأخضر، بأنه لون البُردة التي
تغطى بها الإمام علي يوم أمره الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالنوم مكانه، بعدما
جاءه وحي يخبره بألا ينام في بيته؛ لأن رجالًا قرروا قتله هذه الليلة، ومن هذه
القصة يرى المتصوفة أن الأخضر كان لون الأمان في مقابل الفزع، ولون تَلَحَّف به علي؛ لافتداء رسول الله، ما يُلمح إلى أنهم يسيرون على نهج علي في حب
الرسول.
والبعض الآخر منهم يرتدي الأخضر، إما للإشارة إلى حضن الرسول
(صلى الله عليه وسلم)، وإما شرف الانتساب إلى نسله، وإلى جوارهم من يرفعون الرايات
البيضاء، ويشير البياض إلى الصفاء الروحي المتلائم مع الهدف الصوفي.
وبخلاف هؤلاء، اختارت طرق صوفية أخرى بعض الألوان المختلفة، مثل الطريقة الرفاعية -أكبر الطرق الصوفية في مصر وأصلها من العراق- ويميزها الأسود، وتُفسر الطريقة لونها بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان له ثوبان؛ أحدهما أبيض والآخر أسود، فاختار مؤسس الطريقة الشيخ أحمد الرفاعي (1119 : 1183) الأسود لتمييز أتباعه؛ وبسبب هذا اللون تتلقى الطريقة انتقادات تُشير إلى وجود علاقة تربطهم بالمذهب الشيعي، الذي يرتدي رجالاته اللون نفسه.
«الأحمدية» واللون الأحمر
كما أن الأحمدية البدوية -إحدى أكبر الطرق في مصر ومنها انبثقت 18 طريقة- اختارت هي الأخرى لونًا خاصًّا بها، إذ اختار لها مؤسسها أحمد البدوي (1200 : 1276) اللون الأحمر، ويُنقل عنه أن «الرسول كان له ثوب أحمر يرتديه في الأعياد».
ونجد أن الطفل هو الآخر ذو دلالة في الثقافة الصوفية؛ إذ تحرص الطرق الصوفية حتى اليوم على تنظيم مسيرات للأطفال في قرى الصعيد بجنوب مصر، يُجمَّع فيها الأطفال ويُطاف بهم على البيوت، ويُشير الطفل لديهم إلى مرحلة ما قبل معرفة الدنيا والتعلق بشهواتها، ما يتوافق مع الفكر الصوفي.
كما أن بعض الحيوانات مثل «الجمل، والحصان، والثعبان»، هي الأخرى لها وجود في العقلية الصوفية؛ إذ اعتادت الطرق -حتى وقت قريب- الخروج في مسيرات داخل القاهرة يتصدرها هودج يُحمل على جمل أو حصان، وجرت العادة على أن تكون هذه المسيرات في مناسبات دينية مثل الاحتفال برأس السنة الهجرية، أو حلول شهر رمضان، إلا أن الزحام الذي يخنق العاصمة المصرية أدى للتوقف عن هذه الاحتفالات لصعوبة السير بها، كما اعتاد المُريدون على حضور مولد «أبوعمرة»، وهو طقس ديني شعبي يُقام في سوهاج بصعيد مصر، وهم على ظهور الخيل.
ويظهر الثعبان والسيف في احتفالات
الطريقة الرفاعية على وجه الخصوص، ويستند أتباع الرفاعية في ذلك إلى سيرة مؤسسها الرفاعي، الذي قيل عنه: إن الله سخَّر له الثعابين لخدمته.
وكان «الرفاعي» يُقيم في بلدة عراقية تُعرف بكثرة الثعابين،
ولحمايته منها تناقل أتباعه أن الله منحه من الكرامات ما جعله يسيطر عليها، وبمرور
الوقت ولشدة حبهم للرفاعي ظن بعض أتباع الطريقة في قدرتهم على السيطرة على
الثعابين، حتى أصبح لفظ «الرفاعي» في الموروث الشعبي المصري دالًّا على وظيفة الرجال
الذين يدخلون البيوت؛ ليستخرجوا منها الثعابين والعقارب.
لذا، أصبحت الثعابين دليلًا على الكرامات الرفاعية، حتى إن
أتباع الطريقة يُحضِرونها في مولد أحمد الرفاعي، الذي يُقام كل عام؛ للعب والاستعراض
بها.





