غرب ليبيا.. أرض تصفية الحسابات بين الميليشيات
الثلاثاء 11/أغسطس/2020 - 11:07 م
مصطفى كامل
تحولت المنطقة الغربية في ليبيا وتحديدًا العاصمة طرابلس التي تقبع فيها ميليشيا الوفاق بزعامة فايز السراج، إلى ساحة صراع، وتحول الأمر إلى حالة من الانفلات الأمني الواضح وباتت حكومة "السراج" عاجزة عن إحكام قبضتها ولجم المسلحين، الذين دخلوا مرحلة تصفية الحسابات فيما بينهم.
محاولات مكثفة تقوم بها ميليشيات مصراتة للسيطرة على القرار السياسي والعسكري لإقليم طرابلس بالكامل، وسعي دؤوب من قبل ميليشيات الوفاق لإنشاء ما يسمى بالحرس الوطني في طرابلس؛ إضافة إلى مطالبة أمراء الحرب بمناصب دبلوماسية وقرار بعدم الملاحقة القانونية مقابل التخلي عن ميليشياتهم، والانتقال للإقامة في دول أخرى حيث يودعون ثرواتهم الطائلة، التي كسبوها خلال السنوات الأخيرة.
قتال متبادل وثأر دموي
تصاعد التوتر بشكل كبير بين المسلحين، ما ينذر بمواجهات مسلحة أو تصفيات جسدية، وذلك عقب انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي من مدن المنطقة الغربية، ودبت الخلافات بينهم حول مناطق النفوذ.
لم تتوقف الصراعات عند فرض الهيمنة والسيطرة هناك، بل دخلت في مرحلة عمليات التصفية الجسدية من جديد بين المسلحين في طرابلس، إذ تمت تصفية العديد من عناصر الميليشيات في العاصمة طرابلس على رأسهم المدعو «حسام عبدالله الحمروني» الذي قتل بوابل من رصاص أطلق عليه من قبل مسلحين يستقلون سيارة مدنية دون تحديد نوعها؛ والقيادي الميداني بميليشيا «رحبة الدروع» المؤيدة للغزو التركي، المدعو «أيمن صالح» الملقب بـ«باله»، والذي تمت تصفيته في تاجوراء على يد مسلحين دون تحديد تبعيتهم أو هويتهم ولا دوافع التصفية، إضافة إلى وجود حالة احتقان في أوساط ميليشيا «رحبة الدروع» وتوعد عناصرها بالرد والانتقام على مقتل «باله».
وقبيل تصفية «باله»، أقدم عدد من المسلحين تابعين لإحدى ميليشيات مدينة مصراتة على قتل عنصرين وإصابة ثالث تابعين لميليشيا السرية السادسة مكتب أبوسليم، بينما قامت كتيبة «الفاروق» باعتقال أحد أبرز القادة المحليين لجماعة الإخوان والداعمين للتدخل التركي المدعو «صلاح حماد» بعد الهجوم على منزله في منطقة المطرد المحاذية للزاوية.
وقال الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري إن الصراع بين مسلحي الميليشيات في غرب البلاد، يكشف عن المخاطر التي تتهدد السلم الأهلي، ويؤكد صواب موقف الجيش الداعي إلى حل الميليشيات وجمع السلاح.
وتابع: إن مسلحي الميليشيات لا يلتزمون بالقانون، ولا يعترفون بمفهوم الدولة، وهم في غالبيتهم الساحقة من الإرهابيين والمرتزقة والمجرمين المتورطين في قضايا تستوجب محاكمتهم.
يأتي هذا في ظل وجود ضغوط خارجية على حكومة "الوفاق" للتخلص من الميليشيات المسلحة المتمركزة غرب البلاد، وهو ما دفع وزير داخلية حكومة الوفاق فتحى باشاغا لتقوية ميليشيات مدينة مصراتة التي ينحدر منها، في محاولة منه لفرض أمر واقع سياسي وعسكري جديد غرب البلاد، وهو ما رفضته ميليشيات طرابلس والزاوية التي لديها طموحات سياسية وعسكرية كبيرة في البلاد.
عصابة الحرس الوطني
تسعى ميليشيا الوفاق إلى لملمة جميع عناصر الميليشيات الإرهابية في صفوف «الوفاق»، تحت راية واحدة تأتمر بإمرتها ولم يجد المقترح من يدعمه سوى سلاطين الإرهاب في أنقرة، لتنفيذ مخطط الوصاية على ليبيا، في محاولة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحويل تلك الميليشيات إلى جيش يتبع «الوفاق» لإنقاذها، والعمل المكثف على شرعنتها، عن طريق تسليحه من مسلحي المجموعات على غرار الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي.
وطبقًا للمخطط التركي سيكون الحرس المزمع تشكيله؛ عبارة عن قوة عسكرية تتبع لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج مباشرة، وتكون طرابلس المقر الرئيسي له، وله مخصصات مالية مستقلة عن أي جهة عسكرية، وتنضم إليه مختلف الجهات العسكرية والأمنية والمدنية والقوى المساندة، وتكون مهامه الرئيسية، في تأمين المقار الرئاسية والسيادية، وحراسة الأهداف الحيوية، بما فيها منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية.
ويتمثل شعاره المفترض وفق ما تقوله ميليشيا الوفاق، إنه ضد «أي خطر يهدد مدنية الدولة الديمقراطية»، وهو تعبير فضفاض يوضح إمكانية استغلاله في أغراض بعينها تريدها حكومة الوفاق والميليشيات المتحالفة معها، إلا أن ادعاءات الوفاق تتناقض مع أبسط القواعد الدولية، فبحسب دساتير وقوانين العالم، فإن الجيوش وحدها هي من تتولى حماية الدولة وديمقراطيتها.
وأعلِن بالعاصمة الليبية طرابلس في التاسع من فبراير 2017 عن تأسيس جهاز الحرس الوطني الليبي، في بيان ألقاه آمر الجهاز الجديد العميد محمود الزقل، آنذاك؛ إذ أكد بيان التأسيس بأن الحرس الوطني هو مؤسسة وطنية بعيدة عن التجاذبات السياسية، وحدد مهامه في محاربة الإرهاب، وحماية مؤسسات الدولة وسفارات الدول والبعثات الدبلوماسية، وحماية الحدود والمنشآت الحيوية، والحد من مظاهر انتشار السلاح، والعمل على دعم ومساندة جهود بناء جيش ليبي مهني.
وبالرغم من أن هذا التشكيل- الذي يبدو عصابيًّا وإجراميًّا- مطروح حاليًّا ومعمول عليه من قبل تركيا فإنه طرح قديم، ولكنه لم يحظ بالتأييد، وهو بالأصل مقترح قطري ضغطت الدوحة نحو تنفيذه في عهد رئيس المجلس الانتقالي السابق مصطفى عبدالجليل، إذ قال في سبتمبر 2011: «زرت الدوحة وعرض عليّ الأمير حمد بن خليفة آل ثاني فكرة إنشاء الحرس، ورجعت وطرحتها على أعضاء المجلس الانتقالي فرفضوا ذلك رغم محاولات رئيس الأركان القطري بإقناعنا بها، باستثناء 5 أعضاء من المجلس من بينهم محمد الحريزي وعبدالرازق العرادي والأمين بلحاج وثلاثة آخرون ينتمون لجماعة الإخوان كانوا مصرين على تطبيق الفكرة وهم من كونوا الدروع».
وأشار عبدالجليل إلى أن رئيس المكتب التنفيذي السابق محمود جبريل كان صاحب فكرة إدماج المتطرّفين في المجلس الانتقالي، وأنه أصر على هذا الأمر بقوة كونهم طرفًا لابد من وجوده.
فيما أعلنت ما تعرف بـ«حكومة الإنقاذ الوطني» برئاسة خليفة الغويل، في ديسمبر 2016، عن تشكيل حرس وطني يضم ميليشيات متطرفة تنتمي إلى فكر تنظيم القاعدة المتطرف، إلا أن الأطراف الدولية والإقليمية رفضت تلك الفكرة بسبب وجود ميليشيات متشددة داخل هذا الكيان.





