في تونس.. هل تدعم النهضة «الشاهد» رئيسًا تجنبًا للسيناريو المصري؟

شهدت الدولة التونسية زلزالًا سياسيًّا كبيرًا عقب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، 25 يوليو 2019، الذي عُدّ كأكثر شخصية توافقية منذ اندلاع الثورة التونسية عام 2011، ولم تكن ساعات عقب إعلان وفاته إلا وطرحت تساؤلات حول من يخلف الرجل في منصبه.
وتحت وقع الصدمة، عاشت الأحزاب التونسية في تخبط واضح؛ حيث أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بأنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، والمزمع عقدها منتصف سبتمبر المقبل، وذلك على هامش حضوره الملتقي السنوي للتونسيين في الخارج، الأربعاء 31 يوليو 2019.
وبعد يوم واحد من ذلك، أعلن الأمين العام لحزب «تحيا تونس» سليم العزابي، أن الحزب سيرشح يوسف الشاهد، رئيس الحزب والحكومة، للانتخابات المقبلة، وذلك وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية.
وأكد المتحدث الرسمي باسم حزب تحيا تونس علي بكار، في حوار لوكالة الصحافة الفرنسية AFP، الخميس 1 أغسطس 2019، أن الشاهد هو مرشح الحزب، وسوف يتحدث عن ترشحه للرئاسة بعد نهاية فترة الحداد على وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي.

يُعَدّ يوسف الشاهد من أصغر رؤساء الحكومة في عهد تونس بعد الاستقلال، كما أن عمله السياسي لم يتجاوز عقده الأول؛ حيث اشتغل بالسياسة عقب الثورة التونسية، وأسس حزبه الجديد «تحيا تونس» في مطلع العام الحالي، عقب خلافات مع نجل الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي داخل حزب نداء تونس.
واستغلت حركة النهضة الإخوانية الصعود الهادئ والمركز للشاهد في الحياة السياسية التونسية، وعملت على دعم حكومته، واستمالته إلى جانبها، مستغلة في ذلك خلافاته مع حزبه القديم نداء تونس، آملة في ذلك إلى العودة مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة، أو استغلاله في تمرير ما تريد من قوانين.
لذا عرف يوسف الشاهد بأنه رجل النهضة في الحكومة التونسية، وساهم الذراع الإخوانية في تونس إلى دعم حكومة الشاهد خلال المظاهرات التي ضربت البلاد خلال العام الماضي 2018، بعد ارتفاع نسبة التضخم وعدم موافقة الحكومة على زيادة الأجور.

يرجع فشل جماعة الإخوان في مصر في المقام الأول إلى محاولة قياداتها السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، والحصول على المكاسب السياسة والمناصب كافة، سواء رئاسة الجمهورية أو الوزراء أو البرلمان، والعمل على إقصاء باقي التيارات والفصائل الموجودة بالبلاد.
وبعد فشلهم في ذلك وسقوطهم جراء ثورة شعبية 2013، تعلم إخوان تونس الدرس، وعملوا على فتح الباب أمام مشاركة باقي الفصائل إلى جانبهم؛ خشية أن تلفظهم مجتمعاتهم، وتطردهم خارج اللعبة السياسية.
ووجد حزب النهضة التونسي في يوسف الشاهد ضالّته؛ حيث استغلت وجوده في رئاسة الحكومة؛ وتحالفت معه كي يكون رجلها في هذا المنصب، وتريد أن تعيد تكرار الأمر في رئاسة الجمهورية، وذلك من خلال الشاهد نفسه.
والحياة السياسية التونسية عرفت بصعود شخصيات كثيرة من الظل إلى المراتب الأولى في البلاد، ومنهم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لذا فإن الشاهد يبدوا خيارًا جيدًا بالنسبة للشعب التونسي، وكذلك لحركة النهضة، التي تعتقد بأنه قد تستطيع السيطرة عليه، والتحكم في قراراته، بعد أن ترشحه لرئاسة الجمهورية.
وهو ما ألمحت إليه الحركة الإخوانية في بيانها الصحفي، الخميس 1 أغسطس 2019؛ حيث أكدت بأنها لم تتخذ خيارها النهائي، وما إذا كانت سترشح شخصية من داخل الحزب أو من خارجه، وستعلن ذلك السبت المقبل.
وأضافت الحركة على لسان ناطقها الرسمي عماد الخميري، في تصريحاته لوكالة الأناضول التركية، أن شروط الحركة لاختيار مرشحها للسباق الرئاسي، في حال لم يكن منتميًا إليها أن يكون ممن يتبنون خيارات النهضة في الاستمرار في الانتقال ديمقراطيًّا، والتحلي بمبادئ الثورة.

ويرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن الصورة في الداخل التونسي غير واضحة، وعبدالفتاح مورو هو الأقرب للترشيح من قبل النهضة، ولكن من الممكن أن يتم ترشيح مورو والشاهد معًا، خصوصًا أن يوسف الشاهد وجه مقبول، واختياره سيعكس دلالة بأن الحركة لا تريد السيطرة على المشهد.
ويضيف أستاذ العلوم السياسية أن ذلك يرجع إلى أمور لها علاقة بالداخل التونسي، إضافة إلى محاولة نقل صورة إلى الخارج بأنهم يريدون المشاركة لا المغالبة، ولكن يبقى مورو هو مرشحهم الأصيل، وسيتم حسم ذلك من داخل النهضة.
ويرى فهمي أن هناك تيارين في الحزب؛ الأول يرى بأنه لا يجب ترشيح مرشح واحد فقط يساعد في استقصاء وتقسيم الداخل بصورة أكبر من الموجودة، ولا تريد النهضة أن تتهم بالمشاركة في عملية التقسيم؛ لذا يمكن أن توافق على ترشيح الشاهد لأنه وجه مقبول، وفي الوقت نفسه تكون قد أدت الغرض المطلوب بأن تبقى الجماعة موجودة بصورة أو بأخرى من السلطة، وهذا تيار مهم.
وقال الدكتور طارق فهمي: إن التيار الآخر يرى بأنه يجب الدفع بعبدالفتاح مورو، وحسم الأمر بصورة مبكرة، ويشير الخبير في العلوم السياسية إلى أن القرار ربما يأتي من قبل التنظيم الدولي للإخوان، وهو أمر غريب، ولكن التنظيم لا يريد أن يخسر أرضًا في مكان جديد.