ad a b
ad ad ad

«العثمانية الجديدة».. مآلات التوسع في أفريقيا

الإثنين 01/يوليو/2019 - 03:18 م
المرجع
أسماء البتاكوشي
طباعة

يهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإحياء وهم الدولة العثمانية؛ لكن أحلامه ذهبت أدراج الرياح بعدما فشل في اختراق الشرق الأوسط، إثر طرد عملائه من جماعة الإخوان؛ لذلك لجأ إلى دول القرن الأفريقي، ويعمل جاهدًا على نشر التطرف والإرهاب في القارة السمراء.

«العثمانية الجديدة»..

وكشفت مجلة «ناشيونال ريفيو» في تقرير لها بعنوان «استراتيجية تركيا في أفريقيا تهدد بنشر التطرف»، أن تركيا تقوم بالدور نفسه، الذي كانت تلعبه في منطقة الشرق الأوسط؛ لنشر التطرف، وفرض السيطرة وتهديد نفوذ الدول الأخرى بالقارة السمراء؛ حيث أشارت المجلة إلى تجربة الولايات المتحدة التي تحالفت مع «تنظيم القاعدة» وحركة «طالبان»، وترعى الجماعات الإرهابية بشتى ألوانها رغبة في إسقاط الاتحاد السوفييتي؛ خاصة بعد الحرب العالمية الثانية والفترة التي سُميت بالحرب الباردة.

 

وعن الدور التركي في الخارج قال كاتب التقرير الباحث المقيم في معهد «أمريكان إنتربرايس» الأمريكي مايكل روبين: «إن تركيا وقطر هما المحركان الرئيسيان للتطرف الإسلامي في العالم».

 

وأضاف روبين أن قطر يمكن التنبؤ بها؛ لأنها لا تهدف لإحياء الخلافة، كل ما في الأمر أنها كلما حدث صراع داخل مجتمع إسلامي، فإنها تمول العناصر الأكثر تطرفًا، سواء في غزة أو ليبيا أو سوريا؛ لكن تركيا لها طموحات أكبر بكثير من مجرد دعم ميليشيات مسلحة؛ حيث فكرت في أفريقيا بعد فشلها في اختراق الشرق الأوسط، وبعد أن أصبحت سياساتها سامة في معظم أنحاء أوروبا.

«العثمانية الجديدة»..

دعم الإرهاب


كشفت صحيفة «واشنطن إكزامينر» الأمريكية في تقرير بعنوان «حان الوقت لإعلان تركيا دولة راعية للإرهاب» نشر في يناير الماضي، دعم الاستخبارات التركية لأحد أفراد تنظيم القاعدة في سوريا، بعدما كان حلقة الوصل بين أنقرة وحركة الشباب الصومالية.

 

ووفق تقرير الصحيفة الذي أفاد أن إبراهيم شين، المعتقل في باكستان بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة، كان يعمل جنبًا إلى جنب مع مسؤولين في الاستخبارات التركية؛ للإشراف على جماعات إرهابية مسلحة في سوريا، موضحًا أنه نقل 600 ألف دولار إلى حركة الشباب الصومالية عام 2012.

 

ولفتت الصحيفة المحاولات التركية للتستر على عمل «شين» لصالحها في سوريا؛ حيث وصلت إلى إلغاء تحقيق بحقه في عام 2014، وإبعاد رؤساء الشرطة والمدعين العامين والقضاة، الذين كانوا على علاقة بالتحقيق في هذه القضية.

أردوغان
أردوغان

استراتيجية تركيا


تزامنًا مع تمكن أردوغان من عقد اتفاقية للسيطرة على جزيرة سواكن السودانية، مع الرئيس المعزول عمر البشير، نشرت صحيفة «ديلي صباح» التركية تصريحات لسفير جيبوتي لدى أنقرة، آدم حسين عبدالله، أعلن فيه أن بلاده تولي أهمية بالغة لتوطيد علاقاتها العسكرية مـع تركيا.


كما كان الوجود التركي في الصومال حتى عام 2016 مقتصرًا على الاستثمار والتنمية وتقديم المساعدات الإنسانية، لكن بعد ذلك غير «أردوغان» من نهجه؛ ليشمل بذلك التعاون الأمني، وافتتاح قاعدة عسكرية لها بالصومال؛ ما أثر سلبًا على المشهد الأمني ​​في القرن الأفريقي.

 

وفي عام 2008 أعلن الاتحاد الأفريقي رسميًّا أن تركيا شريك استراتيجي، وبعد 5 سنوات دشنت تركيا مبادرة «تركيا – أفريقيا».

 

وفي السنوات الأربع الأولى بعد توليه رئاسة تركيا في عام 2014، زار 20 دولة أفريقية واستضاف 30 رئيس دولة في تركيا.

 

وبين عامي 2008 و2018، ضاعفت تركيا تقريبًا 4 أضعاف عدد السفارات والقنصليات الموجودة في القارة، إضافة إلى زيادة نشاط العلاقات التركية الأفريقية بقوة في الفترة ذاتها؛ حيث وقعت أنقرة، حتى الآن، اتفاقيات تعاون تجاري واقتصادي مع 46 بلدًا إفريقيًّا، إضافةً إلى اتفاقية تحفيز وحماية الاستثمارات بشكل متبادل مع 28 دولة، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي مع 12 دولة في القارة السمراء.

 

وفي أبريل 2005 تمكنت تركيا من نيل صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وكلفت سفارتها لدى أديس أبابا بتاريخ 5 مارس 2005؛ لتكون سفارة الجمهورية التركية المعتمدة لدى الاتحاد الأفريقي.

 

ويذكر أن حجم التبادل بين أنقرة والعواصم الأفريقية في عام 2003 كان لا يتعدى 3 مليارات، فيما بلغ نهاية العام الماضي، أكثر من 20 مليار دولار، وهناك توقعات بأن تتجاوز الاستثمارات التركية في البلدان الأفريقية الـ6 مليارات دولار في الوقت الحالي.

 

ولم يأت ذلك بين ليلة وضحاها بل كان أردوغان يخطط لتوجيه تركيا نحو أفريقيا ومحاولة السيطرة عليها لما بها من خيرات متنوعة، ووفيرة منذ وصوله إلى السلطة.

 

كما تنوعت العلاقات التركية مع القارة السمراء وتطورت؛ لزيادة عدد الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الجديدة وإنشاء آليات ثنائية اقتصادية وسياسية وتشجيع الزيارات المتبادلة للوفود التجارية.

«العثمانية الجديدة»..

منظمات إغاثية


وتتخذ المنظمات التركية للإغاثة العمل الخيري كستار لها؛ حيث إنها كانت توزع المساعدات شمالي نيجيريا، لأن جماعة «بوكوحرام» كانت قد شنت هجمات إرهابية، وفي الوقت ذاته كانت تركيا تمد المتطرفين بالأسلحة سرًا، وفقًا لتقرير المعهد الدنماركي للدراسات الدولية.

 

وكشف التقرير السابق ذكره تورط هيئة الإغاثة الإنسانية «IHH» في تمويل عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة، التقرير الذي أعده الباحث الأمريكي المتخصص في تنظيم القاعدة إيفان كوهلمن؛ حيث فضح ضلوع صناديق الزكاة الإسلامية وغيرها من المنظمات التي تتخذ العمل الخيري كستار لتقديم المساعدات للإرهابيين.

 

وأشار التقرير إلى أن السلطات التركية بدأت بالتحقيق حول نشاطات هيئة الإغاثة الإنسانية على الأقل منذ ديسمبر 1997، جراء الاشتباه في تورط قياديين في الهيئة في شراء أسلحة أوتوماتيكية من منظمات متطرفة.

 

كما كشفت «ناشونال ريفيو» أن هيئة الإغاثة الإنسانية التركية «IHH» ما هي إلا أداة لنشر الإرهاب بمناطق عدة بقارة أفريقيا، فضلًا عن أنها تورطت بعلاقات مع منظمات إرهابية متعددة في أفريقيا مثل القاعدة وحركة الشباب الإرهابيتين وغيرهما؛ ما أدى إلى نشر الكثير من العنف والتطرف في القارة السمراء برعاية تركية.

 

ويذكر أن هيئة الإغاثة تأسست في إسطنبول عام 1992، وكان ستارها جمع التبرعات والمساعدات الإنسانية وتقديمها لضحايا حرب البوسنة المسلمين، ومارست نشاطاتها في إطار العمل التطوعي حتى عام 1995، وبعدها تم الإعلان عن تأسيسها كهيئة إغاثة إنسانية مقرها إسطنبول، وواصلت خداعها حتى توغلت في العديد من البلدان في القارات الخمس.

 

وتعد الهيئة عضوًا في اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي والمنتدى الإنساني العالمي، إضافة إلى أنها تتمتع بعضوية المجلس الاستشاري لمنظمة التعاون الإسلامي، وأعفيت من الضرائب في أبريل 2011 بموجب قرار من مجلس الوزراء.

 

وفي هذا الصدد أصدرت وحدة تحليل السياسات بمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، دراسة بعنوان «المساعدات الإنسانية.. طريق تركيا للتوغل في القرن الأفريقي»؛ حيث قالت إن تركيا نجحت بالفعل في تحقيق جزءٍ كبيرٍ من مساعيها، وبات لها نفوذ واسع في دول القرن الأفريقي وعلى رأسها الصومال، نظرًا لما تتمتع به من أهمية استراتيجية تحكمها الملاحة الدولية في البحر الأحمر بشكل كبير، ما يدفع الكثير من الدول وعلى رأسها تركيا مستغلة الأوضاع المتردية في البلاد للوجود هناك سياسيًّا وعسكريًّا، إضافة إلى تحقيق المكاسب التجارية.

 

وأضافت الدراسة أن المكاسب التركية تنوعت في القرن الأفريقي ما بين بناء القواعد العسكرية، وتوقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي والثقافي بين حكومات دول أفريقيا بالشكل الذي يعود بالعائد المادي الكبير على الحكومة التركية، الأمر الذي تظهره النتائج الخاصة جنوبي السودان، فالدول الغنية بالنفط سمحت لأنقرة بالعمل في مجال الاستثمارات؛ ما يعني دقة التخطيط التركي للاستفادة من كل دولة بالشكل الذي يخدم مصالحها.

 

وبالنظر إلى المساعدات التي قدمتها تركيا لدول القرن الأفريقي، وما ترتب على هذه المساعدات يتضح أن هناك استغلالًا تركيًّا للحاجة الإنسانية في هذه الدول؛ لتحقيق أهدافها الاستراتيجية على الأصعدة كافة؛ ومن المتوقع أن تتوسع تركيا في الفترة المقبلة في استغلال أدواتها المختلفة، خاصة المنظمات الإنسانية.

 

وعلى مستوى التعليم، تهتم تركيا بالاستثمار في مجال التعليم من أجل توفير التنمية الاجتماعية- الاقتصادية والاستقرار في البلاد الأفريقية؛ حيث وقعت على 40 اتفاقية مع 26 بلدًا أفريقيًّا، ولا تزال المفاوضات مستمرة على اتفاقيات تعاون أخرى مع 20 بلدًا.

 

كما وصل عدد الطلاب الأفارقة الحاصلين على منح دراسية تركية، إلى 14 ألفًا و891 طالبًا، و 150 مدرسًا، منذ عام 1992 وحتى الآن؛ حيث تعمل على إيجاد موطئ قدم لها؛ خاصة بعد انتشار جماعة جولن في أفريقيا، التي بدأت في تطوير التعليم في دول عدة من خلال فتح المدراس وإطلاق البرامج الاجتماعية، ونظر لها الأفارقة على أنها وسيلة لنشر القوة الناعمة في قارتهم، لكن أنقرة بدأت في شن حملة لإقناع الأفارقة بعدم السماح لنشاط جولن في بلدانهم؛ الذي تم على أثره إغلاق مدارس جولن في تشاد وغامبيا وغينيا وموريتانيا ونيجيريا والسنغال الصومالي، ونقل الإشراف عليها إلى مؤسسة معارف التركية.

 

وأصبحت قاعدة تركيا في مقديشو مركزها العسكري الرئيسي في أفريقيا، وبصفتها مقر قيادة فرقة العمل التركية، فهي تستضيف وحدة دائمة قوامها 200 جندي، وقدمت تدريبات عسكرية لـ«النسور الأفريقية»؛ حيث تدرب نحو 500 جندي صومالي وقوات أفريقية أخرى في أي وقت من الأوقات؛ بهدف تدريب أكثر من 10000 جندي.

 

كما قدمت جماعة «سادات»، وهي مجموعة شبه عسكرية تركية أسسها عدنان تانريدي مستشار أردوغان، والتي قدمت الدعم المالي والعسكري لحركة حماس؛ حيث إنه في المستقبل، سيكون لتركيا كادر من الجنود شبه العسكريين الذين يمكن أن تطلق عليهم اسمها في القارة السمراء.

"