ad a b
ad ad ad

مأزومية النظام الإيرانى في ظل إغراق الفيضانات لإقليم الأحواز

الثلاثاء 28/مايو/2019 - 12:08 م
المرجع
مسلم هنيدى
طباعة

يمر النظام الإيرانى بالتزامن مع ذكرى ثورته الأربعين هذه الأيام، بجملة من التراجعات والتجاذبات الناتجة عن ارتدادات تدخله السافر في شؤون دول الجوار، والكاشفة لواقع فشله في معالجة الأزمات الداخلية على كل الصعد والمستويات. 

مأزومية النظام الإيرانى

فإلى جانب تحركاته الخارجية المرفوضة وتحدياته الداخلية المأزومة؛ تشكل علاقته الجدلية مع إقليم الأحواز جزءًا من صدارة المشهد البائس داخليًّا هذه الأيام، على إثر فشل وعجز الحكومة عن السيطرة على الفيضانات أو معالجة الآثار السلبية الناتجة عن تدميرها لجزء كبير من قرى ومدن الإقليم، فيما يبدو وكأنه أمر معتاد لدى السلطات، حيث تدل سياسات النظام الإيرانى على مدار العقود الثلاث الماضية، على وجود خطة ممنهجة، تستهدف إحداث تغيير ديمجرافي لهذا الإقليم الغنى بالموارد النفطية والزراعية، ذى الأغلبية العربية الواقع غرب البلاد.

 

وهو المخطط الذي لطالما سعت الحكومات الإيرانية المتعاقبة لتنفيذه منذ سنوات؛ فى إطار الوثيقة الإيرانية الرسمية التي تم تسريبها في عام 2005 من مكتب المستشار الأول للرئيس الإيراني «محمد خاتمي» آنذاك، والتي تؤكد وتستهدف عزم السلطات على تهجير أكثر من ثلثي سكان عرب الأحواز إلى المناطق الفارسية واستبدالهم بمستوطنين فرس أو من أبناء القوميات الأخرى غير العربية.

 

ومن ثم فقد عاش أبناء الشعب العربي الأحوازي؛ وخاصة أبناء الريف منهم؛ خلال العقود الثلاث الماضية بين موجات ونوبات متتالية من سياسات الاستهداف والتهميش والإقصاء والجفاف والفيضان.

 

وكانت أخر تلك الموجات المفتعلة، موجة الجفاف الحادة التي تعرض لها سكان الإقليم في النصف الثانى من 2018، والتي بلغت ذروتها في نوفمبر وديسمبر من العام نفسه، وتسببت حينها في موجة من العطش والسخط والغضب الأحوازي الناقم على سياسات النظام.

 

ومع مطلع 2019 وبداية موسم الفيضان، تعمدت السلطات المحلية تحويل كل المياه الزائدة في البلاد إلى هذا الإقليم حتى تحول إلى بحيرة منكوبة، كخطوة مفتعلة تعجل من عملية التهجير القسري للسكان وفق المخطط المرسوم، فبرغم حجم كارثة الفيضانات في مناطق "الأحواز" الآن، يمتنع الحرس الثوري والسلطات المحلية عن فتح الرياحات لتصريف المياه نحو الأهوار والوديان المجاورة، بعيدًا عن مناطق الأحواز التي صارت بحيرات منكوبة ومغمورة بالمياه لأمتار.

مأزومية النظام الإيرانى

حقائق ومخططات


يعود الوجود العربي في إقليم الأحواز بمنطقة شط العرب الواقعة على الضفة الشرقية للخليج العربي والمشاطئة للسعودية والإمارات إلى جذور التاريخ والجغرافيا، فقد إستوطنه العرب ضمن دولة «حمورابي» 1750 قبل الميلاد، وكان يتبع ولاية البصرة تحت حكم الخلافة الإسلامية، إلى أن نشأت الدولة «المشعشعية» العربية (1436 ـ 1724م)، واعترفت بها الدولة الصفوية والخلافة العثمانية كدولةً مستقلةً آنذاك، ثم تلاها نشأت الدولة الكعبية (1724 ـ 1925م) والتي حافظت على استقلالها حتى سقوطها على يد الشاه الإيراني «بهلوي».

 

ومع خشية بريطانيا من قوة الدولة «الكعبية» العربية، التي كانت تقطن منطقة «الأحواز» أو «عربستان» العربية، إبان احتلالها لمناطق مختلفة في الشرق الأسط في القرن الماضى؛ فقد اتفقت مع إيران على إقصاء أمير «عربستان»، وضم الإقليم الغني بالنفط إلى إيران عام 1925، ومنذ تلك اللحظة تدعي إيران فارسية الإقليم.

 

وعليه، فالأحواز دولة عربية ابتلعتها إيران منذ ذلك التاريخ، وتطلق عليها «خوزستان»، في محاولة لطمس هويتها العربية، بعد أن كانت تسمى «عربستان» باللغة الفارسية، ثم قلبت الحاء هاءً، فأصبحت "الأهواز" بدلاً من "الأحواز"، ضمن سلسلة من محاولات طمس معالمها العربية، أعقبها منع اللغة العربية فيها، والتضييق على أهلها حتى في ملابسهم العربية.

 

والأحواز العربية غنية بالثروات، خصوصًا النفط، فبها 85% من النفط الذي تستخرجه وتبيعه إيران، ولعل هذا ما يفسر استمرار مطامع النظام الإيرانى فيها وحرصه على تصفية سكانها الأصليين حتى الآن.

 

وعبر السنين، عالجت السلطات الإيرانية الأزمة في الأحواز العربية المحتلة من الباب الأمني البوليسي، ودائمًا ما تنفذ السطات الإعدامات اليومية وتعلق الأحوازيين على المشانق وعبر الروافع الميكانيكية، لزيادة الرعب والقمع، دون أدنى درجات للتقاضي والمحاكمة العادلة، مستخدمة تهم الخيانة والعمالة وغيرها كشماعة لتبرير قمع وقتل وتصفية المواطنين، في ظل صمت دولي عن إحداث أي فعل حقيقي لإنقاذ شعب محتل لا ذنب له سوى أنه عربي ومسلم سني يعيش تحت الاحتلال الفارسي منذ عقود.

 

كما عملت الحكومات الإيرانية المتتالية خلال العقود الثلاث الماضية، بالإضافة الى سياسات الإقصاء والتهميش السياسى والاقتصادى المتعمد لسكان هذا الإقليم، على إنشاء مجموعة من السدود على المصبات التي تنبع من أعالي جبال «زاجروس» باتجاه السهول «الأحوازية»، والتي كانت تشكل تاريخيًّا الروافد الرئيسية لأنهار الإقليم مثل «كارون»، و«الكرخة»، و«الدز»، و«الجراحي»، و«زهرة» وغيرها من الروافد الأخرى، سعيًا منها لنقل مياه هذه الأنهار الصغيرة إلى الأقاليم الفارسية الأخرى كـ"أصفهان" و"يزد" و"كرمان" و"قم" وغيرها من المدن الإيرانية ذات الأغلبية الفارسية. حيث تعد إيران من أعلى الدول عالميًّا في معدلات الاستهلاك المائي، لاسيما المياه الجوفية؛ كما تصنف ضمن أكثر ثلاث دول استهلكت نسبة 40% من مياهها الجوفية، فضلاً عن ارتفاع معدل المواليد والتوزيع الديمجرافي غير المتساوي داخل المدن، كما تشير الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الإيرانية إلى استنفاد موارد المياه الجوفية بالكامل في محافظات مثل فارس، خراسان الجنوبي وأصفهان.

 

وإستكمالًا لسياسة حصر مياه الشرب ونقلها إلى المحافظات الإيرانية الأخرى؛ تسعى الحكومة الإيرانية لبناء سد عملاق في شمال الأحواز يسمي "البختياري" بارتفاع 315 مترًا (والذي سيعتبر أكبر سد  في العالم حسب ما صرحت وزارة الطاقة الإيرانية) حيث ستصل نسبة التخزين فيه إلى 4.8 مليار متر مكعب من المياه، وذلك بالتعاون مع شركة "ساينو هيدرو" الصينية لبناء السدود. ومما يثير العجب وربما لا يعرفه الرأي العام العربي والعالمي؛ أن هذه السدود سميت فارسيًّا بسدود «عرب كش» أي السدود القاتلة للعرب (الأحوازيين والعراقيين).

 

وبما أن هذه السدود بنيت لأغراض سياسية فقد شهدت الأنهار الأحوازية نوبات متتالية من هبوط منسوب مياهها، ومنها ما جف فعلًا ولايزال البعض الأخر بالكاد تجري فيه المياه، وكان كلما ارتفع منسوب المياه خلف تلك السدود قام القائمون عليها بفتحها غير آبهين بالنتائج الوخيمة المترتبة على ذلك من حصار وعطش وجفاف لسكان الإقليم.

 

وها هو النظام الإيرانى الآن يصنع ويستغل أزمة الفيضانات المفتعلة للإسراع فى تنفيذ مخطط تهجير السكان العرب الأصليين من تلك المناطق، فى ظل ما تتعرض له حكومة الرئيس «روحانى» من ضغوظات وإنتقادات تجاه تحركاتها المعادية للعرب في الداخل الأحوازي أو في دول الجوار، حيث تقاعست السلطات عن بذل الجهود المطلوبة للحيلولة دون تفاقم أزمة الفيضان، ثم تقاعست عن بذل الجهود الإغاثية المطلوبة لمعاونة وإنتشال المضارين، كما أعلنت مؤخرًا عن تقديم تسهيلات لمن يهاجرون إلى المحافظات الفارسية داخل وشرق وجنوب البلاد، لتستكمل بذلك خطة استبدال التركيبة السكانية في الإقليم العربي الغنى بمخزون البلاد الأعلى من النفط والغاز.

مأزومية النظام الإيرانى

 نتائج وتبعات


أدت كارثة الفيضانات التي تجتاح الإقليم منذ مطلع مارس 2019 إلى إغراق 9 مدن و200 قرية وتهجير نصف مليون مواطن عربي، وتهديد حياة ما يقارب المليون، وقد نتجت وتفاقمت الأزمة بسبب امتناع الحرس الثوري عن تحويل المياه الزائدة نحو الأهوار الوسطى خشية أن تغرق منشآت النفط ومزارع قصب السكر التابعة لشركاته.

 

وفي تلك الأجواء يعاني الأحوازيون من تداعيات موجة عارمة من السيول اجتاحت عددًا كبيرًا من المناطق، في ظل الأمطار الغزيرة، بينما تعامل النظام الإيراني مع الموقف بإهمال شديد، فقد أثرت السيول على العديد من المدن في الإقليم، مثل مدينة «السوس»، و«تستر»، و«الحويزة»، و«البسيتين»، و«الخفاجية»، وبعض الأحياء في الأحواز العاصمة. وتم إعلان مدينة «الرفيع» التي تقع قرب حدود العراق مدينة منكوبة بعد ما اجتاحت الفيضانات المدينة وتسببت في تشريد أكثر من ألف أسرة، وبلغ عدد القرى التي هجرها أهلها 36 قرية، منها 11 قرية في مدينة السوس و6 قرى في مدينة تستر و12 قرية في ميسان و6 قرى في مدينة القنيطرة فضلاً عن مدينة الرفيع التي هاجر نسبة كبيرة من سكانها.

 

وقد اشتدت الفيضانات منذ بداية شهر أبريل 2019 في أغلب مناطق شمال وغرب الإقليم بشكل غير مسبوق حيث شردت هذه الأمطار خلال الأسبوعين الماضيين عشرات الآلاف من المواطنين والأسر تاركين وراءهم كل ما يمتلكون، كما جرفت السيول العشرات من الأشخاص إلى الهلاك، حتى باتت تظهر الكثير من الجثث الطافية على جدول الأنهار والبرك والوديان .

 

كما أتلفت المياه أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وخلفت أضرارًا وخسائر تقدر بعشرات مليارات من الريال الإيراني، كما أكدت إدارة الكهرباء في الأحواز، تكبدها خسائر فادحة، بسبب السيول والفيضانات التي ضربت البلاد منذ يناير الماضي، والتي وصلت إلى نحو ثلاثة آلاف وثلاثمائة مليار ريال إيراني، حيث أتلفت السيول والفيضانات عددًا كبيرًا من أعمدة الشبكة، وستشهد المنطقة أزمة كبيرة في قطاع الكهرباء، وستحتاج لميزانية كبيرة لإعادتها للعمل من جديد.

مأزومية النظام الإيرانى

تقاعص واستهداف


يشكو المنكوبون من الفيضانات حاليًا بمختلف مناطق الأحواز، من عدم اهتمام أجهزة النظام الإيراني بهم وبوضعهم ومصيرهم، حيث اكتفى مسؤولوه بإطلاق الوعود التي لم يعد يصدقها المواطنون لأنهم يعلمون سلفًا أنها وعود كاذبة. فبرغم التنبؤات الجوية المسبقة بوقت الفيضانات، لم تتخذ أجهزة النظام أي إجراءات احتياطية من شأنها أن تحد من الأضرار البشرية والمادية التى كانت متوقعة نتيجة تلك الفيضانات.

 

ولقد خلقت أزمة السيول والفيضانات ما يشبه حالة من الانقسام والتضارب داخل أركان النظام الإيراني، وذلك على غرار اتهامات أطلقها عضو مجلس خبراء القيادة الملا «محسن حيدري»، للمؤسسات المحلية التابعة بتعمد إهمال أزمة السيول الأخيرة، التي ضربت قرى الأحواز، مخلفة خسائر مادية فادحة في المنازل والأراضي الزراعية. حيث اتهم «حيدري» مؤخرًا المؤسسات المعنية بتعمد تجاهل مسؤولياتها تجاه الأزمة، وامتنعت عن التدخل المباشر والسريع لمنع السيول والفيضانات، وهو ما دفع المواطنين للتطوع لأداء هذا الدور.

 

ويعتبر الحرس الثوري الإيراني شريكًا للحكومة الإيرانية في الجرائم ضد الشعب العربي الأحوازي، فبعد أن فتحت الحكومة السدود التي أدت إلى تفاقم الفيضانات وأغرقت القرى والبلدات والمدن والأراضي الزراعية، امتنعت قوات الحرس عن فتح قنوات أو ممرات لتصريف المياه نحو الأهوار المجاورة مثل هور "العظيم" في "الحويزة" أو هور "الدورق"، وذلك لحماية المنشآت النفطية ومشاريع قصب السكر القريبة التابعة له في تلك الوديان. بمعنى آخر، فإن حماية منشآت النفط ومزارع قصب السكر بالنسبة لحكام إيران أهم من حياة سكان الأحواز.

 

ولم يكتف الحرس الثوري عند هذا الحد بل أطلق وبدعم من الوحدات الخاصة التابعة للأمن الداخلي الإيراني النار على الفلاحين الذين احتجوا على تفجير السواتر الترابية التي دشنوها بأيديهم من قبل الحرس ليمنع تقدم المياه لشركاته الواقعة فى مجرى المياه ما بعد التحويل.

 

كما أعلنت السلطات الإيرانية بعد اجتماع عقدته في 11 من أبريل الماضي وحضره ممثلون عن وزارات الأمن القومي والاستخبارات والإسكان والطرق ومكتب رئاسة الجمهورية عدم قابلية المدن والقرى الأحوازية المنكوبة جراء الفيضنات للعيش والسكن، ومن ثم تقرر نقل سكان هذه القرى والمدن كافة إلى أماكن أخرى وفق المخطط المرسوم. وحتى تتمكن السلطات من تحقيق ذلك، فقد جلب الحرس الثوري ميليشيات حزب الله من لبنان، والحشد الشعبي من العراق، ومقاتلي «فاطميون» الأفغان من سوريا تحت مزاعم المساعدة في أعمال الإغاثة. إلا أن هذه المجاميع توزعت في المناطق التي شهدت فيضانات للمشاركة في قمع الاحتجاجات المحتملة ضد تقصير الحكومة، كما انتشروا بأسلحتهم عبر الطرقات للمساعدة في تهجير أكثر من مليون ونصف المليون من الأحواز لتغيير التركيبة السكانية العربية فى الإقليم.

 

وفي حين أمر المرشد الأعلى الإيراني «علي خامنئي» في 23 مارس الجيش بالمشاركة في جهود الإغاثة، فقد أرجأ «خامنئي» منتصف أبريل سحب ملياري دولار من صندوق الثروة السيادي لإعادة إعمار المناطق المنكوبة، وذلك ردًا على طلب سابق للرئيس «حسن روحاني»، مطالبًا إياه بالبحث عن مصادر أخرى في الموازنة لتمويل جهود الإغاثة قبل السحب من الصندوق، وسط تقديرات حكومية لتكلفة الأضرار بما بين 300 و350 تريليون ريال إيراني (بين 1.93 مليار و2.25 مليار يورو).

حسن روحاني
حسن روحاني

إستجابات ومساندات


أدى نقص المساعدات الحكومية وتأخر الإستجابة الحكومية في الأيام الأولى إلى تصاعد التوترات السياسية في جميع أنحاء البلاد، وتعرض الرئيس «حسن روحاني» لانتقادات شديدة بعد أن تبين أنه كان في إجازة في جزيرة «قشم» في الخليج العربى، بينما الفيضانات تدمر «الأحواز». وفي حين وصف الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، الفيضانات بأنها "أكبر كارثة مرة على إيران منذ أكثر من 15 عامًا، حيث أسفرت منذ 19 مارس عن أكثر من ألف جريح و78 قتيلاً على الأقل، وأثرت تلك الفيضانات سلبًا على نحو 10 ملايين شخص في 2000 مدينة وقرية، وهجرت أكثر من 500 ألف آخرين؛ فقد أعلن الصليب الأحمر الإيراني نقله 537000 كجم من المواد الغذائية والمعيشة من خلال 556 ساعة طيران ونقل 1970 من عمال الإغاثة والإنقاذ لتقديم خدمات الإغاثة والدعم الأساسي لأكثر من 257000 شخص وإثبات وجود ملاجئ مؤقتة لأكثر من 98000 شخص.

 

وفى حين توالى تدفق المساعدات الخارجية على البلاد، فقد شرعت إدارة «روحاني» في حظر جميع الجمعيات الخيرية التابعة للجهات الخارجية من المساعدة في جهود الإغاثة من الفيضانات في الإقليم، مطالبةً الجميع بتقديم التبرعات مباشرة إلى الحكومة الإيرانية، وبالتالي منع وصول المساعدات الأجنبية إلى المنكوبين في الأحواز، وسط تقارير رسمية أحوازية تؤكد قيام السلطات الإيرانية بالاستيلاء على المعونات والمساعدات التي تم إرسالها من قبل دول الخليج والدول الأخرى إلى منكوبي الفيضانات.

 

وفي خطوة تجسّد أواصر الأخوة الإنسانية والتضامن مع الشعب الإيراني بعيدًا عن الخلاف والتجاذب السياسى بين النظام الإيرانى ودول الخليج، أعلنت هيئة الهلال الأحمر السعودي، وبالتنسيق مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، عن مبادرة مشتركة للتخفيف من معاناة المواطنين الإيرانيين المتضررين، وفي تصريح مشترك، أشارت الهيئتان إلى أن هذه المبادرة المشتركة تأتي من منطلق أواصر الأخوة الإسلامية وتؤكد التضامن الإنساني مع الشعب الإيراني، دون النظر لأي اعتبارات غير إنسانية أخرى.

 

ففي إطارها أرسلت هيئة الهلال الأحمر الإماراتى بتاريخ 18 أبريل 2019 طائرة إغاثة إلى طهران على متنها 95 طنًا من الاحتياجات الإنسانية الضرورية، تضمنت كميات كبيرة من المواد الغذائية والخيام ومستلزمات الإيواء، لمساندة المتأثرين من السيول في الأحواز. كما أرسلت الكويت طائرتين إلى العاصمة الإيرانية، وكذلك أرسلت سلطنة عمان 4 طائرات من المساعدات، وأرسلت باكستان 32 طنًا من مواد الإغاثة إلى إيران، وتعهد الإتحاد الأوروبي بالتبرع بمبلغ 1.2 مليون يورو للمساعدة في جهود الإغاثة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات أخرى من تركيا وأذربيجان وفرنسا وألمانيا وأرمينيا.

مأزومية النظام الإيرانى

مؤشرات وإنعكاسات


ها هو النظام الإيراني يواجه غليانًا شعبيًّا محليًّا، ليس فقط في الأحواز العربية، بل حتى في طهران نفسها، لأسباب معيشية بالدرجة الأولى؛ طالت لقمة العيش وسبله المختلفة بسبب غلاء الأسعار والتضخم المالي وكنتيجة لسياساته الاقتصادية الفاشلة في ظل العقوبات، والإنفاق على التسليح العسكري وتطوير الصواريخ العابرة للحدود، لزعزعة أمن الجيران. كما باتت أزمة المياه والكهرباء من أكثر القضايا الدالة على فشل الحكومة الإيرانية في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وسيكون للبرامج الممنهجة من قبل الدولة بتحويل مجارى الأنهار من الأحواز، تداعيات سلبية في المدى الطويل على مستقبل العلاقة فيما بين النظام والأقليات، بالتزامن مع المشكلات الاقتصادية الناتجة عن الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات. 

 

ومن ثم ما يشهده إقليم الأحواز من خراب جراء الفيضانات والسيول في الأيام الأخيرة، ليس مجرد تقصير حكومي إزاء كارثة طبيعية فقط، ولكنه استغلال لها بهدف التهجير القسري للسكان، عبر مشروع خبيث تم الإعداد له بعناية منذ سنوات، للقضاء على شعب الأحواز، وتهجيره إلى مناطق أخرى. وإلا: ألم تكن الزيادة المتصاعدة في الأمطار، مؤشرًا يستوجب ضرورة تفريغ السلطات للمياه خلف السدود خلال الفترة الماضية؟ ولماذا لم تقم الحكومة ببناء المتاريس والسواتر وتركت الأهالي وحدهم دون معدات؟. وماذا فعل قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" وميليشياته خلال زيارته للمنطقة بخلاف قمع الاحتجاجات؟. ولماذا لم تصل التبرعات والمساعدات الإنسانية العربية والأجنبية للمنكوبين الأحواز في التوقيتات؟. أم فشل النظام في توزيعها كما فشل في مواجهة الكارثة.. أم أنه تعمد الإهمال وترك المهجرين للعراء والجوع؟!. وما دلالة قدرة النظام الفائقة على حماية المناطق النفطية، وعجزه الكامل، عن تحويل.. مجرد تحويل مياه السدود إلى حقول قصب السكر المجاورة للمناطق السكنية التي تغمرها مياه الفيضان؟!.

 

وعليه، تقتضى اللحظة الراهنة تحركًا عربيًّا مدروسًا لدعم أهل الأحواز في الحصول على حقوقهم، وعودة إيران الفارسية إلى حدودها الطبيعية عند جبال «زاجروس»، فى ظل بقاء مقومات استعادة الدولة الأحوازية قائمة وموجودة، بدءًا من الشعب والإقليم والتراث والتاريخ الطويل، رغم كل المحاولات الإيرانية لطمسها منذ عقود، وفى ظل ما يتعرض له النظام الإيرانى من ضغوطات وتراجعات وتحديات يمكن استغلالها وتوظيفها لإحداث التغيير المطلوب. حتى تظل الأحواز ترابًا عربيًّا مهما حاولت إيران تغيير معالمه، فمصيرها العودة إلى محيطها العربي، لأن الهوية لا تستبدل، ولو دام الاحتلال مئات السنين.

الكلمات المفتاحية

"