«جهاز الوحدات».. كيف اخترق إخوان تونس العقلية الأمنية؟

على طريقة انكشاف أمر النظام الخاص، في أربعينيات
القرن الماضي، عقب العثور على وثائق بإحدى السيارات، فيما عُرف بحادث «السيارة
الجيب» ، وأدت إلى حل جماعة الإخوان ـــ للمرة الأولى ــــ عام 1948، شهد العام الماضي 2018 فضح
الفرع التونسي للجماعة، لاسيما عقب إيجاد وثائق تتعلّق بكيفية صنع المتفجرات، وطرق
الاغتيالات، والأسلحة، ومحادثات مشبوهة، وبضائع مهربة، تخص حركة النهضة، الذراع
السياسية للإخوان في تونس.

وبيّنت هيئة الدفاع عن
الشهيدين «شكري بلعيد ومحمد البراهيمي»، تورط إخوان تونس في تجنيد 1000 شاب في
الأمن، و500 شاب للحماية، وإنشاء ورشة تقنية هدفها اختراق المؤسسات، وإحداث إدارة
تشرف على 4 أجهزة تنصت، ونسج 50 علاقة داخل الأجهزة الأمنية، ومع شخصيات محايدة من
خارج الجهاز، فضلًا عن وجود مراقبة لعديد المنازل في منطقة باردو، وعربات إدارية
منها واحدة تابعة لرئاسة الحكومة.
وأعلنت الهيئة أمس السبت،
أنّها قدّمت قضية ضدّ وزير الداخلية التونسي هشام الفراتي؛ بتهمة حماية المسؤولين
عن جهاز الاغتيالات السرّي التابع لحركة النهضة، وقالت إيمان قزارة، عضو الهيئة
إنه تم اكتشاف وثائق جديدة مخفيّة بوزارة الداخلية عاينها قاضي التحقيق، وتمت
إحالتها إلى النيابة العمومية، وتوجهت برسالة إلى وزير الداخلية، تطالبه فيها
بمصارحة الشعب التونسي، وكشف الحقيقة، وجميع المعطيات، والتوضيحات عن الجهة التي
تقف وراء بعث رسائل في طرود مسمومة إلى مجموعة من الشخصيات الوطنية.
للمزيد: «قتال الدراجات النارية».. وثيقة جديدة تفضح إخوان تونس

«النهضة» على خطى البنّا
خطط حسن
البنا، مؤسس الجماعة الأم، منذ أربعينيات القرن الماضى إلى اختراق الكيانات
السيادية، والاتجاه إلى تكوين ما يشبه الميليشيا وهو النظام الخاص، وضم هذا الكيان بداخله مجموعة
من الوحدات، كان من بينها قسم الضباط الذي اختص باستقطاب وتجنيد ضباط الجيش لصالح
الجماعة، كان يرأسه الصاغ محمود لبيب، وقسم الوحدات ومسؤوليته تجنيد عناصر الشرطة،
تزعمه صلاح شادي، ضابط الشرطة الذي فُصل من عمله؛ نظرًا لانتمائه للإخوان.
وانتهجت
حركة النهضة الاستراتيجية نفسها لاختراق أجهزة الشرطة في تونس، فمن ترى فيه شخصية
قيادية تسعى بشتى الطرق لاستقطابه وضمه للجماعة؛ كي يصبح داعمًا لها؛ نظرًا لحاجة
الإخوان للأجهزة السيادية.
ويقول
الإخواني المنشق، سامح عيد: إن الجماعة الأم كانت تُخفي العناصر
الموجودة بجهازي الشرطة والجيش، فلا يكونون معروفين لكل أعضاء الجماعة، ويكونون
في لجان محصنة بصورة كبيرة، ويتعرضون لاختبارات أكثر دقة؛ حتى لا يتمكنوا هم من
اختراق الجماعة، مضيفًا أن من لهم أقارب في الأمن الوطني كان يتم استبعادهم أو
يظلون في مستوى «محب».
وفي
عرف الإخوان، يتم تجنيب العناصر التي لها أقارب في الأجهزة السيادية، إذا كانوا
غير فاعلين وليسوا من الشخصيات القيادية، فيحضرون المؤتمرات العامة فقط، ولا تتم
دعوتهم إلى الاجتماعات التي تشارك فيها الأسر الأخرى، كما يمنعون من العمل في لجان
الطلبة والأسر والأشبال؛ حتى لا يكونوا وسيلة من الأجهزة الأمنية لإلقاء القبض على
الأعضاء.

امتداد تاريخي
من جانبه قال الباحث التونسي، أحمد النظيف: إن ما كشفته هيئة الدفاع عن
الشهيدين «شكري بلعيد ومحمد البراهيمي»، بخصوص وجود علاقة بين الجهاز الخاص
للنهضة والجهاز الخاص للجماعة الأم في مصر، يكشف عن امتداد تاريخي لهذا التعاون،
لافتًا إلى أنه في السابق كان الجهاز الخاص للاتجاه الإسلامي، ثم إن
النهضة على تواصل كبير مع نظيره المصري، في علاقة بالتدريب والوثائق وحتى التمويل
والدعم اللوجستي.
وأضاف
في تصريحات صحفية، السبت، أن محمد شمام المشرف على الجهاز الخاص كان يكلف ذراعه
اليمنى، سيد الفرجاني الملقب حركيا بالأمين، بالإشراف على شبكة التهريب التابعة
للجهاز؛ حيث كان يسافر إلى باريس وفرانكفورت؛ للتزود بالمال في شكل نقدي وفي أشكال
عينية عن طريق جلب سيارات محملة بالسلع يتم التفويت فيها بتونس لتمويل الحركة
بالتنسيق مع ممثل الحركة في باريس الحبيب المكني، وذلك بالتعاون مع كامل غضبان
الفلسطيني الأصل وعضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان.
وأردف:
«تطورت عمليات التهريب التي يقودها سيد الفرجاني حتى وصلت إلى السلاح، ففي شهر
يناير 1986 توجه إلى باريس بأمر من محمد شمام لتوريد 5000 قنبلة غاز مشل للحركة،
دفع ثمنها ممثل الحركة في باريس الحبيب المكني، لكن أمر العملية افتضح لاحقًا بمداهمة منزل رجل الأمن يوسف الهمامي أحد أعضاء الجهاز».
وبحسب
«النظيف» ساعدت أفرع التنظيم الدولي للجماعة في الخارج (السودان،
الجزائر، سويسرا، ألمانيا، إيطاليا...) في استقبال وتهريب المئات من عناصر النهضة، خاصة عناصر الجهاز الخاص، وكان اللبناني مصطفى الطحان، المسؤول في التنظيم
الدولي على منطقة شمال أفريقيا، مشرفًا على كل هذا العمل.

الدين وجمع الأصوات
وبينما تتوالى اتهامات
الحركة ذات المرجعية الإسلامية بتنفيذ اغتيالات، يصدح صوت من الداخل يطالب بفصل
الدين عن السياسة بالحزب باعتباره الحل؛ إذ قال القيادي في النهضة، لطفي زيتون: إن
الحركة يتعين عليها الإسراع والتخصص كحزب سياسي والتخفيف من الخطاب الديني، مشددًا
على أنه من الضروري تجنب الخلط بين الديني والسياسي، فضلًا عن ضرورة حسم الحركة
أمرها وتحرير الإسلام من الصراع السياسي قبل الانتخابات القادمة.
وتابع: «الدين دين
الشعب ولا أحد يزايد على التونسيين في دينهم؛ فلا يجب أن يكون الدين
أداة لجمع الأصوات»، معلنًا أنه سيغادر الحركة إذا منع من التعبير عن رأيه، مشيرًا
إلى وجود «نوع من التضييق عليه؛ ما جعله يمتنع عن حضور اجتماعات القواعد».