تشهد
العلاقات الأوروبية ــــ الإيرانية حالة من التباين، رغم التقارب الذي تحاول أن
تنتهجه القيادات الأوروبية بعد إعلان الإدارة الأمريكية انسحابها من الاتفاق
النووي الإيراني في 8 مايو 2018. وما نتج عنه من سياسة جديدة أعلن عنها «مايك بومبيو» وزير الخارجية الأمريكية في 21 مايو2018، الأمر
الذي مثل تحديًا للقيادة الأوروبية التي تتبني سياسة الاحتواء لطهران وسياساتها
الخارجية لردعها بشكل سلمي من خلال التزامها بمعايير التعاون الدولي وفقًا للمواثيق
والاتفاقيات الدولية.
في
المقابل تسعى «طهران» لاتباع سياسة خارجية أكثر طموحًا تساهم في تحقيق أهدافها
التوسعية، من خلال التغلغل داخل المجتمعات الأوروبية، من خلال أذرعها، علاوة على
توظيف وجودها بشكل رسمي وغير رسمي لقمع المعارضة وتطويقها خارج الأراضي الإيرانية.
لذا فلم تصمد هذه السياسة طويلًا أمام السلطات الأوروبية التي بدأت تدرك مدى خطورة
الأنشطة الإيرانية غير المعتدلة على أراضيها، بالرغم من انتهاجهم سياسة التقارب
معها.
تحديات متتالية
تتوالى الأزمات التي تواجهها طهران على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ حيث أعلنت وزارة الخارجية الألبانية الأربعاء 19 ديسمبر2018، طردها السفير الإيراني ودبلوماسي آخر باعتبارهما غير مرغوب فيهما لإضرارهما بالأمن القومي، وذلك دون ذكر اسم الدبلوماسيين، بعد ما قامت السلطات الألبانية بالتشاور مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي بشأن القرار، وهو الأمر الذي علقت عليه جماعة «مجاهدي خلق» المعارضة بأن السلطات داخل العاصمة الألبانية اعتقلت الدبلوماسيين على خلفية تورطهما في عملية استهداف معسكر بهم في ضواحي العاصمة الألبانية «تيرانا»، في مارس2018، وهو ما أوضحه «حسين داعي الإسلام» أحد أعضاء الجماعة بأن «مجاهدي خلق» قدمت معلومات للسلطات الألبانية عن دور مسؤولين في السفارة وهما أعضاء في وزارة الاستخبارات.
كما أعربت وسائل إعلام أن عدم الرغبة في استمرار تواجد الدبلوماسيين الإيرانيين تأتي على غرار محاولتهما لاستهداف مباراة المنتخبين الإسرائيلي والألباني في إطار تصفيات كأس العالم الأخيرة. (1)
لم تكن المرة الأولى التي تتعرض لها طهران لعقوبات من قبل بعض الدول الأوروبية إزاء تحركاتها غير المعلنة التي تقوم من خلالها باستهداف المعارضة داخل العواصم الأوروبية، فقد قامت السلطات الفرنسية بفرض عقوبات على أصول تابعة لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، وبعض الرعايا الإيرانيين، فضلًا عن مداهمة مركز شيعي تابع لها، وجاء ذلك على خلفية استهداف الاجتماع السنوي للمجلس الوطني للمعارضة الإيرانية المُنعقد بالعاصمة الفرنسية باريس. (2)
قراءة في ردود الفعل تجاه القرار الألباني
تباينت ردود الفعل حول قرار طرد الدبلوماسيين الإيرانيين من قبل السلطات الألبانية على الأصعدة كافة على النحو التالي:
1- على الصعيد الداخلي: ندد بهرام قاسمي «المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بقرار الطرد زاعمًا أنه يستند إلى «معلومات استخباراتية ملفقة»، مشيرًا إلى أن القرار تم اتخاذه نتيجة ضغط كل من إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة؛ وأوضح أن واشنطن وتل أبيب تعملان على تدمير العلاقات الأوروبية ـــ الإيرانية، موضحًا أن طهران قدمت احتجاجًا لـ «تيرانا». (3)
2- على الصعيد الدولي: في سياق حالة العداء المستمر بين النظام الإيراني والولايات المتحدة، شكر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» السلطات الألبانية بطردها السفير الإيراني من «تيرانا»، لجهودهم في التصدي للأنشطة الإيرانية التي تستهدف أمن واستقرار البلاد، كما ذكر «جون بولتون» مستشار الأمن القومي الأمريكي أن ما قامت به ألبانيا يمثل رسالة مباشرة للقيادة الإيرانية بأن استمرار دعمها للإرهاب لن يستمر ولن يتم التسامح معها، فيما أثنى «مايك بومبيو» وزير الخارجية الأمريكي على القرار داعيًا النظام الدولي إلى انتهاج موقف موحد من طهران خاصة فيما يتعلق بفرض العقوبات على النظام الإيراني لتغير سياساتها التوسعية. (4)
3- على الصعيد الإقليمي: أيدت المملكة العربية السعودية الإجراءات الألبانية التي قامت بها السلطات لمواجهة النشاطات الإرهابية التي تقوم بها طهران في أوروبا، وهو الأمر الذي أضر بأمن واستقرار العاصمة «تيرانا»، مؤكدة خطورة الدعم الإيراني للأعمال الإرهابية. (5)
كما أشادت وزارة الخارجية البحرينية بقرار الطرد، معربةً عن تطلعها لمواصلة الجهود الرامية للتصدي للأعمال الإرهابية المتطرفة التي تقوم بها طهران، لدفعها للحفاظ على سيادة وسلامة الدول وفقًا للمعايير الدولية. (6)
دلالات القرار
جسد القرار ضربة قاصمة لطهران في منطقة البلقان؛ إذ حاولت طهران توظيف وجودها في داخل عواصم منطقة البلقان لتحويلها إلى منطقة استراتيجية، يمكن توظيفها لخدمة مصالحها في أوروبا بصفة عامة، وتتمثل في تأسيس قاعدة استخباراتية لعملياتها، وأنشطها غير المعلنة في المنطقة وباقي الدول الأوروبية، علاوة على تطويق المعارضة خارج أراضيها، بجانب خلق موطئ قدم لها يمكن استغلاله كأداة ضغط على بعض الأنظمة الحاكمة لخدمة مصالحها.
وعليه فقد اتجه «نظام الملالي» نحو «تيرانا» بشكل كبير في الآونة الأخيرة من خلال تعزيز العلاقات بين الجانبين، خاصة على الصعيد التجاري والاقتصادي بما يتوافق مع مصلحة البلدين، وهو ما تجسد في تأكيد الرئيس الإيراني «حسن روحاني» أهمية تنامي العلاقات بين البلدين بما يُوثق علاقة الشعوب ببعضها البعض، إبان استقباله السفير الألباني غير المقيم في طهران.
ويأتي التوجه الإيراني تجاه ألبانيا وباقي دول المنطقة في سياق سياسة إيرانية لإذابة الجليد، بهدف التخلص من العزلة التي فرضتها القوى الدولية والإقليمية على طهران من خلال فرض عقوبات دولية عليها بسبب برنامجها النووي والصاروخي، فضلًا عن رغبتها في إقامة تحالف قوي في منطقة شرق أوروبا يستند على مقدرات الجانبين الاقتصادية والتجارية.(7)
وإجمالًا؛ يعد القرار الالبانى نوعًا جديدًا من سياسة الردع السلمي للتحركات الإيرانية داخل العواصم الأوروبية التى تحمل في طياتها تهديدًا للأمن الإقليمي الأوروبي، لذا فقد أدركت بعض هذه الدول مدى خطورة التحرك الإيراني على استقرارها.
الهوامش
1- "ألبانيا تعلن إحباط اعتداء إرهابي وتطرد السفير الإيراني"، الشرق الأوسط، 21/12/2018. http://cutt.us/CYR7P
2- آية عبد العزيز، "العلاقات الفرنسية الإيرانية ما بين الردع والحذر"، المركز العربي للبحوث والدراسات، 17/10/2018. http://www.acrseg.org/40967
3- " تأييد سعودي لإجراءات ألبانيا بطرد دبلوماسيين إيرانيين"، الشرق الأوسط، العدد 14635، 23 ديسمبر2018. http://cutt.us/sCAPX
4- “Trump Thanks Albania for 'Standing Up To Iran’”, Radio Free Europe/Radio Liberty, 20/12/2018. https://www.rferl.org/a/albania-expels-iranian-diplomats-kosovo-world-cup-bolton-pompeo/29666425.html
5- انظر " تأييد سعودي لإجراءات ألبانيا بطرد دبلوماسيين إيرانيين"، مرجع سابق.
6-"البحرين ترحب بقرار ألبانيا طرد اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين"، 20/12/2018. http://cutt.us/Kl6l6
7- "إرهاب إيران في البلقان"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 17/12/2018.
https://rawabetcenter.com/archives/79804